مرة جديدة تكون الحكومة المركزية في بغداد ــ أياً كان رئيسها ــ ضحية انعدام التوازن السياسي في البلاد، أو ما يوصف كذلك. هذه هي الخلاصة التي يبدو أنّ حكومة حيدر العبادي، المؤلّفة نهاية الصيف الماضي إثر أزمة متشعبة سياسياً وأمنياً، باتت تواجهها الآن بعد اغتيال زعيم عشائري في أطراف بغداد، نهاية الأسبوع، وتعليق كتل برلمانية أعمالها عقب ذلك لفترة حددت بأربعة أيام.ولم يقف توسع دائرة الأزمة عند حدود محاولة تعطيل عمل مؤسسات رسمية، بل وصل إلى حد إعلان زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أمس، تجميد مجموعات مسلحة تابعة له، منتقداً تنامي نفوذ «الميليشيات» التي لجأت اليها السلطات لمساندة قواتها في المعارك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وترتبط الأزمة بمطالبات «الكتل السنية» بتوسيع دورها ضمن عمل الحكومة، إضافة إلى أنها تأتي في الوقت الذي من المتوقع أن يتدارس فيه البرلمان قانون «الحرس الوطني» ودور العشائر وقوات «الحشد الشعبي» ضمنه، كما أنها تترافق وأزمة أخرى تواجهها الحكومة مع إقليم كردستان بشأن مسألة العوائد المالية على نحو خاص.
ويبدو واضحاً أنّ الأزمة الراهنة تمثل المعضلة الأولى في وجه حكومة العبادي، على اعتبار أنّ من شأنها إفقادها التوافق السياسي، الذي كانت تحظى به. وبصورة عامة، فإنّ الأزمة الراهنة توضح أنّ العملية السياسية في العراق لا تسير بالشكل المطلوب، في بلد يواجه العديد من التهديدات، والأزمة الأوسع في العراق لا تتعلق حصراً بشخص رئيس الحكومة بل بصيغة توزيع آليات الحكم.
وتداركاً لتداعيات الأزمة، كان من المتوقع عقد اجتماع بين الرئاسات العراقية الثلاث إضافة الى السلطة القضائية مساء أمس. وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، خالد شواني، إن «رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس السلطة القضائية الاتحادية مدحت المحمود، سيجتمعون مساء اليوم الثلاثاء (أمس) في منزل معصوم في بغداد لتدارك الأزمة السياسية الناجمة عن مقاطعة كتلتي اتحاد القوى والوطنية لاجتماعات مجلسي النواب والوزراء». وأضاف أن «رئيس الجمهورية لديه مبادرة لتقريب وجهات النظر وانهاء الازمة السياسية سيطرحها على المجتمعين».
وأمس، أجاب الصدر على سؤال عما يشهده العراق «من انفلات امني بسبب الكثير من الميليشيات المسلحة وممارساتها»، بالقول «ألم أقل لكم بأن العراق لا يعاني من (شذاذ الآفاق) فحسب بل انه سيعاني من الميليشيات الوقحة أيضاً». وأضاف «الم أقل لكم انه يجب تسليم الجيش العراقي زمام الأمور، الم أقل لكم أن الحقبة السابقة قد أفاءت على العراق بازدياد نفوذ الميليشيات وشذاذ الآفاق وتسلّـطهم على رقاب الشعب المظلوم. الم أخبركم بأن هناك من يريد المساس بأمن العراق واستقراره ويسعى لإضعاف الحكومة الجديدة التي أنهت (الولاية الثالثة)». ونظراً لكل تلك الأسباب، دعا الصدر الجهات السياسية إلى «ضبط النفس وعدم الانسحاب من العملية السياسية التي بدأت تتكامل شيئاً فشيئاً»، مبدياً استعداده «التام للتعاون مع الجهات المختصة للعمل على كشف المجرمين الذين قاموا بتلك الجريمة النكراء». وأشار إلى أنه «كإثبات لحسن نية... (أعلن تجميد كل من): لواء اليوم الموعود وسرايا السلام مع بقاء تجميد الجهات الأخرى إلى أجل غير مسمّى». ودعا الصدر كذلك «كتلة الاحرار (إلى) العمل على توحيد الصف السياسي، وكتابة ميثاق سياسي مع باقي الكتل حتى لا تراق دماء في العراق، فيحقن الدم الشيعي والسني والمسيحي وغيرها على حد سواء».
وكان رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، قد قال يوم الأحد الماضي، «عقدت قيادات تحالف القوى والقائمة الوطنية أمس السبت، اجتماعاً طارئاً في منزل رئيس مجلس النواب... واتفقوا على تعليق عمل الكتلة وتخويل القيادات السياسية للتحالف اتخاذ القرار النهائي في هذا الصدد». وأضاف «بحث الاجتماع الذي امتد الى ساعة متأخرة التداعيات الأمنية الأخيرة التي تشهدها البلاد، وخصوصاً الاعتداء الإجرامي الأخير الذي طاول النائب زيد الجنابي وأقاربه وعناصر حمايته». وشدد المجتمعون على «ضرورة تقديم قانون حظر الميليشيات وتجريم الطائفية وإقراره داخل مجلس الوزراء...إضافة الى دعوة عاجلة للرئاسات الثلاث للاجتماع ومناقشة تلك التداعيات».
(الأخبار)