دخلت تونس، أمس، عامها الستين «دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة»، محيية ذكرى استقلالها على خلفية أحداث متحف باردو، التي قد تكون الأهم والأخطر على الصعيدين الأمني والسياسي منذ عمليتي اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.أيام مفصلية في مسيرة الديموقراطية التونسية هي التي تلت «هجوم باردو»، إذ بدأت فيها محاولات الإجابة عن أسئلة عديدة تضع تونس أمام اختبار حقيقي لكل من منظومتها الأمنية وبرنامج قيادتها السياسية وقابلية عيش النموذج الفريد الذي كوّنت ملامحه في العالم العربي، في ظل ازمتها الاقتصادية والاجتماعية المتنامية والتهديدات القائمة من التنظيمات الإرهابية.

ووسط اجماع شبه تام على ضرورة «الوحدة الوطنية» سياسياً ومجتمعياً في مواجهة الارهاب، بدأ مشهد «ما بعد باردو» يتبلور، فيما وجد الرئيس الباجي قائد السبسي في هذا الخطاب جسراً ــ مفترضاً ــ قد يؤمّن لحكمه قدراً كافياً من القبول والالتفاف حوله.
شدد السبسي على ضرورة المصالحة الوطنية... مع رجال الأعمال


وفي خطاب ألقاه في قصر قرطاج خلال الاحتفال بذكرى الاستقلال، قال السبسي: «تواجه بلادنا اليوم، حرباً حقيقيّة على الإرهاب.... (الذي أصبح) يداهم المؤسّسات الحيويّة من أجل ضرب اقتصاد البلاد وتضييق الخناق على المجتمع بأسره»، مضيفاً أنه «من هذا المنطلق بالذّات، بات من الضروري مقاومته (الإرهاب) بكلّ ما أوتينا من جهد، وهذا يتطلّب منّا جميعا وحدة وطنيّة وجدّية في التّعامل مع هذا الخطر ومزيدا من اليقظة من قبل جميع الأطراف أمنا وجيشا وأحزابا سياسيّة ومجتمعاً مدنياً».
وفي موازاة الحديث عن «الوحدة الوطنية»، أشار السبسي، كذلك، إلى ضرورة المصالحة، ذاكراً في هذا المجال، بشكل لافت، رجال الاعمال المعنيين بقضايا فساد في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي. وقال الرئيس التونسي، الذي يهوى محبوه المماثلة بينه وبين باني الجمهورية التونسية الحديثة الزعيم الحبيب بورقيبة، إنّ «الأمن شرط أساسيّ للخروج من الأزمة الاقتصادية الّتي تعيشها تونس منذ سنوات... (و)أدعو من جديد ومن منطلق مسؤوليّاتي إلى أن نسير قُدما نحو المُصالحة الوطنية، التي تضمن حق الجميع وتفتح الطّريق للإسهام الجدي في البناء بفضل رفع جميع القيود وتذليل العقبات أمام رجال الأعمال المعنيّين، لكي يستعيدوا نشاطهم بعد إبرام الاتفاقيات الضرورية وصدور أحكام القضاء في شأنهم». وتابع بالقول: «علينا التّعجيل برفع كل الحواجز بعد إيجاد إطار قانوني لهذا الصّلح وإغلاق هذه الملفّات نهائياً، ذلك أنّ المصالحة الاقتصادية هي مكوّن حيويّ من المصالحة الوطنية الشاملة». ويثير الحديث عن أهمية «المصالحة» مع فئة من رجال الأعمال ــ وهو من بين ملفات كانت مطروحة سابقاً وقد لاقت معارضة على تفاصيل عديدة فيها ــ مخاوف لناحية احتمال استفادة العهد الرئاسي الجديد من مختلف التطورات لتجاوز المعارضة وتمرير ملفات عالقة.
وإلى جانب الحديث عن «الحركة الوطنية» التي بنت دولة الاستقلال، وعن «الربيع التونسي»، كان لافتاً في خطاب الأمس، إعلان الرئيس التونسي أنه «علينا التّعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب دون تردّد، وتطبيق القانون بكلّ صرامة، حتّى نحمي أمننا وجيشنا وقضاءنا ومجتمعنا ومؤسّساتنا واقتصادنا، وبالتّالي كامل بلادنا من هذا الخطر الدّاهم، ونضرب بيد من حديد كلّ من تخوّل له نفسه رفع السّلاح في وجه مواطناتنا ومواطنينا».
وكانت لجنة برلمانية تناقش يوم الأربعاء الماضي قانون مكافحة الإرهاب لحظة وقع الهجوم في متحف باردو المحاذي للبرلمان، فيما يتخوف اليوم، أيضاً، من تداعيات المسارات الأمنية التي ستتخذ خلال المرحلة المقبلة في البلاد على مجمل الحياة السياسية. وكان السبسي قد أجاب، في وقت سابق، عن سؤال بشأن احتمال عودة النظام الاستبدادي إلى تونس بعد الهجوم الدامي على المتحف، بأن «إقامة النظام الديموقراطي جرت وأنها متجذرة جيداً... ولن تكون هناك أبداً عودة إلى الوراء».
وكان السبسي قد استقبل أمس، وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، الذي يقوم بزيارة للبلاد. وقد عبر الوزير الفرنسي عن تضامن باريس في «المعركة ضد كل اشكال الوحشية والارهاب».
وفي مؤتمر صحافي عقده في وقت لاحق، قال الوزير الفرنسي «عبرت عن استعدادنا للتعاون، من خلال كفاءات وخبرات وزارة الداخلية والشرطة والشرطة الفنية، وفرق البحث والاستخبارات والتحقيق، ومن خلال المعدات التي نملك»، كما عبّر عن إمكانية تعاون بلاده مع تونس في مجال «مقاومة (تزوير) الوثائق وتزوير جوازات السفر، التي يمكن لشخص له أهداف إرهابية أن يستعملها للتنقل من بلد إلى آخر»، داعياً في الوقت ذاته الفرنسيين إلى «مواصلة زيارة كل ما تريدون زيارته في تونس».
وتأتي زيارة الوزير الفرنسي بالتوازي مع تواصل محاولات تحويل الدعم الدولي السياسي لتونس الى دعم اقتصادي وأمني، في حراك ترمي الحكومة التونسية من خلاله لحل عدد من القضايا العالقة، التي كان قد واجه رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، معارضة في شأنها. وفي السياق، أكدت كبيرة مسؤولي العمليات في البنك الدولي، سري مولياني إندراواتي، خلال زيارة إلى تونس، مساندة البنك لاستقرار وتنمية تونس وخاصة عقب الهجوم على متحف باردو.
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)