إذا كانت زيارة موشيه يعالون للهند، وهي الأولى من نوعها لوزير أمن إسرائيلي، مؤشراً ذا دلالة على الجانب الأمني في العلاقات بين دولة الاحتلال والدولة التي كانت في الماضي عضواً مؤسساً في مجموعة «دول عدم الانحياز»، فإن اللفتات العلنية التي قام بها رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، حيال ضيفه، تعكس برأي معلقين إسرائيليين قراراً هندياً بإخراج علاقة «الغرام» المستمرة بين الجانبين منذ عقد من الزمن إلى الضوء.
من المعروف أن الهند فضّلت على مدى عقود إبقاء علاقاتها بتل أبيب باردة، ولم تنتقل إلى تأسيس علاقات دبلوماسية كاملة معها إلا في عام 1992. وحتى في أعقاب ذلك، اقتصرت العلاقات بين الطرفين على الجوانب السياسية والتجارية ذات الطابع المدني، وبمستويات غير عالية. لكن مع الوقت، تسلل الدفء إلى هذه العلاقات من دون أن يبدي أي منهما مصلحة في تظهيره أمام الملأ. وفي عام 2003 سُجل الحدث الأبرز في تاريخ هذه العلاقات، متمثلاً بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون للهند، حيث بدأت العلاقات تأخذ منذئذٍ منحى أمنياً، سواء على صعيد التنسيق والتعاون الاستخباراتي أو على الصعيد الاقتصادي المتمثل باعتماد دلهي الصناعات العسكرية الإسرائيلية مصدراً رئيسياً للتزود بالأسلحة على صنوفها. بل إن الهند تحوّلت خلال العامين الأخيرين إلى «الزبون الأمني» الأول لدى إسرائيل، حيث تبلغ قيمة صفقات الأسلحة التي تبرمها سنوياً مع الصناعات العسكرية الإسرائيلي أكثر من مليار دولار، أي ما يقارب 15 في المئة من مجمل التصدير الصناعي العسكري الإسرائيلي.
وبرغم أن تقارير إعلامية كثيرة تحدثت خلال هذه الفترة عن صفقات تسليح تبرمها الهند مع إسرائيل وتشتري بموجبها منتجات عسكرية مختلفة، فإن الجانبين فضّلا عدم تسليط الضوء رسمياً على هذا الجانب في العلاقات. وبقي الأمر تحت سقف ما يشبه «الغرام الممنوع» حتى الانتخابات الهندية الأخيرة، في أيار الماضي، والتي أنتجت فوز الحزب الهندوسي القومي المتشدد «بهاراتيا جاناتا»، بزعامة ناريندرا مودي، المعروف بمعاداته للمسلمين.
فمنذ تسلمه لرئاسة الوزراء، يقود مودي نهجاً علنياً في محاباة إسرائيل والتقرب منها. الإشارة الأولى لهذا الأمر كانت في أيلول الماضي، حيث التقى نظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على هامش المؤتمر السنوي للهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك. أما الثانية، فهي اجتماعه يوم أمس، بيعالون الذي يزور الهند، في خطوة رأى معلقون إسرائيليون أنها تعكس قراراً هندياً بإسدال الستارة على حقبة التعتيم على العلاقات الأمنية والاستراتيجية مع إسرائيل. ولم يكتفِ مودي بإشارته الثانية، بل عززها بزيارة الجناح الإسرائيلي في معرض الصناعات العسكرية الذي تستضيفه مدينة بنغالور الهندية، ووقوفه هناك طويلاً يستمع إلى شروحات حول منظومة الطائرات المسيرة وطائرة الدورية البحرية الجديدة التي طورتها الصناعات الجوية الإسرائيلية.
ورأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس» العبرية، عاموس هارئيل، أن صورة الاجتماع الثنائي بين مودي ويعالون، وكذلك صورته أمام الجناح الإسرائيلي في المعرض، تعكسان تطوراً استراتيجياً في العلاقات بين الهند وإسرائيل يتمثل في «خروج علاقة الغرام السرية القائمة بينهما منذ عشر سنوات إلى العلن». وبحسب هارئيل، فإن هاتين الصورتين تمثلان علامة فارقة على طريق العلاقات قيد التوثق بين تل أبيب ودلهي بصورةٍ علنية.
ومن المتوقع أن تكون زيارة يعالون الحالية للهند خطوة بارزة على طريق إعطاء الزخم لما يشبه التحالف الاستراتيجي غير المعلن الذي تسعى تل أبيب إلى بنائه مع نيو دلهي. وإلى جانب سلسلة اللقاءات التي ستجمعه بعدد من المسؤولين الهنديين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ونظيره الهنديان، سيبرم يعالون خلال زيارته عدداً من العقود التسليحية التي تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار.
وقال يعالون أمس خلال مشاركته في حفل افتتاح معرض بنغالور، إن «الزيارة لها أهمية كبيرة على صعيد تعزيز العلاقات مع دولة عظمى صاعدة كالهند». ووصف يعالون الهند بـ«الصديقة الحقيقية لإسرائيل، التي ستقدم شراكة المصالح معها الكثير للدولتين وللمؤسستين الأمنيتين اللتين تتمتعان بعلاقات ممتازة فيهما». وأضاف يعالون: «بالنسبة إلى إسرائيل، هي تعد إقامة علاقات مع دولة عظمة مهمة كالهند شرفاً كبيراً، والحكومة الإسرائيلية وضعت لنفسها هذه المهمة في مكانة مرتفعة جداً ضمن جدول أولوياتها».
وكان الجانبان قد وقعا في الماضي سلسلة من الاتفاقات في مجالات السياحة والتجارة والطيران والتعاون المصرفي والعلمي، وتعتبر الهند البلد السياحي الأول بالنسبة إلى معظم الإسرائيليين.
ومن المعلوم أن تل أبيب تنحو بشكل واضح ومعلن نحو تأسيس علاقات استراتيجية مع الدول الآسيوية العظمى، وعلى رأسها الصين والهند. وسبق لنتنياهو، أن صرح في غير مناسبة بشأن ضرورة تعزيز العلاقات مع هاتين الدولتين، بل إنه طلب من وزرائه تكثيف سفرهم إليهما، في إطار السعي إلى تعزيز العلاقات معهما. وتستند هذه السياسة الاسرائيلية إلى رؤية جيواستراتيجية واقتصادية ترى أن الهند والصين ستتحولان خلال عقد من الزمن إلى عملاقين سياسيين واقتصاديين على الصعيد العالمي، ما يستدعي ضرورة الحجز المسبق لعلاقة استراتيجية معهما.
وأشار هارئيل في «هآرتس» أيضاً، إلى سعي إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع دول شرق آسيوية إضافية، وفي مقدمتها اليابان وكوريا الجنوبية. وفي هذه الحالات أيضاً، لعلاقات التنسيق الأمني والاستخباراتي أهمية كبيرة، خصوصاً في ظل التوتر المتزايد في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية، والإسرائيلية الأميركية على خلفية الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين والمحادثات القائمة بين الغرب وإيران لتسوية الملف النووي.