في سوادها الأعظم، سعت مقالات الرأي حول قضية إعدام الشيخ نمر باقر النمر، المنشورة في الصحف الخليجية، لمساواة النمر مع قادة التنظيمات التكفيرية كداعش والقاعدة ومتفرعاتها، مركزة على ما وصفته بإهمال الخطاب الإيراني لآلاف السجناء السياسيين والمضطهدين من المواطنين السعوديين السنّة، لاتهام طهران بالسعي إلى تزعم الشيعة العرب، على حساب كيان الدول العربية. قلة قليلة فقط من مقالات الرأي طرحت علامات الاستفهام حول مفهوم حكام الخليج لـ«الإرهاب»، وعلاقتهم بنشأته وتغوله.
يذهب طارق الحميد، في مقاله في جريدة «الشرق الأوسط» المنشور أمس، بعنوان «نفاق النظام الإيراني»، إلى وضع النمر والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والرئيس السوري، بشار الأسد، على السوية نفسها مع زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، أبو بكر البغدادي، وأسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، والقيادي القاعدي الذي أُعدم مع النمر، فارس آل شويل، واضعاً جميع من ذُكر في سلة «الإرهاب» نفسها.
ويلفت الحميد إلى أنه ليس بين الرجال الـ47 الذين أعدمتهم السعودية منذ أيام إيراني واحد، سائلاً عن سبب رد فعل طهران على ما أقدمت عليه السعودية: «هل لأن النمر شيعي؟ وماذا عن باقي الإرهابيين؟ هل الإعدام حق للسنة، حرام على الشيعة؟ هل كل سني إرهابي، وكل شيعي حر مجاهد؟». ويسأل الحميد إن كانت طهران تعتقد أن «كل شيعي ليس مواطناً في بلده... لأن هذا يعني أن إيران لا تحترم المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولا تحترم كيانات الدول».
وفي الصحيفة نفسها، يسأل الكاتب، عبد الرحمن الراشد، في عنوان مقال نُشر أمس: «لماذا يُستثنى النمر؟»، يلفت الراشد إلى أن «في السجون السعودية 5 آلاف متطرف، منهم المئات تمت إدانتهم، غالبيتهم سعوديون سنة، وفقط بضع عشرات من السعوديين الشيعة»، سائلاً عن سبب عدم اكتراث طهران لإعدام المواطنين السعوديين من غير الشيعة، ومعتبراً أن الرياض لا تستطيع أن تعدم «دعاة دينيين سنّة مذنبين في قضايا تحريض أدت إلى ارتكاب جرائم قتل، وفي الوقت نفسه تتعامل سياساً فقط مع المدانين من الشيعة، فلا تعاقبهم على نفس الجرائم». ويرى الراشد أن «رجال الدين لا عصمة لهم عندما يقودون عمليات التحريض وقتل المدنيين، سواء كانوا سنّة أو شيعة»، معتبراً أن «مشكلة العالم اليوم هي من رجال الدين المتطرفين الذين يقودون الخراب، ويهددون السلم في كل مكان».
انقلب موقف داعمي الجهاديين «بقدرة قادر»

ويفسر الراشد «الحملة الإعلامية التي تقودها (طهران) في موضوع الإعدامات» على أنها من لوازم «حرب سياسية ودعائية ضد (المملكة)، منذ أن قررت (إيران) الدخول في حروب طائفية في العراق وسوريا واليمن».
أما رئيس تحرير صحيفة «السياسة» الكويتية، أحمد الجارالله، فكان عنوان افتتاحيته يوم أمس، «اعزلوا نظام طواويس إيران»، حيث رأى أن «اقتحام مجموعات من «الحرس الثوري» و«الباسيج» السفارة السعودية في طهران يُعتبر إعلان حرب رسمياً على المملكة... ويكون على الجميع الاستعداد لما هو أسوأ بعد سلسلة الهزائم التي مني به مشروع الملالي التوسعي في المنطقة».
ويضيف الجارالله أن «مواقف وتصريحات غالبية المسؤولين الايرانيين حرضت على العدوان والإرهاب وتأجيج الفتنة الطائفية في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً بعدما جعل نظام الملالي نفسه وصياً على مواطني دول أخرى على أساس طائفي بحت».
وبحسب الجارالله، فإن رد فعل طهران جاء بسبب «الألم الذي شعر به هذا النظام جراء سحق رأس مشروعه التخريبي في السعودية، إذ لا يخفى على أحد الدور التحريضي الذي مارسه نمر النمر طوال السنوات الماضية، وكيف كان يسوّق للمشروع السياسي الفارسي، ويدعو إلى قتل رجال الأمن والتعدي على المواطنين الأبرياء، إذ كانت طهران تراهن عليه من أجل تقويض أمن المملكة».
ورأى الجارالله أن اقتحام السفارة السعودية في طهران «رسالة تهديد واضحة إلى دول «الخليجي» كافة، (مفادها) أنها لن تكون بمنأى عن التخريب والعدوان»، ما يستوجب، بحسب الكاتب، أن على دول «مجلس التعاون»، ومعها الدول العربية كافة، «تأييد الموقف السعودي الحازم والتصدي للممارسات الإيرانية»، داعياً دول العالم قاطبة إلى إخماد «الحرب المذهبية التي يسعى إليها الملالي»، عبر «إحكام الطوق» حول إيران وعزلها.
وفي هذا السياق، يدعو الكاتب في صحيفة «الحياة» السعودية، عبد العزيز السويد، إلى «تسخين ملف إرهاب الدولة الإيرانية في المحافل الدولية وفضحه»، معتبراً ذلك «المهمة العربية» الأكثر إلحاحاً. ويرى السويد أن «نظام الملالي نجح في إخفاء إرهابيته» بأن «خطف شعار المقاومة من العرب والفلسطينيين»، وأن «تصريحات طهران النارية ضد إسرائيل» جاءت «في مقابل دعوات اتفاقات السلام العربية مع الدولة الصهيونية»؛ لكن «تغول (إيران) الفاضح في العراق وسورية واليمن» كشف «أهدافها الاستراتيجية في المنطقة العربية».
أما عبدالله السويجي، الكاتب في صحيفة «الخليج» الإماراتية، فيشير في مقاله المنشور أمس، بعنوان «معضلة الحرب على الإرهاب»، إلى أن «الحركات الإسلامية المتطرفة، التي تُدمغ وتوصف بالإرهاب هي ذاتها التي كانت مثار إعجاب لدى قطاع واسع من الجمهور العربي والإسلامي، حتى إن كثيرين، من رجال الدين والسياسيين أطلقوا عليها الحركات الجهادية، وروجوا لها على هذا الأساس: حركات جهادية ثورية تهدف إلى إطاحة الدكتاتورية لإنشاء أنظمة (عادلة) في المنطقة». ويلفت السويجي إلى انخراط دول كثيرة «عربية وإسلامية، وغير عربية وغير إسلامية، في دعم تلك الحركات، وتسليحها وإمدادها بالمال وتسهيل انضمام الرجال إليها، وتسهيل مرورها عبر الأراضي، وبات زعماؤها نجوماً أقرب إلى القداسة، بل تحولوا إلى مثل عليا للأجيال، فانضم كثيرون إليها ظناً منهم أنهم يجاهدون وأنهم قاب قوسين أو أدنى من جنات النعيم».
ويستغرب السويجي كيف أن «الجهات التي أنشأت تلك الحركات وسوّقتها وروجت لها خلال السنوات القليلة الماضية، ومكّنتها من احتلال عشرات الآلاف من الكيلومترات في بلاد الشام وليبيا» انقلب موقفها فجأة، فـ«صنّفت الحركات (الجهادية) ذاتها، وبقدرة قادر، في قائمة الحركات الإرهابية، في تحوّل لم يفهم كثيرون مغزاه؛ هل هو تحوّل في الفكر الديني أم تحوّل في المشروع السياسي أم تحول في الخريطة الجغرافية؟».
ويلفت السويجي إلى أن «الحرب على الإرهاب جملة فضفاضة، حولّت كثيراً من الثوريين الذين يطالبون باسترداد أراضيهم إلى إرهابيين، حتى إن الكيان الصهيوني «إسرائيل»، الدولة المصنفة بالإرهابية والتمييز العنصري من أهم منظمة دولية، بات يمتطي هذه الجملة لمحاربة الفلسطينيين».