حوّل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، افتتاح الدورة السابعة والعشرين للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، إلى ساحة للتراشق السياسي مع حركة «حماس» بدرجة أولى، ولكنه لم ينس في «حمّى الخلاف» السياسي أن يتحدث عن «وجع» سلطته من حجب أموال الضرائب عنها، مستخدما مصطلح «البلطجة» ليصف «العقاب» الإسرائيلي.
عباس، المتحدث في رام الله، أبدى استعداده للموافقة على مطلب «حماس» بإصدار مرسوم رئاسي يحدد موعداً للانتخابات العامة، متحديا أن تطلب الحركة ذلك «خطياً». وبسرعة، جاء رد «حماس» باتهام عباس بتعطيل إجراء الانتخابات وإعمار غزة، على اعتبار أن «اتفاق المصالحة نصّ على أن يصدر الرئيس مرسوما حول تحديد موعد الانتخابات». وبدا أن حديث «أبو مازن» اليوم كان ردا فعليا على طلب القيادي في «حماس»، موسى أبو مرزوق، أول من أمس، بإصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد الانتخابات، وأن تعمل حكومة التوافق بما بقي لها من وقت لتنفيذ هذا المرسوم.
تعزز «حماس» وجودها الأمني على الحدود مع مصر منذ أيام

أيضاً، علق رئيس السلطة إعادة إعمار غزة على ممارسة «التوافق» مهماتها واستلامها المعابر في القطاع، مشيراً إلى أن «عدم تمكين الحكومة يعيق الإعمار، وأن الخاسر الوحيد هو المواطن». وهو ما ردت عليه «حماس»، كذلك، بتحميل عباس مسؤولية «تعطيل إعمار غزة لربطه الإعمار بممارسة الحكومة مهماتها».
أما عن خيار المفاوضات، الذي يجتمع المجلس المركزي أمس واليوم للبحث فيه، فإن عباس أبدى استعداده للتفاوض مع أي مسؤول إسرائيلي يفوز نتيجة انتخابات الكنيست المقررة بعد أسبوعين، وهذا الموقف أعلن قبل أن يقرر «المركزي» أي خطوات لاحقة، قد تكون نافذة أو لا، علما بأنه حضر 80 عضواً من أصل 110 في الاجتماع، إذ لم يحصل من غزة على تصاريح من إسرائيل، فيما يقبع آخرون في السجون الاسرائيلية.
لكن رئيس السلطة قال إنه يجب «إعادة النظر في وظائف السلطة التي لم تعد لها سلطة، وعليه دراسة كيفية إعادة سلطة ذات سيادة وضمان ذلك». مع هذا، فإنه رأى أن مسعى الفلسطينيين للانضمام إلى المؤسسات الدولية «لا يعني التخلي عن المفاوضات». وزاد بالقول: «من يأتِ على رأس السلطة باسم الشعب الاسرائيلي نعتبره الشريك ونتفاوض معه، أيّا كان هذا الرجل، ومهما كانت سياساته».
ويستطيع المجلس المركزي اتخاذ قرار بحل السلطة، ولكنّ الواضح من توجهات «أبو مازن» المعلن والموقف الأميركي أن هذا القرار بعيد عن التطبيق، كما حذر رئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون، خلال الجلسة، من الدعوات إلى حل السلطة لكونها «القاعدة التي تقوم عليها الدولة الفلسطينية العتيدة».
وبشأن الضرائب، اتهم عباس تل أبيب «بالبلطجة» بسبب وقفها تحويل أكثر من 100 مليون دولار شهرياً من عوائد الضرائب التي تحصلها نيابة عن الفلسطينيين، ووصفها بأنها خطوة استفزازية... «كيف يسمح لهم بأن أموال الضرائب المعروفة لا يعطوننا اياها...هذه فلوسنا. هل نحن نتعامل مع دولة ام مع بلطجي؟».
كذلك تساءل رئيس السلطة عن كيفية دفع الرواتب في ظل الموقف الراهن، لأنه بالإضافة إلى عوائد الضرائب، فإن على إسرائيل 1.8 مليار شيقل (450 مليون دولار) هي مقتطعات من أجور الفلسطينيين العاملين في الأراضي المحتلة. وإلى جانب ذلك، فإن شركة الكهرباء الحكومية الإسرائيلية قطعت التيار عن مدن في الضفة المحتلة، خلال الأيام العشرة الماضية، للضغط في سبيل تسديد مبلغ 492 مليون دولار تقول إن الحكومة الفلسطينية مدينة لها به.
وأمس، أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة المالية في حكومة التوافق، عبد الرحمن بياتنة، أن رواتب الموظفين العموميين، عن شهر شباط الماضي، ستصرف اليوم (الخميس) عبر البنوك العاملة في فلسطين (الضفة المحتلة وقطاع غزة). وأوضح بياتنة أن الوزارة تمكنت من توفير قرابة 60٪ من رواتب الموظفين «عبر مصادر دخل محلية (إيرادات ضريبية وغير ضريبية)، إضافة إلى منح ومساعدات مالية عربية وأجنبية» من دون تحديد مصدر وكمية الأموال الممنوحة. وهذا هو الشهر الثالث على التوالي الذي تصرف فيه «التوافق» 60٪ من رواتب الموظفين العموميين البالغ عددهم قرابة 170 ألف موظف، من دون موظفي حكومة غزة السابقة.
في سياق آخر، تصاعد مستوى المواجهة بين «حماس» والقاهرة إلى مستوى سياسي بعدما كان مقتصراً على الناحية الإعلامية والقضائية، إذ أعلن وزير العدل المصري، محفوظ صابر، أن «لجنة حكومية ستبدأ إجراءات التحفظ على جميع ممتلكات وأرصدة حركة حماس عقب حكم أولي باعتبارها منظمة إرهابية»، وأنه «سيقبض على أي عضو ينتمي إليها في مصر». وذكر صابر أن «الحكومة لن تطعن بالحكم القضائي الصادر بحق حماس باعتبارها منظمة إرهابية، وذلك يعني أن الحكم واجب النفاذ».
وبرغم أن القيادي الوحيد في «حماس» الموجود في القاهرة هو موسى أبو مرزوق، فإنه يدخل مصر بإذن من المخابرات الحربية، لذا لا يمكن تطبيق هذا القرار عليه، كما أن كلام الوزير لا ينفي كون «حماس» لا تملك أي شيء مما ذكره، كالأرصدة البنكية أو المقارّ، الأمر الذي أشار إليه القيادي الفلسطيني، صلاح البردويل، في تعليقه أمس على الحادثة. وأضاف البردويل: «تصريحات صابر تماد إعلامي... من الصعب معاداة الشعب الفلسطيني بهذا الشكل، فهذا أمر مخالف لسياق العلاقات، وستكون خطوة محرجة للنظام المصري».
تأتي التطورات الأخيرة برغم أن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، تحدث عن اتصالات تجريها مع السلطات المصرية لـ«تدارك» تداعيات الحكم القضائي، في وقت جددت فيه «حماس» على لسان المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، اتهامها لمسؤولين وعاملين في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بنشر تقارير «كاذبة ومفبركة» حول الحركة، في وسائل الإعلام المصرية، وهو الأمر الذي نفاه المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة، عدنان الضميري، في وقت سابق.
ونقلت مصادر إعلامية، أمس، أن قوات الأمن الوطني الفلسطينية، التابعة لوزارة الداخلية التي تديرها «حماس»، تعزز منذ أيام تحصيناتها على الحدود مع مصر، جنوبي قطاع غزة، حيث شيدت سواتر ترابية مرتفعة في محيط مواقعها الأمنية، ونقلت بعض المواقع المجاورة للشريط الحدودي مع مصر، إلى مناطق أكثر ارتفاعًا.
تلك الإجراءات أرجعها مصدر مسؤول في قيادة الجهاز إلى «رغبة الداخلية في تعزيز سيطرتها على المنطقة الحدودية مع مصر، وتحصين الحدود البرية والبحرية الغربية والجنوبية والشرقية للقطاع»، الذي يقطنه نحو 1.9 مليون نسمة. وأضاف: «لجأنا إلى تعزيز تحصيناتنا بعد وقوع عدة حوادث إطلاق نار من الجيش المصري، استهدفت نقاطا للأمن الفلسطيني».
في المقابل، قال مصدر أمني آخر إن «هذه الإجراءات احتياطية في سياق التأمين الاعتيادي والدوري للحدود، وليس بناء على معلومات معينة كما يُشاع في وسائل الإعلام بين فينة وأخرى، أو بسبب تهديد وسائل إعلام مصرية بضرب الجيش المصري لغزة أو ما شابه». وأشار المصدر الثاني إلى أن «وزارة الداخلية قدمت خطابا رسميا لشركة الكهرباء (الفلسطينية) في مدينة رفح، لتزويد المنطقة الحدودية بكشافات إنارة كبيرة، لمساعدة قوى الأمن على حراسة المنطقة».
إلى ذلك، ذكرت مصادر إعلامية فلسطينية أن عباس قدم الأفكار التي عرضها عليه الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، رمضان شلح، خلال اليومين السابقين (للخروج من الأزمة الراهنة والتقدم في ملف المصالحة) على اجتماع اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير، من أجل دراستها.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)