معارك حلب الأخيرة ليست سوى بداية لـ«معركة وجود» في نظر المجموعات المسلّحة هناك. هذا ما تقاطعت عليه مصادر المجموعات، وهو ما دفعَ إلى «ترك الخلافات جانباً، ورص الصفوف»، وفقاً لما أكّده مصدر من «الجبهة الشاميّة» لـ«الأخبار». الهجوم الذي شنّه الجيش السوري وحلفاؤه على محاور عدّة في مدينة حلب وريفها خلّف أوّل الأمر تخبّطاً كبيراً في صفوف المجموعات، ما انعكس في شكل تقاذف للاتهامات والتخوين بينها، قبلَ أن تُجرى سلسلة اتصالات مكّثفة أدّت إلى دخول «جبهة النصرة» على خط المعارك وفقَ معلومات «الأخبار»، ومن دون أن يتّضح بعد من هي الجهة التي دفعت «النصرة» إلى إرسال إمدادات «ساهمَت في امتصاص مفاجأة الهجوم واستعادة التوازن»، حسب مصدر قريب من «جيش المجاهدين».
المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «عنوان المرحلة القادمة سيكون: التنسيق لإحباط التطويق». وكانت العلاقات بين «النصرة» ومعظم المجموعات الوازنة في ريف حلب (مكوّنات الجبهة الشاميّة على وجه الخصوص) قد شهدت توتراً كبيراً خلال الشهرين الأخيرين بفعل تداخلات عدّة، تتعلّق بمناطق السيطرة، وسباق من الطرفين على بسط النفوذ. وقال مصدر محسوب على «النصرة» لـ«الأخبار» إنّ «المجاهدين قد تعاهدوا على نبذ الخلافات في الوقت الراهن والتفرّغ لصد الهجوم النصيري». المصدر أكّد أنّ «هذا القرار أبلغ لكل المجاهدين بصورة فتوى شرعيّة واجبة التنفيذ، صدرت عن أعلى المرجعيات الشرعيّة في الشمال». ورغم اعتراف مصادر المجموعات بالخسائر التي مُنيت بها، غير أنَ الساعات الأخيرة من نهار أمس شهدَت تكثيفاً لضخّ أخبار «انتصارات الثوّار والمجاهدين»، سواء عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال الاتصالات بين المجموعات نفسها. وبحماسة كبيرة تداول مسلّحو «حركة نور الدين زنكي» عبر اتصالاتهم اللاسلكيّة أنباءً عن «استعادة الملاح بالكامل، ورتيان وحردتنين، وتكثيف المعارك لاستعادة الجزء الجنوبي من باشكوي»، علاوةً على تأكيد «فتح طريق الكاستيلو»، ما يتناقض مع كلام مصدر من «جيش المجاهدين» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «الهجوم المعاكس أفضى إلى تحرير جزء من مزارع الملّاح، واستعادة نقاط في رتيان، والمعارك ما زالت مستمرّة». المصدر أقرّ بأنَ القسم الشرقي من رتيان، وكامل قرية باشكوي، وكامل بلدة حردتنين ما زالت «خاضعة لسيطرة قوّات الأسد والميليشيات المساندة لها». ورغم أن المعارك ما زالت دائرةً، وأنّ مصادر ميدانيّة سورية أكّدت «إحباط هجوم مضاد شنَّه المسلحون بغية استعادة رتيان»، غير أنّ الأنباء التي يتداولها مسلّحو «حركة الزنكي» تبدو فاعلةً في استعادة «روحهم القتالية» التي شارفت على الانهيار في الساعات الأولى من بدء عمليّات الجيش وحلفائه. وكان «الزنكيون» قد خسروا سريعاً عدداً من مواقعهم، علاوة على مقتل ما لا يقلُّ عن خمسين مسلّحاً من بينهم قادة ميدانيون، علاوةً على إصابة آخرين وفقاً لمصدرٍ محليّ محسوب على «كتائب الحركة». كذلك فقد «لواء الأنصار» قائده العسكري مطيع الصالح خلال معارك الراشدين، وقُتل «رئيس الهيئة الشرعية ورئيس المجلس المدني في إعزاز» الشيخ وليد العريض.
وعلمت «الأخبار» أنّ جهود التنسيق والتشاور ما زالت مستمرّة بين «الشاميّة» و«النصرة» و«جبهة أنصار الدين» بغية تشكيل «غرفة عملياتيّة» تُدير المعارك المُرشّحة للاستعار أكثر فأكثر على معظم جبهات حلب. وتشمل المشاورات أفكاراً عدّة، على رأسها «توزع الجبهات» بحيث تتولّى كل مجموعة مهمّة «قيادة المعارك على إحدى الجبهات» مع استمرار التنسيق في «الغرفة المشتركة» التي تتولى الإشراف على كل الجبهات، وإسنادها لوجستيّاً. وفي هذا السياق، أكّدت مصادر «الأخبار» وجود «مساعٍ للحصول على إسنادٍ لوجستيّ يتجاوز الإمكانات المتاحة حتى الآن»، بغيَة تلافي تكرار الخرق الذي تمكّن الجيش وحلفاؤه من إحداثه مع بدء العمليّات. وفي حين تحفّظت المصادر على تقديم أي تفاصيل إضافيّة، أكّدت في الوقت نفسه وجود «اتصالاتٍ مكثّفة مع قيادات رفيعة المستوى في الائتلاف المعارض في هذا الشأن».

خلافات «النصرة ــ الشاميّة» مرشّحة للتجدد

جهود «رأب الصدع» بين «جبهة النصرة» و«الجبهة الشاميّة» أفلحت أمس في إرسال الأولى إمدادات إلى الجبهات التي انهار فيها مقاتلو الثانية، لكنّ شبح الخلافات عاد إلى الأجواء ليلاً. وعلمت «الأخبار» أنّ مقاتلي «النصرة» على بعض الجبهات أكّدوا لقادتهم تعرّضهم لـ«خيانات على بعض الجبهات، تمثّلت في تقاعس بعض المجموعات عن تنفيذ مهماتها القتالية وكشف ظهور المجاهدين». مصدر من «النصرة» أكّد لـ«الأخبار» أنّ «تخلي مجاهدي النصرة عن إخوانهم أمرٌ غير وارد على الإطلاق، لكنّ قيادات الجبهة الشامية مطالَبة بوضع حدّ لتخاذل الفصائل». المصدر أكّد «إقبال المجاهدين على الاستشهاد بنفس راضية وتسليم بقضاء الله، لكنّ ذلك لا يعني أن يكشف الآخرون ظهورهم ويُحوّلوا المعارك إلى مَقتلة للمجاهدين».