سيناء | كل الشواهد على الأرض تؤكد سعي السلطات المصرية إلى تغيير الخريطة الديموغرافية في شبه جزيرة سيناء، وخاصة في المنطقة الشمالية المرتبطة بالحدود مع قطاع غزة الذي تظهر منه مدينة رفح. تجلى ذلك في العمل ضمن المرحلتين الأولى والثانية من إخلاء المنطقة الحدودية بعمق كيلومتر داخل رفح المصرية، وصولاً إلى الإعداد التكتيكي لمواصلة الإخلاء ضمن مرحلة ثالثة، على أن ذلك سيمهد لإقامة منطقة عازلة مع غزة تحت دعوى الأمن القومي المصري.
والجديد على ساحة الإخلاء هو ترويج السلطات لخطر الأنفاق الحدودية العميقة بين سيناء (خاصة العريش) وغزة، وباتت وفق الرواية الرسمية تتخطى عمق المنطقة العازلة التي سبق أن حدد عمقها بكيلومتر واحد، ليخرج من جديد مصطلح «الأنفاق الاستراتيجية» التي يزيد طولها على كيلومترين.
وكان المتحدث باسم القوات المسلحة قد قال في تصريحات سابقة إن سلاح حرس الحدود وسلاح المهندسين دمّرا كامل الأنفاق الحدودية، ما أنهى كل حالات التهريب عبر الأنفاق، ولكن مساعد وزير الداخلية لأمن شمال سيناء، اللواء علي العزازي، صرّح لـ«الأخبار» بأن «أجهزة الدولة المختلفة بالتعاون مع محافظة شمال سيناء وضعت خطة محكمة لتدمير الأنفاق الاستراتيجية وتمثل تهديداً صريحاً لمنظومة الأمن القومي» خلال الوقت الراهن. ويشرح العزازي أن «الأنفاق الاستراتيجية داعم رئيسي للتكفيريين في سيناء، وهي بوابة بوابة رئيسية لعبور المسلحين من غزة وإليها، بل يحصلون عبرها على المؤن اللازمة والمواد التموينية التي تمكّنهم من البقاء في الخنادق والملاجئ لمدد طويلة».
يأتي هذا الحديث الجديد وسط إشارة مساعد محافظ شمال سيناء للأمن القومي، اللواء محمد السعدني، إلى أن المرحلة الثانية من المنطقة العازلة قاربت على الانتهاء «بعد إزالة أكثر من 1150 منزلاً تقريباً من أصل 1220 بيتاً»، كذلك أكد أن الدولة «ستقرر توسيع نطاق المنطقة العازلة بما يضمن إنهاء ظاهرة الانفاق الحدودية».
وقد تبالغ بعض المصادر في وصف طبيعة المنطقة العازلة، لكن بعضها يذكر أن السلطات تنوي توسعة المنطقة العازلة لتبتلع كامل مدينة رفح، أي بعمق خمسة كيلومترات من خط الحدود الدولي مع القطاع، وذلك من البحر حتى آخر نقطة مأهولة بالسكان جنوب غرب رفح، في شمال سيناء.
في غضون ذلك، لا تكفي المبررات بشأن غزة والحديث عن إنجازات في إنشاء المنطقة العازلة لستر ما تكشفه الصور التي تنشرها «ولاية سيناء» التابعة لتنظيم «داعش» عن سيطرتها على مجريات العمل الميداني بعد «كمون» امتد لنحو أسبوعين. وبدا خلال تلك المدة أن «الولاية» نظمت صفوفها ووضعت تكتيكات جديدة أظهرت بعضها في العملية التي نفذتها الخميس الماضي حينما هاجمت بالتزامن نحو سبعة كمائن عسكرية على طريق العريش ـ رفح في منطقة الشيخ زويد، ما أدى إلى مقتل 17 عسكرياً وإصابة 24 آخرين، إلى جانب مقتل ثلاثة مدنيين.
ووفق بيان مصوّر أصدره التنظيم، فإن الصور أظهرت مقتل وإصابة العشرات من قوات الجيش إلى جانب «اغتنام» المسلحين كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكري، فضلاً على مدرعتين تم تفجيرهما لاحقاً، كذلك أظهرت الصور إصابة طائرة عسكرية من طراز «أباتشي» بواسطة صاروخ أرض ـ جو، على أن كل ذلك ينفي الرواية الرسمية عن صدّ الهجوم وقتل العشرات من المسلحين.
ورغم إعلان المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، في بيانات متلاحقة في الأيام الماضية، عن تمكن الجيش من توجيه ضربات حاسمة وموجعة إلى «ولاية سيناء» وتزويده وسائل الإعلام بأرقام القتلى والإصابات، فإن صور عناصر التنظيم تقف في الوجه المقابل، إضافة إلى أنه جرى خلال الأيام الماضية مهاجمة قسم شرطة الشيخ زويد وأربعة كمائن أخرى حوله، كذلك أعلنت «الولاية» أول من أمس قتل جندي سبق اختطافه من أحد الكمائن التي هوجمت الخميس.
وكل مرة تأتي ردود الفعل متأخرة من جانب قوات الجيش على الهجمات المسلحة ضد الكمائن العسكرية الثابتة ونقاط الارتكاز المؤقتة في مناطق شرق العريش ومدن الحدود (الشيخ زويد ورفح)، كما أنها تصيب المواطنين المدنيين بأضرار. وكذلك يشتكي الجنود من تأخر الإمدادات في مواقع الهجمات، ما يؤدي إلى وقوع المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
وآخر ما أعلنه المتحدث العسكري «مقتل نحو 35 إرهابياً من المتورطين في الهجمات على كمائن الشيخ زويد»، في وقت أعلنت فيه الشرطة المصرية «مقتل مؤسس تنظيم أجناد مصر» الذي استهدف مواقع شرطية مؤخراً في القاهرة.