القاهرة | رغم حديث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة عن رغبته في سرعة إجراء الانتخابات البرلمانية، فإن جميع المؤشرات تؤكد أن «الجنرال» ليس راغباً في وجود برلمان يتمتع بصلاحيات واسعة كما نص دستور 2014، يمكنه أن يقف عائقاً أمام تحركات وقرارت الرئيس الذي يعمل منذ انتخابه بصورة فردية في إصدار القوانين والقرارات الجمهورية.
هو نفسه من كان يستعجل الانتخابات ليضمن «حالة الاستقرار السياسي والمدني» التي أوحى بها لكل الدول التي زارها ودعاها إلى حضور مؤتمر «شرم الشيخ» في منتصف آذار، لكن يبدو أنه ضمن حضور المدعوين، ما أزاح حملاً كبيراً في طريق الرئيس، في وقت من المقرر فيه أن تحسم المحكمة الدستورية العليا، صباح غد، في مدى دستورية قوانين العملية الانتخابية ومصيرها، مع نافلة الإشارة إلى أن القضاء في مصر لن يكون في هذه القضية كما غيرها بعيداً عن التأثيرات السياسية.
نتائج التحالفات الانتخابية بين الأحزاب التي مدد باب الترشح لضمان تقديم القوائم أظهرت بوضوح أن الأحزاب لم تستجب لدعوة السيسي إلى تكوين تحالف موحد، ما يعني في المحصلة القلق من تكون كتل معارضة. ومع أنه لا يمكن إنكار مزايا غياب مجلس النواب عن الساحة بالنسبة إلى الرئيس والحكومة على حد سواء، فبعيداً عن اختفاء الرقابة حول أوجه الإنفاق ومدى صحة القرارات من عدمها، يبقى الدور الأهم للنواب في نقل أصوات أبناء دوائرهم إلى الحكومة وتنفيذ طلباتهم، وخاصة أن جزءاً رئيسياً من استمرار نجاح النواب في الانتخابات الاستجابة لمطالب الدوائر التي يكون الجزء الخدمي منها هو الأبرز.
الضغط الشعبي ضد قرارات الحكومة سيوازيه ضغط نيابي على الرئاسة

كذلك لا يمكن عملياً التأكد من تشكيلة البرلمان المقبل على المستوى السياسي، فرغم توحد أصوات الأحزاب السياسية حتى الآن دعماً للرئيس في مواجهة الإرهاب (جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات المتشددة)، فإن انتهاء «الحرب على الإرهاب» التي تستغلها الحكومة لاتخاذ إجراءات قمعية وإصدار قوانين سالبة للحريات، سيؤدي بالضرورة إلى قوة المعارضة الحقيقية التي تعاني التهميش، وتحديداً بين أحزاب «الدستور» و«التيار الشعبي» التي ترى في قرارات الحكومة تراجعاً عن مكتسبات «ثورة 25 يناير».
حتى الكتلة السياسية التي ساندت السيسي خلال توليه وزارة الدفاع في عهد جماعة الإخوان تبدو على وشط التفكك مع أنها دعمت تحركه لعزل الرئيس الإسلامي، محمد مرسي، ليس للخلاف في الرأي حول الأساليب التي تستخدمها السلطة في التعامل مع الاحتجاجات فحسب، بل لعودة قطاع عريض من رموز نظام حسني مبارك إلى الواجهة، فضلاً عن التهميش الواضح للقوى الثورية التي ترى خطراً كبيراً من سعي رموز حزب مبارك للسيطرة على الأغلبية البرلمانية بطرق غير نظيفة.
وهذا ليس حديث عامّة، فمن بين نحو سبعة آلاف قبلت أوراق ترشحهم أكثر من ألفين محسوبون أو منتمون إلى حزب «الحركة الوطنية» الذي يترأسه آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، أحمد شفيق. رغم ذلك هذه الكتلة تواجه إبعاداً نسبياً من الدولة وقوى يناير الثورية التي أصبحت رغم تحفظها على مشاركة رموز «الحزب الوطني المنحل»، تقبل وجودهم على مضض، وظهر ذلك في قبول وجود بعض تلك الوجوه في قائمة «في حب مصر» المدعومة من الدولة.
وبحكم طبيعة عمل السيسي على مدار أكثر من 35 عاماً في المؤسسة العسكرية (منذ تخرجه من الكلية الحربية مروراً بالمناصب المختلفة)، فإنه لم يعرف المناقشة والجدل في القرارات، لكنه اليوم يبدو مضطراً في حال انتخاب البرلمان للاستجابة لطلبات نواب الشعب تنفيذاً لأحكام الدستور التي جعلت المجلس شريكاً في الحكم مع الرئيس. ووفقاً للمادة 115، فإن مجلس الشعب سيكون مطالباً بمراجعة الميزانية الجديدة للدولة، علماً بأن الميزانية قد يرافق اعتمادها حالة من الغضب في الشارع بسبب اتجاه الحكومة إلى مزيد من إجراءات رفع الدعم، وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء على جميع الفئات، وفي المحصلة اعتراض الجمهور يلزمه اعتراض النواب.
يشار إلى أن الدستور اشترط موافقة البرلمان على الموازنة العامة للدولة والتصويت عليها باباً باباً، مع أحقية المجلس في تعديل النفقات عدا التي ترد تنفيذاً لالتزام الدولة. كذلك يتيح الدستور للنواب حق إصدار القوانين حتى لو رفض الرئيس، استناداً إلى المادة 123 من الدستور التي تنص على أنه في حال رفض الرئيس إصدار قانون أقره المجلس، فإن موافقة ثلثي أعضاء المجلس على القانون بعد رفض الرئيس يجري بموجبها إصدار القانون. أيضاً يمتلك البرلمان حق مراجعة جميع القوانين التي صدرت في المرحلة الانتقالية خلال أول أسبوعين، وإن كان موعداً ضيقاً، لكنه سيدخل النواب في جدل كبير تجاه عشرات التعديلات وصيغها، ثم يجري الانتقال إلى قضية تشكيل الحكومة من الأغلبية التي حصدت أكثر الأصوات.
المؤكد أن السلطة الحالية تخشى تركيبة البرلمان المقبل وخاصة مع غياب رؤية أو توقع لسيطرة تيار سياسي محدد، بالإضافة إلى قضية الصلاحيات الواسعة التي يمكن أن تكون سبباً في صدام مبكر مع الرئاسة، وهكذا يظهر أن إرجاء الانتخابات حتى الاستقرار على تشكيل سياسي مناسب ليحصد الأغلبية البرلمانية فكرة تألفها السلطة.
ومن المقرر أن تفصل الأحد المحكمة الدستورية العليا في الطعون المقدمة على دستورية عدد مواد قوانين الانتخابات، وفي مقدمتها تقسيم الدوائر الذي في حال الحكم بعدم دستوريته سيرجئ إجراء الانتخابات إلى أجل غير معلوم كي تنهى التعديلات التي توصي بها المحكمة، فيما باتت الفئة المحسوبة على الرئيس تروج لأهمية تأجيل الانتخابات حتى «تكون على أساس قانونية ودستورية سليمة» ولو استغرق الأمر المزيد من الوقت.
عموماً، لن يكون السيسي سبباً في تأجيل الانتخابات التي تعتبر الخطوة الثالثة في خريطة الطريق المرسومة على يده في الثالث من يوليو قبل الماضي، ولكنه سيكون رجلاً ملتزماً تطبيق القانون والدستور كما يظهر... أما إذا جرت الانتخابات في موعدها، فمن المؤكد أن ثمة إجراءات وتشريعات ستصدر قبل أن تنعقد أولى جلسات مجلس النواب من أجل تجنب الصدام المبكر مع الرئاسة.