لا يخفي الهدوء الظاهري في الملف الفلسطيني، على صعيد السلطة الفلسطينية ومشروعها في الضفة المحتلة أو حركة «حماس» وأزمتها في قطاع غزة، أن ناراً تشتعل من تحت الرماد. إذ تمر الأشهر ببطء على أزمتين، أهمهما توقف عجلة الإعمار في غزة على عقرب الساعة نفسه. يزيد فوقها مشكلة رواتب موظفي حكومة التوافق المقيدين على رام الله والمتوقفة من ثلاثة أشهر لم تستطع فيها السلطة سوى صرف مقتطعات مالية بتمويل عربي محدود، بعدما أوقفت إسرائيل، كالعادة عند أي «سجال سياسي»، تحويل عائدات الضرائب إلى الفلسطينيين.
وفي ظل تقديرات متعددة بأن المواجهة المقبلة في غزة لن تتأخر عن أكثر من ستة أشهر، فإن حراكاً أوروبياً، وخاصة من بريطانيا، يلقى صداه في غزة، التي تسعى فيها «حماس» إلى إعادة ترميم علاقتها بـ«السعودية الجديدة» على المستوى السياسي والإعلامي، وهو ما يفسر عودة الحديث عن «عملية السلام» في وقت لم تخرج فيه غزة من آثار الحرب والحصار، ما يؤسس لفهم أن المطلوب أكثر من تطبيق اتفاق وقف الحرب، بل النظر إلى القضايا الأساسية.
وأمس، تحدث مدير هيئة المعابر التابعة لـ«حماس»، ماهر أبو صبحة، عن زيارة مقررة لوفد بريطاني يضم 12 دبلوماسياً للقطاع، لكنه حتى ساعة متأخرة لم يرد أي تأكيد لدخول ذلك الوفد عبر معبر بيت حانون «إيريز» (الخاضع للسيطرة الإسرائيلية)، كذلك لم يرغب أي مصدر في توضيح ماهية الوفد وخطة زيارته سوى «تفقد آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والتقاء وزراء حكومة الوفاق»، وذلك بعد يومين من وصول وفد برلماني بلجيكي.
أكثر من ذلك، فقدت أبدت مصادر في وزارة الداخلية التابعة لـ«حماس»، تحدثت إلى «الأخبار»، تحفظاً على طبيعة زيارة الوفد التي لم تستطع المصادر الصحافية التأكد من وقت دخوله وجدول لقاءاته، كذلك لم يلاحظ أي جولة له في غزة.
ومنذ البداية، ينظر الأوروبيون، ومعهم الأميركيون، إلى قضية غزة كتطبيق كبير عن الأزمة الفلسطينية يجب أن تحل بصورة جذرية لا مرحلية، وهو ما استدعى من مبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، طوني بلير، الذي زار غزة أخيراً، الحديث عن ضرورة تعبير «حماس» عن رغبتها في «السلام» أولاً، ثم تحسين علاقتها بمصر وتقديم ضمانات تخص أمن الأخيرة، وخاصة في ظل الهجوم الإعلامي المصري المتواصل على «حماس» بعدما نسب إلى قيادي فيها تهديده بأعمال أمنية في سيناء، وهو ما نفته الحركة أمس. لكن صحفاً مصرية استغلت القضية لتعاير «حماس» بأنها تتواصل مع الأوروبيين بحثاً عن «هدنة طويلة الأجل لمدة 15 عاماً على مبدأ حل الدولتين».
بعد غزة، طار بلير إلى الأردن ليلاقي الملك عبد الله الثاني، ويبحثا في الشأن نفسه في ضوء الخلاصات التي خرج بها الأول من زيارته. ولعل ما يحدث في الضفة المحتلة لم يغفله الأول في «رؤيته» للحل. وهو نفسه ما حذرت منه صحيفة «واشنطن بوست» في أحد تقاريرها أخيراً، إذ قالت إن الإدارة الأميركية تخشى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتجاهل «انفجاراً جديداً محتملاً مع الفلسطينيين»، بعدما نقلت أن تقارير الاستخبارات الأميركية تشير إلى أن السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة لديها اليوم «سلطة اسمية في غزة»، كذلك فإن أموالها قد تنفد في بداية الشهر المقبل.
وفي حال حدوث ذلك، تذكر الصحيفة أن الولايات المتحدة تخاف من أن الخدمات المدنية والقوى الأمنية يمكن أن تنهار، ما سيخلق أزمة جديدة لإسرائيل، بل حتى المنطقة. ويوضح التقرير أن الأزمة المالية أتت بقرار إسرائيلي «انتقاماً من القرار الفلسطيني»، خلال الخريف الماضي، بعد الحراك ضد تل أبيب في الساحة الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية.
ولعل هذا يرتبط بما أعلنه الاتحاد الأوروبي، أمس، بتعجيله الحزمة الأولى من الدعم الذي سيقدم للفلسطينيين في 2015 وتبلغ قيمتها 212 مليون يورو (نحو 243 مليون دولار)، بالتزامن مع حراك واضح لرئيس السلطة، محمود عباس، في القارة الأوروبية، حيث مارس أسلوبه المعتاد في هذه الأزمات، بتحذير الأميركيين والأوروبيين من أن انهيار السلطة يعني تقدم «حماس»، مضيفاً إليها حزب الله وجماعات سلفية، لتتصدر المشهد في الضفة وغزة.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي شرح أن التمويل الجديد سيساعد في «توفير الخدمات الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية»، لافتاً إلى أن الدفعة الأولى فيها 130 مليون يورو كدعم مباشر للسلطة، والثاني 82 مليون يورو لوكالة الغوث (الأونروا)، وكلها جزء من الدعم السنوي المقدم الذي يقع في حدود 300 مليون يورو سنوياً.
(الأخبار، رويترز، الأناضول)