■ هل بات مُجدياً أن نجري حواراً عن حقوق الإنسان في مصر الآن؟‫كل وقت مناسب للحديث عن (قضية) حقوق الانسان، وحين تكون متردية تزداد أهمية الحديث عنها‬.

■ المناخ الحالي، شبيه بأي مرحلة في نظرك: عصر مبارك أم أنه أقرب لأجواء الديكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتيتية؟
من المؤكد أنه لا يشبه مرحلة مبارك. لم أعش تحت ظل حكومات أميركا اللاتينية، في السبعينيات والثمانينيات، لكنني قرأت عنها. مبارك كان ديكتاتوراً ولكننا كنا نجد مساحة للضغط والتفاوض، نخسر قضية ونكسب أخرى. حكومات أميركا اللاتينية مع كل استبدادها التزمت بعض القواعد غير المكتوبة، مثل حماية الفقراء، وأتاحت مجموعة الحريات الشخصية، مقابل صمت الناس عن الطغيان في مجالات الحريات المدنية والسياسية. الآن في مصر، ليست هناك مساحة للمساومة، وليس هناك منفذ للفقراء، ولا احترام للحريات الخاصة. نحن نعيش الصورة المشوهة لديكتاتوريات أميركا اللاتينية‬.

■ كيف يمكن أن تعيش جماعات حقوق الانسان في ظل هذه الأجواء: تقاوم، أم تراقب، أم تغلق أبوابها كبعض المنظمات؟
لن ألوم من يخاف من المنظمات، فيكتفي بالمراقبة والصمت. السجن ليس شيئاً مستحباً، لكن لهذه الأسباب تحديداً، أعتقد أن (جماعات) حقوق الإنسان ينبغي لها المقاومة وكشف الانتهاكات. ولو استطاعت أن تطرح حلولا، فإنه يجب ألا تتأخر عن ذلك. أنا عن نفسي كلما فكرت في شباب الثورة وسجناء الرأي، شعرت بالخجل من نفسي، إذا صمتّ وسكتّ. لا أحب السجن، وأرفض الصمت، وأكره التواطؤ. هذا موقفنا، ولا نلزم به أحداً في نطاق منظمات حقوق الإنسان.

■ وهل ترى أن منظمتكم حققت نجاحاً في مناخات الاستبداد؟ هل تدفعون ثمنا لمواقفكم تلك؟
‫هذه الأيام، تُكمل الشبكة العربية 11 عاما، أعتقد أننا عملنا خلالها على نحو مهني ونزيه، واكتسبنا صدقية واحترام خصومنا قبل داعمينا، وندفع ثمناً في المقابل: التشهير بنا لم يتوقف من إعلام مبارك أو المجلس العسكري أو محمد مرسي أو السيسي، فضلا عن القضايا العديدة التي تشهدها المحاكم ضدنا، لكنني أقول إن دعاء مظلوم أوقفنا الظلم ضده، أو كلمة شكر من صحافي دعمناه، تكفي لنستمر.

■ ما الذي يمكن أن يخسره نظام السيسي لو سمح بهامش من الحرية للمجتمع المدني؟ هل نحن إزاء حالة خشنة من الاستبداد؟
أعتقد أن نظام السيسي مؤمن بأن أحد أسباب سقوط نظام مبارك، هو أنه سمح للمجتمع المدني بالعمل والانتقاد. وهم ينتمون لمدرسة عسكرية واحدة، لا تؤمن بالنقد ولا تؤمن بأن للمواطن الحق في التعبير عن رأيه. الاستبداد الخشن هو تعبير مُخفف عن نظام يعادي الحريات السياسية والمدنية، فنظام السيسي يُشبه النظام الديني في المبدأ ويختلف فقط في التفاصيل. النظام الديني، يرى المنتقد والعلماني كافراً، والعسكري يرى المنتقد خائنا. اختلفت التفاصيل، والمبدأ واحد‬.

■ لو قارنّا نظام السيسي ونظام الإخوان: أيهما أهدر ملف الحريات أكثر؟‬
محمد مرسي لم يحكم سوى عام واحد، أظهر خلاله نيّات للقبضة الحديدية، والدينية، سواء عبر التغاضي عن الخطاب الطائفي المحرض على العنف للسلفيين، أو من خلال عدد من قضايا إهانة رئيس الجمهورية التي تجاوزت في عهده قضايا إهانة الرئيس والذات الملكية في 100 عام. مرسي لم يبد أي إرادة سياسية لإصلاح المؤسسات مثل الداخلية أو الإعلام أو القضاء، بل وظفها لخدمته وخدمة جماعته. أما السيسي، فتكفيه الأرقام القياسية التي يحققها يوما بعد يوم، سواء في أحكام الإعدام الجماعية، أو عدد الصحافيين السجناء (63 صحافياً حتى الآن) أو القبض العشوائي، أو القوانين المعادية للحريات بإرادة منفردة ودون وجود برلمان، ولو كان بشكل صوري. لا أعتقد أنني سأقع في فخ المراهنة على مستبد ضد مستبد آخر. نحن نستحق ديموقراطية وحريات أكثر، دفعنا الثمن دما وسجونا.

■ ‫ما الخسائر التي لحقت بملف حرية الصحافة والتعبير منذ تولى السيسي السلطة في مصر؟
أن تحتضن السجون أكثر من 60 صحافيا، وأن نذكر على سبيل الحصر أن إعلامية واحدة وبرنامجا اعلاميا واحدا هو المتاح للمشاهد المصري، وأقصد هنا الإعلامية اللبنانية ليليان داود، مقدمة برنامج «الصورة الكاملة»، وأن تمارس المكارثية ضد الإعلاميين والصحافيين المنتقدين للنظام، ثم يُغيَّبوا تماما، وأن تعود القوائم الممنوعة من الظهور على الشاشة، سواء القنوات المصرية أو الخاصة المملوكة لرجال اعمال مقربين من مبارك، وأن تتراجع نسبة مشاهدة البرامج الإخبارية الرسمية أو الفضائيات الخاصة بنحو74%. أن يجري الاعتداء على المصور الصحافي في الشارع، لمجرد حمله كاميرا. باختصار، أن يصبح توفيق عكاشة هو نجم الإعلام ويغيب يسري فودة أو ريم ماجد أو باسم يوسف، فهذا مشهد إعلامي مُقيّد وكئيب وهزلي‬.

‫على ذكر الإعلام: هل تعتقد أن الإعلام الرسمي، ساهم في تشويه الدور البارز لمنظمات حقوق الإنسان في مصر؟ هل فقدتم ظهيرا جماهيريا زاد بعد «ثورة يناير» ثم ما لبث أن انفض بعد «30 يونيو»؟
‫‫حملات الإعلام الرسمي ضد المنظمات الحقوقية المستقلة لم تتوقف. فقط ترتفع أو تنخفض الوتيرة، وبعد 3 يوليو 2013 تصاعدت الحملة ضد المنظمات المستقلة على نحو هائل، وخاصة المنظمات التي استنكرت مذبحة رابعة العدوية، لكن برغم هذا التشهير وهذه الحملات الحادة والظالمة، وبرغم التهديدات والحصار، تزايد عدد الصحافيين والجمهور الذي يلجأ إلينا لتقديم المساعدة والدعم، ولا أعتقد أن السبب يعود فقط لتصاعد القمع، لكن ما فعلناه عبر سنوات من الدفاع عن فكرة ومبدأ، مثل حرية الصحافة وحرية التعبير، هذا لا يمكن تشويهه بحملات إعلاميين يفتقدون الصدقية. فحين يهاجمك إعلامي يزعم أنه جرى أسر قائد الأسطول الأميركي السادس، أو يهاجمك صحافي تكتشف أنه من الصحافيين الذين يتلقون التعليمات بالتلفون، أتأكد أن الجمهور المصري لديه وعي كاف‬.

‫ ■ هل تعتقد أن مناخ قمع حقوق الإنسان سيطول في مصر؟ وإلى أي مدى يمكن التعويل على الضغوط الخارجية (منظمات حقوقية، مدافعون عن حقوق إنسان) لإحداث حلحلة في هذا الملف؟‬
الوضع في مصر لا يمكن أن يستمر هكذا، نحن في وضع مؤقت، لكن كل الاحتمالات قائمة، والتغيير قد لا يكون بالضرورة للأفضل، وإن كنت أتمنى، لكن قد يتحوّل للأسوأ. الرهان دائما على الحركة المطالبة بالديموقراطية بداخل مصر، لا خارجها. ثورة يناير كانت مصرية خالصة، واستكمالها سيكون مصريا بأيدي شعبها، وخاصة الشباب‬.

■ ما تقييمك لدور المجالس الرسمية الحقوقية (المجلس القومي لحقوق الإنسان مثلا) وأنت رفضت من قبل عضويته؟
‫منذ نشأة المجلس القومي لحقوق الانسان في 2004، وهو يقدم كل يوم دليلا على أن دوره تجميل صورة النظام، ولم أندم يوما على رفضي لعضويته، بل على العكس كلما زاد تواطؤه، حمدت الله على أنني بعيد عنه وعن هذا التواطؤ. ‫هذا المجلس ترأسه بطرس غالي، المتواطئ مع تونس، ثم حسام الغرياني المتواطئ مع قطر، ثم محمد فائق، المتواطئ على حرية المصريين.

‫ ■ هل هناك جديد بخصوص أخبار علاء عبد الفتاح، والشبان الثوريين المعتقلين في السجون؟
‫للأسف لا يبدو أن هناك نيات لاصلاح خطأ الأحكام الظالمة ضد علاء عبد الفتاح وشباب الثورة، سواء لدى النظام أو السلطة القضائية.

■ ‫إذن توافق على أن القضاء في مصر مسيّس ويحتاج إلى إصلاح؟
‫مطلب إصلاح القضاء في مصر مطلب ملح منذ عام 2005 حتى اليوم، بل إنه اليوم وبعد إحالة عشرات القضايا للصلاحية والتأديب أصبح الأمر أكثر إلحاحا.

■ ‫إلى أي مدى ساهم التقارب المصري (المجلس العسكري ونظام السيسي) مع الأنظمة الرجعية الخليجية في إرهاق «ثورة يناير»؟
أنظمة الخليج، بقيادة السعودية بذلت كل جهدها لمحاربة الثورات العربية، بدءاً من حماية الدكتاتور زين العابدين بن علي، ومرورا بدعم مبارك، وتخريب ثورة اليمن، والتدخل العسكري في البحرين، والتدخل لتفتيت ليبيا وسوريا، لكن هذا الموقف ليس مفاجأة. فهي تحارب أي ثورة قد تثمر نظاما ديموقراطيا يهدد عروشها الأوتوقراطية.

■ ‫هل الغرب يتخذ الموقف الخليجي نفسه في ما يتعلق بقضايا الديموقراطية في مصر والمنطقة العربية؟‬
‫الغرب ليس كتلة واحدة. فرنسا ليست النرويج، والبرلمان الأوروبي ليس الاتحاد الأوروبي. على كل حال لن ننسى أن النرويج كانت أول دولة تدعم ثورة يناير، وأقول إن الولايات المتحدة هي من ترعى كل الطغاة العرب وعلى رأسهم طغاة السعودية ومصر.

‫ ■ هل تعتقد أن منظمات حقوق الإنسان بحاجة لأن تطوّر من أدواتها ووسائلها؟ أم أن مناخ التخويف والتهديد لا يسمح؟
‫نعم، على منظمات حقوق الإنسان التي قررت أن تستمر في العمل في هذا المناخ الخانق، أن تطور من وسائلها وأدواتها، وهو أمر منطقي ومطلوب في ظل اتساع نطاق القمع وحصار وسائل الإعلام التقليدية.