فادي عبّود يستقبل المواطن الحكومة الجديدة التي طال انتظارها، بعد مرحلة خطيرة كادت تطيح الوطن بكل مكوّناته، ويستبشر بها خيراً، بعد أن ضاق الأمرّين خلال فترة الشلل الماضية، إيمانا منه بأن دور هذه الحكومة، رغم قصر عهدها، مهم جداً، لكونها ستحدد معالم السنوات المقبلة، لجهة الملفات السياسية العالقة بين الأطراف عبر الحوار المنتظر، ولجهة معالجة الشأن الاقتصادي وإيجاد استراتيجية مستقبلية تستفيد من الأخطاء الماضية... ويأتي في هذا السياق قانون حماية الإنتاج الوطني الذي تنتظر القطاعات المنتجة تطبيقه منذ صدوره بتاريخ 8/ 12/ 2006:
■ ما هو قانون حماية الإنتاج الوطني ؟
هو قانون يطبّق على الممارسات التجارية الدولية التي تسبّب ضرراً أو تهدد بوقوعه على الصناعة أو الزراعة المحلية، ولا سيما في حالات الإغراق وحالات الدعم التي تمنحها حكومات الجهات المصدّرة إلى لبنان. كما يطبّق على حالات التزايد في الواردات التي تسبب ضرراً بالغاً للإنتاج المحلّي أو تهدد بوقوعه، عبر فرض تدابير وقائية. وقد أعطى هذا القانون وزارة الاقتصاد مهلة ثلاثة أشهر لإصدار المرسوم التنظيمي له، وهو ما لم يحصل في المهلة المحددة، بل صدر بتاريخ 18/3/2008، بعد سنة وثلاثة أشهر، وبعد مراجعات حثيثة، ودخل حيّز التنفيذ بتاريخ 3/ 4/ 2008 .
■ لماذا صدر قانون حماية الإنتاج الوطني؟
فُرض من منظمة التجارة العالمية في إطار المتطلبات الواجبة لانضمام لبنان إليها، فصدر القانون حينها، لنظهر كأننا نقوم بإصلاحات داخلية تمكّننا من الانضمام.
■ ما هي الأسباب الموجبة؟
إن تحرير التجارة وضع العديد من القطاعات الاقتصادية في لبنان أمام تحد ومنافسة كبيرين، وخاصة قطاعات الإنتاج التي تأثرت سلباً من إجراءات الانفتاح. فالليبرالية الاقتصادية التي اتّبعها لبنان فتحت أسواقه على مصاريعها، وسمحت باستيراد إنتاج دول تدعم صناعاتها بشتى الوسائل، ومنها أسعار النفط والأراضي الصناعية ودعم الصادرات، وكلها بأسعار غير الأسعار المعتمدة عالمياً، ورافق سياسة الانفتاح هذه بيروقراطية إدارية في الدوائر الرسمية، أدت إلى إقفال العديد من المصانع الصغيرة والمتوسطة، وسُرّح آلاف العمال. وقد أدّى دخول لبنان في منطقة التجارة الحرة العربية إلى فتح أسواقه على الإنتاج المدعوم لمعظم الدول العربية التي تضع عوائق غير جمركية تحت تسميات مختلفة، ومنها ما ليس له صلة بالاقتصاد والتجارة وتبادل السلع. ورغم أن هذا القانون يلحظ بوضوح في مادته الأولى أنه يطبق أيضاً على الممارسات التجارية الدولية التي يمكن أن تؤدي إلى وقوع الضرر أو تهدد به، نرى أنه لم تتخذ أي إجراءات حتى اليوم في حالات بات الضرر فيها واضحاً ويهدد المؤسسات بالإقفال النهائي وتسريح العمال... علماً بأنه إذا تُركت الصناعات لمواجهة مصيرها واعتُمدت سياسة اقتصادية تهدف إلى إقفال كل صناعات الطاقة المكثفة، وهو موضوع نرفضه رفضاً قاطعاً، فمن العدل مقاربة هذا الموضوع بطريقة عادلة عبر تأمين Exit Strategy والتعويض على هذه الصناعات.
■ هل نُفّذ هذا القانون؟
بدأت العراقيل تظهر منذ صدور القانون، فتأخّر إصدار المراسيم التنفيذية أولاً، ثم جاءت هذه المراسيم لتفرض على الصناعيين إعادة تقديم ملفاتهم عبر آلية معقدة وطويلة تهدف إلى بث اليأس في نفوسهم، علماً بأن الملفات المقدمة سابقاً إلى وزارة الاقتصاد، وقبل صدور القانون، واجهت عدائية من الوزارة، وخضعت للأخذ والرد، بحجة انتظار صدور المراسيم التطبيقية، وبعد صدورها فرضت عليهم إعادة تقديم ملفاتهم... علماً بأن الوزارة كانت قد أعطت رسوماً وقائية سابقاً لمعمل يونيسيراميك حتى قبل صدور هذا القانون، ثم أوقفت هذا الإجراء لأسباب غير مبررة، لذلك نرى أن عدم تنفيذ القانون لا علاقة له بالمراسيم التطبيقية أو بملفات الصناعيين أو بهيئة التحقيق أو غيرها، بل يعود إلى العقلية السائدة لدى العديد من المسؤولين التي لا تريد إغضاب الأشقّاء العرب، علماً بأن مختلف القطاعات الصناعية اللبنانية لا تطالب بالحماية ولا تسعى إلىها، بل إلى المعاملة بالمثل مقارنة بالمنتجات المستوردة التي تحصل على الدعم والإجراءات الوقائية من جانب حكوماتها. وتطالب القطاعات اللبنانية بتقديم التسهيلات لها لتعزيز قدرتها على منافسة قطاعات عربية وأجنبية تحصل على دعم من حكوماتها، وخاصة أن مستقبل القطاعات اللبنانية يعتمد على سياسة الحكومة التي كانت تظهر لامبالاة وتهميشاً لعدد من القطاعات الوطنية. فالاتفاقيات التجارية توضع من منطلق تسهيل الواردات إلى لبنان فقط دونما اعتبار لقدرة لبنان الإنتاجية والتصديرية والتنافسية، ولكن حتى لو فتحت الأسواق، فإن لبنان لن يستطيع اختراقها بسبب الحواجز التي تضعها المواصفات الموضوعة من جانب الشركاء في الاتفاقيات.
والعديد من الحجج والتوقعات التي كانت قد وضعتها الحكومة في شأن الحفاظ على حقوق المستهلك وتدنّي الأسعار جراء تطبيق اتفاقيات تحرير التجارة لم تتحقق، بينما ارتفعت الأسعار عند تحرير الأسواق وفق اتفاقية التجارة العربية.
تحاول جمعية الصناعيين اللبنانيين من خلال سؤال ورد جواب توضيح موضوع القانون المذكور، ولا سيما أن البعض يحاول وضع موقف الجمعية في خانة المواقف السلبية العدائية تجاه الإخوان العرب، وهذا غير صحيح وغير دقيق وبعيد كل البعد عن الواقع. الجمعية تطلب تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة العربية بكل بنودها ليس إلا.