حالهم كحال أي فلسطيني وسوري في هذا الزمان, لاجئون سئموا حياة اللجوء فلم يجدوا خياراً أمامهم إلا أن يكونوا لاجئين ولكن بحال أفضل و"أشرف" من الحال التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني والسوري في البلدان العربية... ولكي يصلوا إلى هذا اللجوء الجميل، لم يكن أمامهم سوى البحر سبيلاً. البحر الذي عبره الآلاف من سواحل مصر وتركيا وليبيا إلى إيطاليا، ومن بعدها إلى ألمانيا وفرنسا والنمسا والنرويج والدنمارك والسويد، "جنة" اللاجئ على الأرض، كما يعبر بعضهم...
أربعة وسبعون فلسطينياً وسورياً خرجوا من سوريا إلى تركيا ليحاولوا الهرب من سواحلها نحو إيطاليا، إلا أن الأقدار لم تشأ أن يصلوا بسبب خلافات على النقود بين المهربين...
بدأت رحلتهم بالخروج من مرسين، ليقضوا عشرة أيام في عرض البحر، متنقلين من قارب إلى آخر، آملين أن ينقلهم قارب ما إلى السواحل الإيطالية، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي آمالهم..
فالخلاف بين المهربين، نقلهم إلى قارب أخير حملهم إلى جزيرة لا حياة فيها تتبع لمصر، ليذهب مصيرهم نحو سجن كرموز بعد اعتقالهم من قبل خفر السواحل المصري...
هنا بدأت حكايتهم الأخرى، فالاعتقال كان آخر ما يتوقعونه، ويعلق أحد المعتقلين بعد التواصل معه عبر الفيسبوك قائلا: "خوف... تعب... أمل، كلهم اجتمعوا في اللحظة عينها خلال الطريق، خرجنا من مرسين على أمل الوصول إلى إيطاليا. مرت عشرة أيام في البحر ونحن ننتقل من مركب الى آخر، أربعة أيام منها قضيناها في المياه الدولية أمام الشواطئ المصرية، في كل يوم يتكلم قبطان السفينة مع صاحبها عبر شبكة اتصال الثريا لإيجاد حل بعدما نصب عليه المهرب السوري أجرة الرحلة؛ عندها تم نقلنا الى آخر مركب كذب علينا القبطان وقال إن هذا المركب سيأخذنا إلى سفينة ثانية ستذهب مباشرة إلى إيطاليا، فكانت النهاية سجن كرموز".
تستمر السلطات المصرية باعتقال 74 لاجئاً، من دون أي مساعدة تذكر من قبل المؤسسات الإنسانية والجمعيات الأهلية، ورغم كل النداءات والصرخات التي وجهها المعتقلون إلى الأونروا والسلطة الفلسطينية التي لم تستجب ولم تحرك ساكناً، مع إعلان المعتقلين عن تعبهم وإرهاقهم الجسدي والضغط النفسي الذي يعانونه دوماً.
ومن بين المعتقلين هناك 15 طفلاً، 2 منهم لا تتجاوز أعمارهم السنة، إضافة إلى 8 نساء...
ونظراً إلى الظروف السيئة التي يعانونها، قرر 50 شاباً الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، حتى تتحقق مطالبهم إما بالإفراج عنهم وترحيلهم إلى إحدى الدول الأوروبية أو منحهم حق الإقامة في مصر، إلا أن السلطات المصرية رفضت ذلك، ولم تضع أمامهم سوى حل الإعادة إلى سوريا، حيث الخطر الأمني لا يزال موجوداً بسبب الحرب الدائرة هناك.
ويذكر المعتقل ذاته الذي تم التواصل معه عبر "فيسبوك"، ظروف الاعتقال السيئة ويسهب بالتوضيح، إذ يقول إنه في الساعة الثانية عشرة ظهراً من كل يوم يخرج ثلاثة أشخاص لجلب الطعام لغير المضربين، وكل أسبوعين تحدث زيارة طبية واحدة للاطمئنان على حال المعتقلين، ويضيف إن التكهنات بمصيرهم ومصير أولادهم هي ما يسكن أحاديثهم وحواراتهم اليومية... وبعض الذكريات عن حياتهم السابقة قبل الأحداث في سوريا.
معتقلو سجن "كرموز" أعلنوا عبر صفحتهم التي يديرها أحد المعتقلين في السجن أن بعض المضربين عن الطعام فكوا إضرابهم، نظراً إلى تدهور حالتهم الصحية، وهو ما ينفي بعض ما تداولته وسائل الإعلام حول فك الإضراب بالكامل.
المعتقل في سجن كرموز ينهي كلامه معي، برسالة وجهها إلى جميع المنظمات التي "تدعي الإنسانية، بالعمل الجاد، لإيجاد مخرج آمن يرضي المحتجزين".
هي حال بعض اللاجئين ممن لم يسعفهم الحظ بالوصول إلى شواطئ "النجاة" الأوروبية، وإلى أن تحل أزمتهم، ويطلق سراحهم، ثمة نداء لإيجاد حل دولي لتجارة البشر...