تحاول السعودية إنقاذ نفسها من الوصول إلى العجز التام في عدوانها على اليمن، عبر التلويح بآخر أوراقها العسكرية، وهو الدفع بمصر إلى خطوة تدخل برّي محتمل. فبعد الإعلان لمناورة عسكرية تدريبية بين الجيشين المصري والسعودي مع قوات خليجية مشتركة، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي موافقته على المشاركة في المناورة التي ستتكفل الرياض بكامل مصاريفها، في وقتٍ رشحت فيه عن طهران دعوات لمصر إلى الانضمام لمساعي الحلّ السياسي عوضاً عن الانجرار إلى «المستنقع اليمني».
وفيما تستنفد السعودية خياراتها العسكرية في حربها على اليمن رافضةً حتى الساعة أي منطق سوى منطق استمرار العدوان، جدّدت طهران، التي قدّمت سابقاً مقترحاً من 4 نقاط للحلّ، استعدادها لبذل «كل الجهود» حتى عودة الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات، وذلك بعد تأكيد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مشاورات بين بلاده وباكستان وتركيا وسلطنة عمان في إطار المساعي إلى حلٍّ سياسي في اليمن. كذلك، برزت يوم أمس، دعوة تركية إلى عقد مؤتمرٍ دولي «لإحلال السلام في اليمن» في اسطنبول أو الرياض.
دعت أنقرة إلى عقد
مؤتمر دولي للسلام خاص باليمن في اسطنبول أو الرياض

ورغم تصاعد الأصوات الرافضة للتدخل البري في اليمن، إلا أن خبراء عسكريين مقربين من القوات المسلحة المصرية يرون في موافقة السيسي على تنفيذ «مناورة استراتيجية كبرى» مع السعودية ودول الخليج باستثناء سلطنة عمان بمثابة موافقة ضمنية على التدخل البري باليمن.
وترك السيسي لوزير الدفاع، صدقي صبحي، مهمة تحديد القوات التي يفترض أن تشارك بالمناورة على الأراضي السعودية والتي ستضم عناصر من القوات الخاصة بالجيشين الثاني والثالث الميداني، حيث سيُختار «أكفأ العناصر» التي أظهرت قدرات خاصة خلال التدريبات المكثفة التي جرت خلال الأسابيع الماضية في المناطق الجبلية بالإضافة إلى عناصر من حرس الحدود.
وأجرى رئيس الأركان المصري، محمود حجازي، أمس، اتصالات هاتفية مع نظرائه في دول الخليج للاتفاق على موعد مبدئي للتدريبات العسكرية بحيث تبدأ في فترة أقل من شهر، مع تحديد أعداد القوات التي ستشارك فيها القاهرة. وستكون مصر ثاني البلاد الأكثر عدداً بعد السعودية، فيما يجري التنسيق على الأسلحة التي سيجري التدريب عليها وستكون موجودة في الرياض.
ومن المقرر أن يقوم وفد عسكري مصري بزيارة تنسيقية للرياض خلال الأيام المقبلة للاتفاق على التفاصيل النهائية للمناورات، حيث تعقد لقاءات بين العسكريين المصريين ونظرائهم في الخليج، فيما طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي تقريرين يومياً عن التطورات العسكرية على الأرض في اليمن، وكذلك أخبار المناورة، علماً بأنه كلف ضباطاً سابقين بالجيش مهمة تسليمه التقارير اليومية.
خبير عسكري مقرب من المؤسسة العسكرية، قال لـ«الأخبار» (احمد جمال الدين) إن موافقة الرئيس السيسي جاءت بعد طلب الرياض إجراء المناورات على أراضيها لتكون نواة للقوة العربية المشتركة، بالإضافة إلى وضع القوات على درجة الاستعداد إذا تطلب الأمر قراراً سياسي بتدخل بري في اليمن، مشيراً إلى أن السعودية بحكم استضافتها للتدريبات تتكفل بمصاريف التدريبات كاملة، وهو أمر معتاد في مثل هذه التدريبات.
في هذا الوقت، صدر عن طهران إشارات باتجاه مصر لدفعها باتجاه مسار الحلّ السياسي. وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، إن طهران تتوقع من مصر أن تقدم عوناً أكبر للإسراع في البحث عن حل سياسي للأزمة اليمنية.
وأضاف عبد اللهيان، خلال لقاء جمعه بمدير مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران خالد عمارة: «نتوقع من مصر باعتبارها بلداً إسلامياً وعربياً، أن تبذل عوناً أكبر في الإسراع في البحث عن حل سياسي لليمن، ومنع استمرار المجازر واتساع الصراع، وليس مقبولاً أن تضع مصر نفسها في مواجهة الشعب اليمني». وفيما رأى بلاده تنظر إلى أمن المنطقة كمجموعة مترابطة، وأن أمن دول المنطقة يتأثر بعضه ببعض، ويشكل حلقات متكاملة، أكد أن إيران ومصر باعتبارهما بلدين كبيرين ورئيسيين، فإنهما يتحملان مسؤولية أساسية ودوراً كبيراً في صيانة استقرار المنطقة وأمنها». واعتبر عبد اللهيان أن «ما يجري اليوم على الساحة اليمنية، يمثل ظروفاً معقدة وخطيرة جداً، الأمر الذي يتطلب يقظة ووعياً من جميع الأطراف، معبراً عن إيمان بلاده بأن الحرب الحالية ضد اليمن «تمثل مستنقعاً عميقاً، قد تؤدي إلى تبعات خطيرة لا يمكن تعويضها».
ورغم هذه التحضيرات التي تنذر باحتمالات انتقال الحرب إلى مرحلةٍ أخرى، أكد السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، أن بلاده تتطلع نحو بدء عملية سياسية»، محدداً إطارها بتجديد اشتراط «استئناف الحكومة الشرعية عملها». وقال الجبير، خلال مؤتمر صحافي عقد يوم أمس، أن التركيز منصب الآن على الوضع الانساني في اليمن، موضحاً أن الرئيس علي عبدالله صالح وأتباعه «في موقف عسكري ضعيف».
وأكد الجبير أن استخدام القوة كان الملاذ الأخير بعد استنفاد الحلول السياسية، مشدداً على أنه لا طموحات إقليمية للسعودية، بل «هي تسعى إلى استقرار اليمن في ظل نقض الحوثيين أكثر من 60 اتفاقاً خلال 3 سنوات»، مشيراً إلى أن إيران «حاولت إمداد الميليشيات بالسلاح». وتابع الجبير القول إن «عاصفة الحزم ليست حرباً بالوكالة، بل بطلب من الرئيس الشرعي لليمن»، مؤكداً أنه لا يوجد دور لدولة مثل إيران في مستقبل اليمن.
في المقابل، تمضي طهران بمحاولات إعلاء منطق الحوار على استمرار العمليات العسكرية، إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمس، أن طهران ستستخدم كل نفوذها في المنطقة واليمن للتوسط في اتفاق سلام باليمن من أجل إنهاء الحرب السعودية، مؤكداً حصول مشاورات إيرانية مع تركيا وباكستان وسلطنة عمان في هذا المجال. وقال ظريف من العاصمة البرتغالية لشبونة: «نحن قوة رئيسية بالمنطقة ولدينا علاقات بكل الجماعات في مختلف الدول وسنستخدم هذا لجمع كل الأطراف على طاولة المفاوضات».
وقال ظريف إن جهود إحلال السلام في اليمن «يجب أن تبدأ بمقدمة سليمة وهي أننا بحاجة إلى إنهاء القصف وسفك الدماء ومنع تنظيم القاعدة من الاستفادة من هذا الوضع البغيض». وكان ظريف قد طرح أول من أمس، خطة سلام من أربع نقاط لإنهاء الأزمة اليمنية تتكون من وقف لاطلاق النار وتقديم مساعدات انسانية وإجراء حوار داخلي يمني وتشكيل حكومة موسعة.
الإعلان الإيراني ترافق مع آخر تركي، جاء على لسان رئيس البرلمان التركي، جميل شيشك، الذي أكد من موسكو أن بلاده راغبة في تنظيم مؤتمر دولي للسلام في اليمن، يحضره جميع أطراف النزاع، يعقد في اسطنبول أو الرياض.
على المستوى اليمني الداخلي، تمضي قيادات حزب «الإصلاح» (الإخوان المسلمون) في تأكيدها الوقوف إلى جانب العدوان، إذ أعلن رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح والداعية الاسلامي، عبد المجيد الزنداني، تأييده للعدوان السعودي، داعياً اليمنيين إلى التعبئة العامة ضد الحوثيين الذين أقرّ بقوتهم. وقال الزنداني الفارّ من اليمن في بيان: «تبين من سير المعارك والأحداث وضخامة الإمكانات، والأسلحة التي استحوذ عليها الانقلابيون، والدعم المادي الهائل الذي حصلوا عليه من الخارج، كما تبين حجم الخلل الذي أصاب المؤسسة العسكرية والأمنية، فجعلها غير قادرة على حماية نفسها»، مضيفاً أن هذا الواقع يقتضي على اليمنيين حكومةً وشعباً التعاون والتنسيق، وتوحيد الجهود، والمواقف، مع إخوانهم في دول الخليج، في كل المجالات، والشؤون الداخلية، والخارجية، والقيام بما يجب عليهم في هذا المجال من مهمات ومسؤوليات. وأردف قائلاً: «وإعلان الاعتراف بجميل مواقف إخواننا في دول الخليج والثناء عليها، ونشر ذلك بين أبناء الشعب اليمني وإظهاره لسائر الشعوب العربية والاسلامية عامة وجميع دول العالم مع الدعاء لهم».
على الصعيد الميداني، تواصل قصف العدوان يوم أمس، على مختلف المحافظات اليمنية، وذلك مع دخوله الأسبوع الثالث. وأوقع قصف العدوان على منطقة صعدة يوم أمس، نحو أربعين شهيداً بالإضافة إلى عشرات الجرحى سقطوا جراء أربعين غارة شنها العدوان السعودي على محافظة صعدة صباح أمس، مستهدفة أحياء سكنية ومنشآت حكومية. وأكدت مصادر لـ«الأخبار» أن الجيش و«اللجان الشعبية» يتقدمان بسرعة جنوباً مقابل تساقط عناصر «القاعدة» المدعومة من فصائل في الجيش موالية للواء الفار علي محسن الأحمر في محافظة مأرب. يأتي ذلك في وقتٍ شهدت فيه عدن قصفاً عنيفاً من بارجات أميركية في خليج عدن، في ظلّ استمرار ملاحقة الجيش و«اللجان الشعبية» لبقايا أوكار «القاعدة» في عدن وأبين وشبوة التي لا تزال تظهر فيها بين الحين والآخر عمليات إرهابية كان آخرها ذبح ما يقارب 12 جندياً بالسكاكين في شبوة.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)