لم يُعرف عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه يُكثر من «زلات اللسان». في أيلول 2013، وفيما كانت بلاده تحشد أساطيلها في شرقي المتوسط استعداداً لشن حرب على سوريا، بذريعة استخدام أسلحة كيماوية في الشهر السابق في غوطة دمشق، تحدّث كيري عن إمكان التوصل إلى اتفاق يجنّب سوريا حرباً. حينذاك، قيل إن كلامه زلة لسان. لكنه كان بالفعل مقدمة للاتفاق الأميركي ــ الروسي، الذي قضى بأن تتخلى سوريا عن ترسانتها الكيماوية. يوم أمس، صدر عن كيري تصريح جديد، إذ أعلن استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد.
والتفاوض مع الأسد بدا خياراً حتمياً لأعداء الأخير، في مقابلة وزير الخارجية الأميركي مع محطة «سي بي اس» التلفزيونية. فهل كلامه هذا مقدمة لمسار جديد في السياسة الأميركية حيال الأزمة في سوريا؟ وهل اقتنعت الولايات المتحدة الأميركية بأن الوقائع الميدانية لن تسمح لحلفائها على الأرض بالانتصار، وبأن المعارك أدت إلى تقدم الجيش السوري خلال العامين الماضيين؟
نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماري هارف كتبت على حسابها على موقع «تويتر» بعيد مقابلة كيري، أن «السياسة العامة ما زالت نفسها وهي واضحة: لا مستقبل للأسد في سوريا ونحن نقول هذا طوال الوقت» مرفقة عبارتها برابط لرسالة المبعوث الأميركي الخاص الى سوريا دانيال روبنشتاين في ١٢ آذار الجاري، ورابط آخر لكلمة الوزير كيري في شباط الماضي خلال مؤتمر ميونخ للأمن وتظهر فيها مواقف المسؤولَين الرافضة لبقاء الأسد في السلطة.
لكن كلام كيري لم يصدر بلا مقدمات. في اليوم السابق، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان إن واشنطن وموسكو متفقتان على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وعدم انهيارها، واضعاً ذلك في إطار متصل بمحاربة الإرهاب. أضف إلى ذلك إن مسؤولين أميركيين سابقين، وعلى رأسهم السفير الأميركي السابق في دمشق والمبعوث الخاص لدى المعارضة السورية روبرت فورد، أكدوا أن لا حل للأزمة السورية من دون الأسد. تُضاف إلى ذلك وقائع ميدانية ثابتة كتبخّر تجربتين أميركيتين في الميدان السوري، (حركة حزم وجبهة ثوار سوريا) على يد «جبهة النصرة»، التي باتت مع تنظيمها الأم «داعش»، مسيطرين على الجزء الأكبر من صورة المعارضة المسلحة.

دمشق غير
منبهرة بتصريح كيري وترى أنه ثمرة الصمود في الميدان

ورغم أن الأميركيين أعلنوا الشروع بتنفيذ برنامج «يمتد لسنوات» لتدريب «معارضين معتدلين»، فإنهم لا يستطيعون تجاهل صور صواريخ «تاو» التي أعطوها لـ»حزم»، وباتت لعبة بأيدي مسلحي «تنظيم القاعدة في بلاد الشام» («النصرة»). وفي الإطار عينه، لم يستطع وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر ورئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسي تقديم جرعة دعم واضحة لمشاريع المتدربين في تركيا والأردن، فقالا الأسبوع الماضي إن الجيش الأميركي لا يملك تفويضاً للدفاع عن المسلحين «المعتدلين» إذا هاجمهم الجيش السوري داخل سوريا. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد صرّح في حزيران 2014 مؤكداً عدم قدرة «المعارضين المعتدلين» على هزيمة الأسد، قائلاً إن بلاده لن تدعم معارضة يقودها مزارعون وأطباء أسنان.
مقربون من القيادة السورية يرون أن تصريح كيري هو «تمهيديّ»، وإحدى «ثمرات الصمود في أرض المعركة»، وأنه ناجم عن تبدّل الأولوية لدى الدول الغربية، من إسقاط الدولة في سوريا إلى درء خطر «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى عن الغرب وحلفائه في المنطقة”. لكن لا تبدو دمشق شديدة «الانبهار» بتصريح رئيس الدبلوماسية الأميركية، إذ إن «السياسات برأي دمشق، تبقى رهناً بنتائج عمل الجيش في الميدان».
وقال كيري في مقابلة أجرتها معه محطة «سي بي اس» السبت: «حسناً، علينا أن نتفاوض في النهاية. كنا دائماً مستعدين للتفاوض في إطار مؤتمر جنيف 1»، مضيفاً إن واشنطن تعمل بكل قوة من أجل «إحياء» الجهود للتوصل الى حل سياسي لإنهاء الحرب.
وأضاف إن «الاسد لم يكن يريد التفاوض». ورداً على سؤال حول استعداده للتفاوض مع الأسد، قال وزير الخارجية الأميركي: «إذا كان مستعداً للدخول في مفاوضات جدية حول تنفيذ مخرجات جنيف 1، فبالطبع، إذا كان الشعب مستعداً لذلك. وما نضغط من أجله هو أن نحثه على أن يفعل ذلك». وختم قائلاًً: «نعمل بقوة كبيرة مع أطراف أخرى معنية لنرى ما إذا كنا نستطيع إحياء حل دبلوماسي».



اجتماع في برلين

ليس يتيماً تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن استعداده لمفاوضة الرئيس السوري بشار الأسد، وعن السعي لإحياء جهود دبلوماسية لإرساء حل سياسي في سوريا. فقد توفّرت معلومات عن أن العاصمة الألمانية برلين ستستضيف هذا الأسبوع اجتماعاً يضم ممثلين عن فرنسا وأميركا وبريطانيا ودول اسكندينافية ومصر، لبحث احتمال إعادة إطلاق مفاوضات حل سياسي في سوريا.