القاهرة | بعد اجتماعات ومفاوضات سياسية وفنية امتدت لأكثر من أربع سنوات، تعذرت خلالها كل سبل التسوية وإيجاد حلول لأزمة سد النهضة الإثيوبي وإيجاد بديل يقلل من مخاوف القاهرة بسبب تأثيرات السد السلبية على الأمن المائي المصري، يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي، السودان وإثيوبيا بداية من اليوم الاثنين، في جولة تستمر ثلاثة أيام. وتخصص الرئاسة المصرية هذه الزيارة للخلاف القائم بسبب سد النهضة، بعد عدة اجتماعات عقدها السيسي مع مسؤولي البلدين خلال لقائهم في مناسبات مختلفة.
وكانت الخارجية السودانية قد أعلنت أن زيارة السيسي للخرطوم اليوم سيتم خلالها عقد قمة ثلاثية بينه وبين الرئيس السوداني، عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هيلاماريام ديسالين، للتوقيع على «وثيقة المبادئ»، والتي تم التفاوض والاتفاق بشأنها في اجتماع سابق عقد في الخرطوم (3 آذار) بين وزراء الخارجية والمياه للدول الثلاث. ويتضمن الاتفاق الجديد بنوداً من شأنها ايجاد التوافق على التعاون من أجل حل الأزمة.
تعوّل القاهرة على دعم إماراتي وسعودي

ورغم الثقة التي يبديها الجانب السوداني حيال موافقة مصر وإثيوبيا على التوقيع على الوثيقة الجديدة، إلا أن مصادر حكومية مصرية مطلعة أكدت أنه لا يزال هناك خلاف وعدم توافق على البنود، التي لا تزال قيد المراجعة والتشاور في القاهرة للتأكد من إلزاميتها وإمكانية الاعتماد عليها بهدف حماية المصالح التاريخية لمصر في مياه النيل. وتحصل مصر على حصة سنوية ثابته في مياه النيل مقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، بموجب اتفاقية 1959 الموقعة مع السودان لتقاسم الحصص بين دولتي المصب بعد بناء السد العالي، وهي الاتفاقية التي ترفضها باقي دول حوض النيل وعلى رأسها إثيوبيا بسبب أنها تعطي الحق لدولتين فقط في الاستفادة من مياه النيل دون غيرهما.
ووفقاً لمصادر مصرية، فإنّ اللجنة العليا لمياه النيل لا تزال في حالة انعقاد دائم لمراجعة الصيغة النهائية لوثيقة البنود المتفق عليها في اجتماعات الخرطوم السابقة، وذلك حتى الساعات الأخيرة من سفر السيسي إلى إثيوبيا والسودان. وأكدت المصادر استمرار تحفظ القاهرة بعدما اعتبرت الجهات القانونية المصرية، والأجنبية التي استشارتها القاهرة، أن البنود الحالية للوثيقة لا تتضمن الالتزام الكافي من قبل إثيوبيا في حال تعرض القاهرة للضرر. وفي نقطة شديدة الأهمية، قالت المصادر ــ في ما يشبه الإعلان ــ إنّ «الرئيس السيسي سيثير هذا الأمر قبيل توقيعه على الاتفاق، أو أنه قد يؤجل التوقيع لحين التوافق على البنود أولاً». ويعود الخلاف الرئيسي بين مصر وإثيوبيا حول حل أزمة سد النهضة إلى واقع أن الإدارة الإثيوبية ترفض التوقيع أو إدراك أي بنود إلزامية كتابية بينها وبين مصر، فيما ترفض القاهرة التعهدات الشفهية التي يرددها المسؤولون الإثيوبيون بشأن «عدم الضرر» وبأن «السد سيعود بالمنفعة على الجميع».
ورأى مصدر حكومي مصري أنه من الناحية القانونية «لا يمكن اعتبار الوثيقة بنصها الحالي تتشابه مع اتفاقيات النيل التي تتعامل بها مصر مثل اتفاقية 1959 واتفاقية 1929»، مؤكداً أنه «لم ولن يتم التنازل عن هذه الاتفاقيات التي تحفظ حقوق مصر التاريخية في المياه في مقابل وثيقة غير ملزمة للجانب الإثيوبي».
وقالت المصادر المصرية إن الوثيقة تضمنت بنوداً تتعلق بالسعة التخزينية للسد وآليات تشغيل وملء السد وفقاً لقواعد لا تلحق الضرر بمصر. إلا أن وزير المياه والطاقة الإثيوبي، اليماهيو تيغينو، نفى، أول من أمس، موافقة بلاده بأن تتضمن الوثيقة القانونية أي مسائل فنية تتعلق بسعة السد أو حجم بحيرة التخزين، مؤكداً أن بلاده لم ولن توافق على شيء من هذا القبيل.
وأضاف المصدر إنّ «صياغة نص قانوني دولي يتعلق بإدارة المياه في النيل الشرقي بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم لا يمكن الانتهاء منه في أقل من شهر، أو من خلال اجتماعات لوزراء الخارجية والمياه فقط، ولكنه بحاجة إلى مراجعات قانونية ووجود مفوضين قانونيين». وكشفت مصادر سودانية أنه «تم الترتيب لزيارة الرئيس السيسي الخرطوم ولقاء الرئيس البشير (اليوم)، وأن الترتيبات الرسمية لعقد قمة ثلاثية يحضرها رئيس الوزراء الإثيوبي لا تزال قائمة». وأكدت المصادر السودانية أن القاهرة لم تبلغهم بسفر السيسي إلى إثيوبيا عقب الخرطوم، وأن جميع الترتيبات قائمة لاستقبال رئيس الوزراء الإثيوبي أيضاً، تحضيراً لتوقيع الرؤساء الثلاثة على الوثيقة.
وتعوّل القاهرة على «التنسيق والدعم الكاملين» الذي قدمته دول خليجية ــ وخصوصاً الإمارات والسعودية. وترى مصادر أنّ ما قدمته هاتان الدولتان سيكون له «نتائج إيجابية ملموسة»، مشيرة إلى أنّ «أزمة سد النهضة في سبيلها إلى الحل، ولكن لن تنتهي بشكل كامل» خلال الزيارة الحالية.
وتعتبر المصادر نفسها أنّ «المشكلة الحقيقية في تأخر علاج أزمة سد النهضة هي حصول إثيوبيا على وعود إخوانية في عهد (الرئيس محمد) مرسي ساهمت في استمرار العمل في بناء سد النهضة وعدم وجود أي ممانعة ورفض مصريين... الأمر الذي عرقل وضع نهاية سريعة».
وأشارت «المصادر السيادية» إلى أن مسؤولين إماراتيين وسعوديين أبلغوا الجانب الإثيوبي رسالة مفادها بأن «أزمة سد النهضة تطال الأمن القومي لمصر، وكل ما يمس الأمن القومي المصري يمس الأمن القومي الإماراتي والسعودي، وبأن خيار المفاوضات أفضل الخيارات لحل الأزمة».
عموماً، برغم تضارب المعلومات بشأن نية القاهرة، وحسمها لأمر التوقيع على الوثيقة من عدمه، تُعتبر جولة الرئيس المصري مهمة دبلوماسية صعبة، إذ تهدف إلى إقناع الجانب الإثيوبي بشروطها، فيما هو لا يزال مصراً وملتزماً بموقفه ببناء السد دون توقف.