كما لم تتضرر علاقات «الجهاد الإسلامي» بدمشق خلال سنوات الأزمة السورية واتخاذها موقف الحياد، فإن العلاقة بالقاهرة ظلت في حال جيدة، إذا ما قورنت بـ«حماس»، أو حتى «فتح» في بعض المراحل. تأسيساً على ذلك، أتت زيارة الأمين العام للحركة رمضان شلح، ونائبه زياد النخالة، ومسؤولين آخرين للقاهرة.
تقول مصادر مواكبة للزيارة إنها جرت بناءً على طلب من رئيس السلطة، محمود عباس، الذي قد يلتقي الأمين العام لـ«الجهاد» رمضان شلح، هناك، بعدما أتم الوفد الزائر لقاءات عديدة مع مسؤولين مصريين لمتابعة اتفاق وقف الحرب إلى جانب لقاء مسؤولين في «حماس» موجودين في مصر. لكن القيادي في الحركة، خالد البطش، قال إن الزيارة مرتبة مسبقاً، وتأتي في إطار «قيام الجهاد الإسلامي بدورها الوطني تجاه شعبنا، وبحث كل ما من شأنه تخفيف المعاناة».
كل هذه التقديرات لأسباب الزيارة أتت نتيجة التصعيد في خطاب «حماس» بعدما اتخذت محكمة مصرية حكماً يقضي بكون الحركة منظمة إرهابية. ومع أن اختصاصيين حقوقيين في مصر وفلسطين، وحتى نائب رئيس المكتب السياسي في «حماس»، موسى أبو مرزوق، المقيم في القاهرة، أقرّوا جميعاً بأن قرار المحكمة لن يكون ذا تأثير بسبب «عدم اختصاصها»، فإن هذا لم يمنع من اشتداد التراشق الإعلامي.
وتقدّر المصادر نفسها أن سبب التصعيد الحمساوي هو لفت الأنظار إلى غزة ومشكلاتها العالقة منذ أشهر بسبب تعرقل الإعمار أكثر من شعور الحركة بالخطر من القرار القضائي المصري، إلى حدّ دفع «حماس» أمس إلى مناشدة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، الضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من أجل فتح المعبر ووقف الضغط على الحركة.
هذا أيضاً أحد العوامل الذي دعا بعض الجهات إلى الغمز ناحية «الجهاد الإسلامي» التي صارت تأخذ دوراً سياسياً أكبر في ظل سوء علاقة «حماس» بمصر. وتجلى ذلك باتهام القيادي في «حماس»، صلاح البردويل، القاهرة بشق الصف الفلسطيني، قائلاً: «النظام المصري نفض يده من رعاية المصالحة وانخرط في تمزيق الشعب الفلسطيني، فهو يحاول التفريق بين الفصائل، حتى بين الفصائل الإسلامية، لأنه في الوقت الذي يتهم فيه حماس بالإرهاب فإنه يبرّئ الجهاد».
مصادر أخرى قريبة من الزيارة قالت إن وفد الجهاد بحث قضية الحكم القضائي ضد «حماس» مع المسؤولين المصريين، لأن «اعتبار حركة تقاوم العدو الإسرائيلي منظمة إرهابية أمر خطير، ليس على حماس فقط بل على الشعب الفلسطيني وفصائله». وأضافت لـ«الأخبار»: «المصريون أبلغوا بعض الفصائل أن القرار غير ملزم للطبقة السياسية ولا يعبّر عن وجهة نظر السياسيين في القاهرة»، مؤكدة في الوقت نفسه أن الاتصالات بين القاهرة و«حماس» لم تنقطع كلياً، بل إن «موسى أبو مرزوق أراد السفر للاستشفاء خارج مصر، لكن السلطات رفضت ذلك وأصرّت على علاجه في مستشفيات القاهرة». وعمّا إذا كان القرار القضائي سيمهّد لعملية عسكرية مصرية ضد غزة، أضافت تلك المصادر: «هذا مستبعد كلياً، وكل ما قيل عن نية الجيش المصري استهداف غزة لم يصدر عن القيادات بل هو حديث إعلامي لا أكثر».
أما عن سبب اختيار «الجهاد الإسلامي» للحديث معها رغم تأكيد وجود علاقة مصرية ـ حمساوية، تقول المصادر إن كون «الجهاد» منفصلة عن جماعة الإخوان المسلمين يوفر لها قبولاً في مصر «التي تريد أن تؤكد أنها ليست ضد الفصائل، وأن مشكلتها مع الإخوان ومن يتبع لها». لكن المصادر نفسها عبّرت عن مخاوفها من رفض «حماس» دور «الجهاد الإسلامي»، ما سيجعل غزة على حالها تعدّ الأيام لحرب مقبلة، وخاصة أن محمود عباس يريد هذه المرة التحدث مع «حماس» عبر «الجهاد الإسلامي»، وذلك بالاستناد إلى حديث مصري رسمي يدور عن موافقة السيسي على فتح معبر رفح لخروج المعتمرين، معقباً عليه بتأكيده أن تسلّم عباس للمعابر يعني فتح «رفح» المغلق منذ أشهر وإدخال مواد الإعمار.
وفد الجهاد، الذي التحق به عضو المكتب السياسي عن غزة محمد الهندي (لم يستطع العودة إليها منذ أشهر)، تحدث عن ضرورة «طرق الأبواب الموصدة من أجل خلق بارقة أمل ولو بسيطة للتفريج عن أهالي غزة». وقال نائب الأمين العام، زياد النخالة، إن قضية فتح معبر رفح وإعادة الإعمار «من أهم النقاط المطروحة للنقاش، ولمسنا اهتماماً مصرياً واضحاً بمقترحات الحركة». وأكد النخالة أنهم لن يغادروا القاهرة إلا وقد خرجوا بحلول أقلها نسبية لجميع القضايا العالقة، كما على جميع الأطراف الالتزام بما سيتفق عليه أمام القيادة في مصر.
على جانب الأزمة الحمساوية ـ المصرية، ناشد القيادي في «حماس» إسماعيل رضوان الملك السعودي والأمين العام لجامعة الدول العربية التدخل لإلغاء قرار المحكمة المصرية الذي اعتبر حماس «منظمة إرهابية».
كذلك دعا المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، الأطراف العربية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتدارك ما وصفه بالانهيار والتدني في الموقف المصري، وفي اليوم التالي أضاف أبو زهري: «مهما بلغ حجم تحالف إسرائيل مع النظام المصري، سيبقى الاحتلال الإسرائيلي هو العدو الحقيقي».
لم يقف الاستنكار عند مواقف الفصائل الفلسطينية، بل شمل عواصم عربية وإسلامية. ففلسطينياً رفضت معظم الفصائل القرار القضائي المصري، فيما انتقد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، القرار، قائلاً إن «الكيان الصهيوني هو الإرهابي وليس حماس».
إلى ذلك، وصل المنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، روبرت سيري، أمس، إلى غزة عبر معبر بيت حانون «إيريز»،.