دمشق | يجد كثير من السوريين في الصور الفضائية الملتقطة لسوريا ليلاً، ومساحة الظلام التي تظهرها، ترجمة حقيقية لمعاناتهم المستمرة مع «الكهرباء» التي إما أصبحوا يفتقدونها بالكامل أو مضطرين إلى التعايش مع تقنين تتباين حدته لأسباب وظروف متعددة ومتداخلة مع تطورات الواقع الميداني.
يمكن القول إنه بعد أربع سنوات من الحرب تشكلت خارطة جديدة لـ«النور»؛ فبعدما كانت الشبكة الكهربائية تنير ما يزيد على 95% من منازل السوريين ومنشآتهم، أصبح الظلام يفرض سطوته شيئاً فشيئاً مع توسع دائرة المعارك وعمليات استهداف مكونات الشبكة الكهربائية وخطوط إمداد محطات توليدها بالوقود. ووفقاً لتقديرات رسمية حصلت عليها «الأخبار»، فإن نسبة الظلام تسجل أحياناً نحو 45%، لا سيما «عندما تتعرض المنظومة الكهربائية ومتمّماتها لعمل إرهابي».
ترسم البيانات الرسمية التي قدمتها وزارة الكهرباء لـ«الأخبار» بعضاً من ملامح خارطة «النور والظلام» المتشكلة اليوم في سوريا بفعل الحرب وتداعياتها، إذ تشير الوزارة إلى أنه «تم قطع التغذية الكهربائية عن معظم المناطق التي توجد فيها المجموعات الإرهابية، والتي استطاعت وزارة الكهرباء تنفيذ القطع فيها، ولا يتم تأمين التغذية الكهربائية إلا في حال الضرورة القصوى التي تفرضها الظروف الاستثنائية»، وبحسب الجداول الخاصة بهذه المناطق، فإن عددها وصل إلى أكثر من 106 مناطق سكنية ما بين مدينة ومنطقة جغرافية تتبع لها مجموعة من القرى والنواحي. ففي العاصمة دمشق، هناك أربع مناطق هي: جوبر، مخيم اليرموك، العسالي، والقابون. وتسجل محافظة ريف دمشق العدد الأكبر بنحو 43 منطقة، فمحافظة درعا بأكثر من 22 منطقة، ثم محافظة القنيطرة بنحو 17 منطقة، أما محافظة حماة فتضم أكثر من 12 منطقة وقرية... وغيرها.

الرقة... «مستقلة»

وحدها محافظة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي بقيت خارج قائمة المناطق المظلمة، وليس هذا فحسب، بل تمكنت من تغذية مناطق أخرى تقبع تحت سيطرة التنظيم وتنظيمات مسلحة أخرى بالطاقة الكهربائية. وهنا توضح وزارة الكهرباء أن «محطات التوليد الكهرومائية الواقعة على نهر الفرات كانت تلعب دوراً أساسياً في استقرار المنظومة الكهربائية، نظراً إلى سرعة استجابتها في الحالات الفنية الطارئة ومساهمتها في استقرار تردد الشبكة، وبالتالي استقرار التغذية الكهربائية»، مشيرة إلى أن «العاملين في هذه المحطات يتبعون لوزارة الموارد المائية، أما برامج تشغيلها فهي تحدد من قبل مركز التنسيق الرئيسي في وزارة الكهرباء، إلا أنه لا يتم الالتزام بهذه البرامج نظراً إلى وجود المجموعات الإرهابية في هذه المحطات، إذ تقوم بالعبث بتشغيل مجموعات التوليد المائية، كما يتم توزيع الطاقة المولدة منها على خطوط التوتر العالي إلى أماكن وجود هذه المجموعات الإرهابية في محافظة الرقة وريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، وعدم تزويد مناطق أخرى بالكهرباء، إضافة إلى عشوائية توزيعها على الأحياء السكنية ضمن محافظة الرقة».
على المقلب الآخر، تصنف المناطق التي حجزت لنفسها مكاناً على «خارطة النور»، بغض النظر عن فترات التقنين الزمنية، بين تلك التي لا تزال تحافظ على استهلاك طبيعي من الطاقة الكهربائية، والمناطق التي تشهد حالياً استجراراً متزايداً للطاقة نتيجة استقبالها لعائلات النازحين والمهجرين، وهذه الأخيرة تكشف البيانات الرسمية أن عددها يتجاوز 80 منطقة موزعة بين مدن كبرى ومتوسطة ومناطق جغرافية تتبع لها عدة تجمعات سكنية. فمثلاً، في العاصمة دمشق هناك نحو 9 مناطق تشهد استجراراً للطاقة الكهربائية أكثر من غيرها، في ريف دمشق 13 منطقة، وفي درعا 9 مناطق، وفي السويداء 6 مناطق إضافة إلى المدينة، كذلك الأمر بالنسبة إلى محافظة طرطوس، كامل مدينة اللاذقية، وفي حمص 7 مناطق داخل المدينة و3 مناطق في الريف الغربي مع القرى التابعة لها... وغيرها.

الظلام... ظلامان

وعلى ذلك فإن الظلام الذي تعيشه المناطق السورية ناجم عن أمرين، الأول قطع الحكومة للتغذية الكهربائية عن المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة بمختلف تسمياتها ومرجعياتها، والثاني فترات التقنين المتباينة في مدتها الزمنية بين بعضها البعض تبعاً لعوامل محددة، إلا أن وزارة الكهرباء تفضل البحث أولاً في الأسباب التي أدت إلى تطبيق برنامج للتقنين على مختلف المحافظات؛ فبحسب المعلومات التي قدمتها الوزارة إلى «الأخبار»، فإنّ «واردات الفيول والغاز إلى محطات التوليد انخفضت نتيجة اعتداءات المجموعات الإرهابية على خطوط نقل الغاز والمنشآت النفطية، لينعكس ذلك على إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات التوليد بشكل كبير، حيث انخفض من 50 مليار ك.و.س. في عام 2011 إلى 24 مليار ك.و.س. في عام 2014، إذ إن عدد مجموعات التوليد المتوقفة وصل إلى 34 مجموعة من أصل 54 مجموعة جاهزة للعمل في حال توافر الوقود اللازم». وتظهر تأثيرات ذلك الانخفاض جلية في ساعات التقنين التي ترتفع أو تنخفض تبعاً لضغط الاستهلاك وتمركز المنشآت الحيوية ومدى قربها من خطوط التماس مع المناطق الساخنة، لا بل إن بعض المناطق بدأت تتأقلم مع غياب التغذية الكهربائية لساعات طويلة في اليوم؛ فمثلاً الأدوات الكهربائية تحولت تدريجياً إلى أشبه ما تكون بـ«ديكور» منزلي، فيما راجت التغذية التي تقدمها الأمبيرات والمولدات والبطاريات...
يحصي المسؤولون في وزارة الكهرباء خسائر قطاعهم منذ بداية الأزمة حتى نهاية عام 2014 بأكثر من 313 مليار ليرة وفق الأسعار الحالية للمواد وتجهيزات المنظومة الكهربائية. وبتفصيل أكثر، فإن «عدد محولات مراكز التحويل في شبكة توزيع الكهرباء التي تعرضت للسرقة بلغ نحو 2634 محولة، وعدد المحولات المتضررة جزئياً أو كلياً نتيجة الاعتداءات عليها 7878 محولة، وعدد المحولات المتضررة أيضاً جزئياً أو كلياً في شبكة النقل 257 محولة، فيما وصل عدد عمليات التخريب التي طالت شبكات النقل على التوتر العالي إلى نحو 2000 اعتداء، مشيرين إلى تعرض شبكات التوزيع لاعتداءات يومية، نظراً إلى انتشارها الواسع على مساحة القطر كافة».