لم يعد بوسع بنيامين نتنياهو استغلال المناسبات والإطلالات الإعلامية للتباهي بأن سنوات حكمه هي الأكثر هدوءاً التي مرت على دولة إسرائيل، ولم يعد بوسعه الركون إلى كون إسرائيل الدولة التي تملك القدرات العسكرية الأكبر والأكثر تطوراً على مستوى المنطقة، كي يقنع جمهوره بأن تل أبيب يمكنها أن تعيش بهدوء في الوقت الذي تعتدي فيه على شعوب المنطقة.على هذه الخلفية، لم يكن إقرار نتنياهو وتقديره، أن السنوات الأربع المقبلة ستكون أقسى من تلك التي سبقتها، مجرد توصيف اقتضته المناسبة، خلال مراسم تولي غادي ايزنكوت رئاسة أركان الجيش بدلاً من خلفه بني غانتس، بل خلاصة تقدير مؤسسات مختصة للدولة العبرية، حول طابع التطورات التي تحملها السنوات المقبلة.

ومع أن الكثير من الأحداث التي تشهدها الساحات الإقليمية، تنطوي على الكثير من الفرص الاستراتيجية، كما ترى مؤسسات وأجهزة التقدير السياسي والأمني في إسرائيل، لكن ما يقلق نتنياهو، ومعه كل المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، بقاء وتطور مصادر التهديدات المحدقة بالدولة العبرية. من هنا، كان حديثه «أننا أمام شرق أوسط يتفكك، ودول تنهار»، لكن بحسب تعبيره «يدخل إلى الفراغ... إيران، التي تحتل أربع عواصم، وتمسك بباب المندب، وتتسلح بسلاح نووي». وأضاف نتنياهو أن الجمهورية الإسلامية تحاول تطويق إسرائيل عبر لبنان وغزة، والآن عبر ساحة أخرى في الجولان، حيث يوجد ألفان مقاتل من حزب الله بقيادة عملية من إيران. وأجمل نتنياهو الكلام بأن على إسرائيل أن تستعد لمواجهة تحديات جديدة، ليس أقل قساوة، ولا أقل تهديداً مما عرفناه حتى الآن.
الحديث عن التحديات والتهديدات لم يقتصر على نتنياهو، بل انسحب على كلمات الآخرين، منهم وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعلون الذي رأى أن هناك «تحديات كبيرة» تواجهها إسرائيل ينبغي لرئيس الأركان الجديد مواجهتها، خاصة أن الدولة العبرية «ستستمر في السنوات القريبة في مواجهة دول وكيانات وتنظيمات تسعى للمسّ بها وتشويش حياة مواطنيها».
وفي مناسبة أخرى، رأى يعلون أن الصراع العربي الإسرائيلي ليس على سلم الأولويات الإسرائيلية، بل إيران وحماس والإخوان المسلمون وتنظيمات الجهاد العالمي. مع ذلك، أكد يعلون، أمام مؤتمر لمعهد أبحاث الأمن القومي، أن إسرائيل ليس لديها مصلحة في انهيار السلطة، بل تريد سلطة مستقرة مسؤولة مؤهلة لكي نتعاون معها، لا أريد لهذا الشيء أن ينهار.
أيضاً، رأى رئيس الأركان غادي ايزنكوت أن إسرائيل «في خضم مرحلة متوترة ومليئة بالتحديات، الشرق الأوسط يغير وجهه ويتميز بقابليته للانفجار وعدم الاستقرار»، فيما أكد بني غانتس أن إسرائيل «ستواصل مواجهة الهزات الإقليمية والداخلية، وتبقى دائماً في عين العاصفة».
في هذه الأجواء، عرض المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، التحديات التي يفترض أن يواجهها ايزنكوت خلال توليه رئاسة أركان الجيش، وأجملها بالتالي: إمكانية انفجار غزة إذا لم تتم إعادة إعماره، وتحرك الضفة الغربية وصولاً إلى تهديد الجبهة الشمالية.
بالنسبة إلى غزة، رأى فيشمان أن قادة جيش الاحتلال يدركون أنه إذا لم تتم إعادة إعمار غزة بسرعة كبيرة، يجب عندها الاستعداد لحرب جديدة. ولجهة الضفة الغربية، رأى فيشمان أن الذي «حطم» السلطة الفلسطينية هو وقف وصول الأموال إليها سواء من خلال المساعدات الأميركية أو أموال الضرائب من إسرائيل. ولفت إلى أنه إذا لم يكن هناك طعام في ثلاجات نابلس وجنين فإن الأرض ستشتعل ويجب الاستعداد لمثل هذه المواجهة. أما بخصوص تهديد الجبهة الشمالية، فقد أوضح المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الإيرانيين حسَّنوا بصورة جوهرية قدرة القتال لدى حزب الله في لبنان.
من جهته، رأى الون بن ديفيد في مقالة له في صحيفة «معاريف» أن التحديات التي سيواجهها رئيس الاركان الجديد، ليس مع الخارج فحسب، بل في الداخل ايضاً، مشيراً الى ان هناك العديد من المعارك الداخلية «لرد اعتبار الجنود، والدفاع عن ميزانية الجيش والتصدي لمن يودون استخدام الجيش بصورة غير سليمة من المجلس الوزاري». ولفت بن ديفيد الى ان «التحدي الاكبر امام ايزنكوت، سيكون مع المسؤولين عنه الذين سيحاولون استخدام الجيش بطريقة غير سليمة، لكنهم سيجدون أمامهم رئيساً لن يكون من السهل تحريكه عن مواقفه». وأكد بن ديفيد ان يزنكوت «سيكون الاخير الذي سيوافق على استخدام القوة والمخاطرة بالجنود دون حاجة».