القاهرة | ساعات قليلة فصلت بين نشر تنظيم «داعش» فيديو ذبح المسيحيين المصريين الذين خطفتهم، وبين بدء عمليات سلاح الجو المصري لضرب مواقع للتنظيم داخل ليبيا، ولكن ساعات أقل فصلت بين بدء العمليات والبيان الذي أصدرته جماعة «فجر ليبيا» المسلحة، وتمهل فيه الجالية المصرية 48 ساعة لمغادرة البلاد، تفادياً لأعمال انتقامية ستوجه ضدهم.التطورات المتسارعة أصابت الجالية المصرية هناك بحالة من الخوف والقلق حيال أسرهم وأعمالهم، فهم يعدون بمئات الألوف (نحو نصف مليون)، ولكن لا يوجد إحصاء رسمي بعددهم، لأن سهولة إجراءات السفر وقرب الحدود لا يجعلان المصري، في أحيانٍ كثيرة، يحتاج إلا إلى جواز السفر أو البطاقة الشخصية للعبور. ومنذ سنوات طويلة، كانت ليبيا تستقبل العمالة المصرية، وخاصة في مجالي والبناء والصيد، ولهذا يتوافدون من مختلف محافظات «المحروسة»، وخاصة قرى الصعيد الفقيرة.

قبل حادثة اختطاف المسيحيين المصريين وبعدها، أعلنت القاهرة خطة سريعة لإجلاء المصريين من ليبيا، لكنها قبيل نشر الفيديو لم تستقبل سوى 200 من العائدين، فيما أخذت عملية الإجلاء منحىً آخر بعد التدخل المصري العسكري. قال وزير الطيران المدني المصري، حسام كامل، إنه وُضعت خطة لإجلاء المصريين عبر المطارات التونسية «من خلال باصات ستنتظرهم على الحدود الليبية ـ التونسية، ثم سيجري نقلهم بعد ذلك جواً إلى مصر، باستخدام أسطول طائرات شركة مصر للطيران».
رغم ذلك، يقف الوضع الأمني في ليبيا حجر عثرة، إذ إن الوصول الآن من المدن الليبية المختلفة إلى أقصى غرب ليبيا حيث الحدود التونسية أكثر صعوبة، وهناك يشاع أن «فجر ليبيا» نفسها تسيطر على مناطق في الغرب قريبة من تونس. مع هذا، فإن كثيرين ممن تواصلت «الأخبار» معهم يفضلون الموت عن العودة إلى البطالة والظروف الصعبة في مصر، وخاصة أن بعض العمال يعيشون في ليبيا منذ سنوات، بل تزوجوا بليبيات وكوّنوا أسراً، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف.
على طرف مقابل، هناك من يريدون العودة، لكنهم لا يعرفون كيف. محمد علي، الذي يعمل خياطاً ويعيش في مدينة بنغازي منذ 30 عاماً، اتخذ قراراً بإنهاء أشغاله والعودة مع أسرته إلى مصر خوفاً من تعرضه للخطف، لكنه إلى الآن خائف من التحرك. يقول علي لـ«الأخبار»، عبر اتصال هاتفي، إنه «ليس أمامنا سوى الطرق البرية، رغم أنها غير آمنة، وتسيطر عليها الجماعات المسلحة». وأضاف: «لا يستطيع أحد الخروج من المنزل بعد المغرب... رغم أن بنغازي آمنة مقارنة بمناطق أخرى، فإن الوضع محتقن الآن».
ورغم تأييد بعض المصريين في ليبيا التدخل العسكري انتقاماً لمقتل الأقباط، فإنهم يشتكون غياب التواصل الحكومي، أو السفارات، معهم لتنسيق عودتهم حتى لو كانت موقتة، فالمكاتب القنصلية في مدن البلاد أغلقت، وسحب أعضاء البعث الدبلوماسية منها.
أجواء القلق نفسها تمتد إلى أهالي المغتربين داخل مصر، إذ إن العمال الفقراء لا يملكون قدرة على الاتصال اليومي بأقربائهم، وخاصة بين المعدمين الذين لا يحملون هواتف نقالة.