بينما تتتالى الأنباء عن حشد الجيش السوري والقوات الرديفة استعداداً لشن معركة مضادة بغية استعادة مدينة إدلب، رشحَت معلومات عن خلافات حول «مستقبل إدارة المدينة» داخل المعسكر المُعارض بشقّيه السياسي، والمُسلّح. وعلمت «الأخبار» أنّ «نقاشاً» حادّاً جرى أمس بين قياديين اثنين بارزَين، أحدهما من قيادات «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة»، والثاني من قيادات إحدى المجموعات المنضوية تحت لواء «جيش الفتح» انتقَد «تصرّفات عناصر النصرة الساعية إلى مصادرة التحرير والاستئثار به».
المعلومات التي وصلت إلى «الأخبار» عبر مصدر من داخل إحدى مجموعات «الفتح» أكدت أنّ شركاء «النصرة» فوجئوا بـ«رفع راية القاعدة فوق مقر المحافظة». ورفض المصدر الكشف عن تبعيّة القيادي الذي اصطدم بأحد قياديي «النصرة»، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ «تدخل بعض العقلاء حال دون تطوّر الأمر إلى ما لا تُحمد عُقباه». المصدر قال إنّ «الجهود توشك أن تُثمر توافقاً على آلية لإدارة المدينة بما يضمن عدم انفراد فصيل دون سواه»، لكنّه أكّد أنّ «هناك شبه إجماعٍ على رفض أي دور للائتلاف أو الحكومة المؤقتة».
في الأثناء، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورةً التُقطت داخل قصر المحافظ في إدلب لما يبدو أنّه «اجتماعٌ» بين عناصر تابعين لـ«جبهة النصرة». وتُظهر الصورةُ علم تنظيم «القاعدة» متصدرة المشهد، بينما يترأس «الاجتماع» شخصٌ مُلتحٍ يجلس خلف طاولة مكتب وعلى يمينه ويساره ثلاثة ملثّمين.
وعلى صعيد متصل، قالت مصادر إعلامية معارضة إنّ بعض المجموعات التي شاركت في اقتحام المدينة (من خارج جيش الفتح) قد «سارعت إلى مغادرة المدينة بمجرّد تحريرها». المصادر أشارت على وجه الخصوص إلى «لواء شهداء إدلب» الذي «ضحّى برجاله وساندَ في عمليات التحرير، لكنّه عاد إلى التمركز فوراً في مزارع بروما، ولم يتورّط بأي عمليات نهب حصلت وما زالت تحصل». ورغم أنّ «غرفة جيش الفتح» روّجت أنباءً عبر مواقع التواصل عن أنّ «الفتح جيش، وليس مجرّد غرفة عمليات»، لكنّ الثابت أنّ ما يُفرّق مكوّنات «الفتح» أكثر مما يجمعها. فعلى الرغم من طغيان الصبغة «الجهادية»، وتلاقي مصالح المكونات في بسط السيطرة على إدلب، لكنّ أسلوب عمل «حركة أحرار الشام الإسلامية» على سبيل المثال مختلف عن «النصرة». وبينما تستمرّ الأولى في تصدير خطاب يمتزج فيه «السياسي» بـ«العسكري»، ويسعى إلى كسب المزاج الشعبي، دأبت الثانية على تبنّي «نهج» أكثر وضوحاً، يتفاخر بـ«جهاديته» وانتمائه إلى «القاعدة». ويُعتبر البيان الذي أصدره هاشم الشيخ (أبو جابر) قائد «أحرار الشام» بعد السيطرة على إدلب أحد أبرز تجلّيات خطاب «الحركة». الشيخ كان قد أكّد في بيانه أنّ «من قدَّموا قادتهم قبل جنودهم لم يأتوا ليصنعوا لأنفسهم زعامة أو إمارة»، ودعا أهالي إدلب إلى «إعانة إخوانهم ومشاركتهم في جهادهم بإدارة المدينة والقيام بشؤونها». الأمر الذي استرعى اهتمام رئيس «الائتلاف» خالد خوجة، فسارع إلى «الثناء» عليه، عبر «تغريدة» قال فيها إن «بيان أحرار الشام في الدعوة إلى إدارة مدنيّة في إدلب ينمُّ عن وعي بطبيعة المرحلة، وشعور بالمصلحة العليا للثورة، ويستحق الإكبار والثناء». ردّ الفعل الأعنف على تصريحات خوجة، وحديث «الحكومة المؤقتة» عن اعتزامها «الانتقال إلى إدلب لاتخاذها مقرّاً» جاء على لسان الشيخ السعودي عبد الله المحيسني المحسوب على «القاعدة» في سوريا. الأخير الذي يبدو أحد أبرز عرّابي «جيش الفتح» ومعركة إدلب الأخيرة قال في «تغريدة» غاضبة إنه «لا صحة لدخول الائتلاف لمدينة إدلب وإدارة مناطقها. دخل إدلب رجال سالت دماؤهم على ثراها وسيحكموها (الصحيح سيحكمونها) بشرع الله ويديروا (الصحيح يديرون) أمورها. هكذا عاهدوا الله». وأردف «سيحكم إدلب بإذن الله أبناء الشام الذين ضحوا بدمائهم وباتوا في خنادقهم وما خذلوا أرضهم، ولن ينفرد أحدهم بذلك دون إخوانه بإذن الله». اللافت أن المحيسني كشف عبر صفحته على «تويتر» عن أنّه «شرعي في اللجنة الشرعية لجيش الفتح». كذلك أكّد أن «قادة جيش الفتح اجتمعوا وشكلوا قوة موحدة ستباشر عملها من صباح الغد، تتولى حماية المدينة، ونشر الدوريات وتنظيم حياة الناس وتشغيل المرافق»، وكذلك «تكليف لجنة قضائية مشتركة لتشكيل محكمة إسلامية بإدلب».
وتوحي كواليس «الجهاديين» ومناصريهم بأنّ الجميع متفقٌ على صواب «إعلان الإمارة»، لكنّ الخلاف يتعلّق بتعجيل ذلك أو تأجيله فحسب. انعكس ذلك عبر تقديم آراء ونصائح متضاربة في هذا الشأن، كان من بينها ما قاله المُنظر السلفي المعروف الشيخ هاني السباعي عبر صفحته على «تويتر» أمس: «يامجاهد، يا من وفقك الله بفتح إدلب لا تستعجل إعلان إمارة، وإياك والتنازع. ارفق بالناس، فأنتم لا زلتم في حرب».