بعد أكثر من نصف قرن، تحدثت إسرائيل عن دورها العسكري واللوجستي في الحرب الأهلية اليمنية عام 1962، إلى جانب أصدقاء السعودية والأردن من الملكيين اليمنيين، ضد ثوار اليمن والتدخل العسكري المصري بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فكم سيمرّ من وقت كي تكشف إسرائيل عن دور لها في الحرب الدائرة حالياً في اليمن؟
بحسب صحيفة «هآرتس»، نقلاً عن الأرشيف المركزي الإسرائيلي، فإن المساعدة العسكرية لتل أبيب جاءت لخدمة نظام المملكة المتوكلية اليمنية، ضد الثوار الجمهوريين في اليمن وعبد الناصر، واستمرت سنوات، إلى أن جرى الاتفاق على وقف لإطلاق النار بين المتحاربين وإنهاء الحرب عام 1967. لكن ما لا شك فيه، بحسب الصحيفة، فإن ما قامت به تل أبيب تجاه اليمن وعبد الناصر ساهم بشكل فاعل ومؤثر في هزيمة العرب عام 1967، بعد أن أُنهك الجيش المصري في تلك البلاد، طوال سنوات سبقت الهزيمة.
وتحت عنوان «عدو عدوي صديقي»، نشرت «هآرتس» تقريراً طويلاً عن التدخل الإسرائيلي في ما سمّته «حرب اليمن الأولى» ما بين 1962 و1967. واستندت الصحيفة إلى المعلومات التي تضمنها الأرشيف الإسرائيلي الذي سمح بنشر مواد منه قبل سنوات. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن التدخل الإسرائيلي في اليمن، رغم كتمان الأمر لما يزيد على نصف قرن.

وكشفت «هآرتس» أن التدخل العسكري لتل أبيب جاء نتيجة لقرار الحكومة الإسرائيلية، تلبية لطلب بريطاني خاص، بعد أن تلقت «موافقة من الدول المعتدلة في المنطقة»، التي وقفت في حينه في وجه التدخل العسكري المصري، في إشارة منها إلى السعودية والأردن.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل التي كانت تواجه في حينه تحديات متتالية من «جيرانها»، استجابت فوراً للطلب البريطاني، خاصة أنها كانت تخشى أن يتسبب التدخل العسكري المصري في اليمن بتوحيد العرب ضدها بقيادة مصرية. وجاء التدخل على شاكلة إمدادات وشحنات سلاح وأعتدة ومواد طبية، نقلتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مباشرة إلى أرض المعركة في وسط اليمن، و«هي لم تقتصر فقط على شحنة واحدة، بل على 13 عملية إنزال كبيرة، نقلت بواسطتها أنواع من الدعم اللوجستي» إلى القوات الموالية للملكية في اليمن.
التدخل العسكري لتل أبيب في اليمن جاء تلبية لطلب بريطاني خاص

وتروي «هآرتس» أن أولى رحلات الإمداد العسكري إلى اليمن كانت بتاريخ 31 آذار 1964 وانطلقت من إسرائيل لتصل سماء اليمن بعد منتصف الليل، وقد خرقت طائرة النقل الإسرائيلية بقيادة «ايريا عوز» الأجواء متجاوزة المعسكرات التابعة للجيش المصري في الميدان، إلى أن حطّت في شمال البلاد، لتنزل حمولتها المتكوّنة من عشرات الحاويات المحمّلة بالأسلحة والذخيرة والإمدادات الطبية «وطوال العامين المقبلين، واصلت الشحنات عملها بانتظام باتجاه اليمن».
وتلفت «هآرتس» إلى أن الأرشيف الإسرائيلي يشير إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي كاد يتدخل مباشرة في الحرب اليمنية ويشن هجمات جوية ضد القوات المصرية، إلا أن السجالات وتقييم الوضع في تل أبيب منعا ذلك. وبحسب الصحيفة، اقترح البريطانيون على الإسرائيليين خطة عملية تنص على قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف القواعد المصرية العسكرية في صنعاء ومدينة الحديدة، وهذا الاقتراح حظي بموافقة سلاح الجو الإسرائيلي، إلا أن رئيس الأركان في حينه، إسحاق رابين، إلى جانب رئيس الحكومة ليفي أشكول، عارضا ذلك، ما أدى إلى عدم إخراجه إلى حيّز التنفيذ.
وفي إطار التشبيه بين اليوم والأمس، خلصت الصحيفة إلى أن حرب اليمن عام 2015 شبيهة بحرب اليمن في الستينيات، وخاصة في ما يتعلق بتعقيداتها، و«صحيح أن الرواية الاعلامية تتحدث عن حرب شيعية سنية، لكن حرب اليمن ليست إلا تعبييراً عن طبيعة القوى المعقدة في الشرق الأوسط، وتعبيراً عن تبدل المصالح والتعقيدات القائمة في المنطقة، مع الإدراك المسبق بأن القبائل اليمنية مخلصة بشكل أساسي لمصالحها، قبل أي شيء آخر».