أربيل | رغم تحرير مساحات واسعة من سهل نينوى المعروف بموطن الأقليات العرقية في العراق، إلا أن هذه المناطق لا تزال تعاني من عودة خجولة لسكانها الذين هربوا إلى إقليم كردستان بعد سيطرة تنظيم «داعش» على مناطقهم في شهر آب الماضي.تتكون محافظة نينوى ثاني أكبر محافظات العراق من 31 وحدة إدارية، تحتل مدينة الموصل مركزها، ويقسمها نهر دجلة إلى جانبين، الجانب الأيسر والجانب الأيمن، حيث توجد غالبية كردية في النصف الأيسر من مركز المحافظة، فيما يضم سهل نينوى عدداً كبيراً من الأقليات الدينية من الأكراد الأزيديين والمسيحيين والشبك والكاكائية والبهائيين والصابئة المندائيين، إلى جانب الشيعة والتركمان.

وتتعدد أسباب عدم عودة سكان هذه المناطق، فالعبوات الناسفة التي زرعها «داعش» قبل هزيمته أمام قوات البشمركة الكردية والجيش العراقي مدعوماً بقوات الحشد الشعبي وانعدام الخدمات الأساسية فيها إلى جانب الخوف من عودة التنظيم الذي نفذ خلال سيطرته مذابح كبيرة في صفوف هذه الأقليات الدينية؛ كان أبرزها قتله آلافاً من الأزيديين وسبي نسائهم وأطفالهم.
قوات البشمركة بدأت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي عمليات عسكرية واسعة في محاور غرب دجلة، أسفرت عن استعادة السيطرة على ناحية زمار الاستراتيجية القريبة من سد الموصل واستعادت في ما بعد السيطرة على ناحية الربيعة الواقعة على الحدود بين العراق وسوريا ومساحات واسعة امتدت حتى مركز قضاء سنجار، لكنها لم تحرر سنجار بالكامل بعد ولا تزال المعارك متواصلة بين التنظيم والقوات الكردية في مركز هذا القضاء.
ناحية زمار تعيش حياة طبيعية بعد تحريرها من «داعش»

وأوضح رئيس كتلة «التآخي والتعايش الكردي» في مجلس محافظة نينوى، سيدو جتو أن «الخطوة الثانية بعد تحرير المناطق من «داعش» تتمثل في توفير الأمن فيها لزرع الثقة في نفوس المواطنين، وبالتالي حثهم على العودة». ويلفت جتو في حديث إلى «الأخبار» إلى ضرورة توفير الخدمات الصحية والكهرباء والمياه والبلدية، وتوفير السكن اللازم للعائدين لأن «داعش» فجر بيوتهم بالكامل، ويشير إلى أن «فرق الهندسة العسكرية التابعة لوزارة البشمركة تواصل حالياً تطهير هذه المناطق من الألغام والمتفجرات، وفي الوقت ذاته تواصل البلديات جهودها في رفع الأنقاض وتنظيف الشوارع من مخلفات الحرب».
ورداً على سؤال «الأخبار» عن سبب تأخر عودة المهجرين إلى منازلهم، أوضح قائمقام سنجار، ميسر حجي صالح أن أحد الأسباب «هو الخوف من عودة مهاجمة «داعش» لمناطقهم، وكذلك عدم توافر الخدمات في المدينة وأهمها الكهرباء، وتدمير البنية التحتية بالكامل، إضافة إلى أن نصف سنجار والمناطق المجاورة لها لا تزال بيد «داعش» ولم تحرر بالكامل».
وأضاف حجي صالح إن من الأسباب الأخرى لعدم عودة الأهالي «أن العوائل التي نزحت إلى المحافظات المجاورة منذ أكثر من ستة أشهر أصبح لها التزامات تمنعها من العودة إلى مدنها آنياً، مثل ارتباط أطفالها بالدراسة في المدارس والمعاهد وجامعات المناطق التي نزحوا إليها، وحتى إيجاد فرص عمل جيدة تمنعهم من العودة، إضافة إلى البرد القارس الذي يصعّب من عملية الانتقال».
وعن مباشرة الدوائر الرسمية بالدوام في ناحية سنونة (الشمال) التابعة لسنجار التي حررتها البشمركة بالكامل، والمناطق المحررة ضمن حدود سنجار، أعلن حجي صالح أن المستشفى فتح أبوابه من جديد ويبقى أن تباشر المحكمة ومقر القائمقامية ودائرة النفوس العمل قريباً، مبشراً بأن السقف الزمني لعودة جميع المؤسسات إلى العمل هو الربيع المقبل، على وجه الخصوص، إذ تم تحرير سنجار بالكامل.
وحول عدد وإحصائيات المواطنين العائدين، كشف حجي صالح أن 4 آلاف شخص تقريباً عادوا إلى سنونة وأطرافها. وحول الإجراءات المتخذة لإعادة إعمار هذه المناطق وتهيئتها لعودة المواطنين إلى مساكنهم، كشف حجي صالح أن «هناك صهاريج تزود السكان بالمياه، وقمنا بصيانة وإدامة للشبكة الكهربائية لتكون مهيأة لتزويدنا بالطاقة. وتبرعت المحافظة بمبلغ 115 مليون دينار عراقي استثمرناه لتنظيف الشوارع»، وناشد الحكومة الاتحادية في بغداد بالقول «نحتاج إلى دعم كبير لإعادة إحياء المدينة وتوفير المواد الغذائية وفرص العمل والمستلزمات الصحية، في سبيل تشجيع السكان على العودة».
قضاء تلكيف الذي يقع شمال شرق مدينة الموصل، يعدّ واحدة من المناطق التي تسكنها غالبية مسيحية في سهل نينوى، سيطر «داعش» على كل مناطق هذا القضاء إلا ناحية واحدة وهي ناحية القوش التي أصبحت اليوم وبشكل مؤقت مركزاً للقضاء الذي لا يزال التنظيم يسيطر على ثمانين في المئة من حدوده الإدارية، لكن قصبة تلسقف التابعة للقضاء حررت منذ أشهر ولم يعد إليها سكانها بعد.
من جانبه، عزا قائمقام تلكيف، باسم بلو، سبب عدم عودة المواطنين إلى تلسقف، إلى سببين؛ الأول أن «قصبة تلسقف خط تماس عسكري وهي ساحة معركة حالياً ويوجد فيها قوات البشمركة»، والسبب الثاني «خدماتي، لأن هذه المناطق وقبل وصول «داعش» إليها كانت تعاني من مشكلة تزويد بالماء لأن مصادر تزويدها بالماء كانت تقع في يد التنظيم في الموصل وقد قطعوا الماء عنها». وعن نسبة عدد العوائل التي عادت إلى مناطقها، قال بلو في حديث إلى «الأخبار»، «بالنسبة لمركز ناحية القوش والقرى التابعة لها، عادت العوائل إليها بالكامل بنسبة 95 في المئة تقريباً، والحياة طبيعية فيها». وحول مناطق أخرى من قضاء تلكيف، أشار بلو إلى أنه «سوف تعاد الحياة إلى مناطق كثيرة منه قريباً».
بدوره، أكد مدير ناحية زمار، مزاحم سعدون، أن الناحية تعيش حياة طبيعية بعد تحريرها من «داعش»، لافتاً إلى أن جميع مؤسساتها باشرت العمل.
وكشف سعدون في حديث إلى «الأخبار» أن نسبة العودة إلى الناحية بلغت حالياً أكثر من 70 في المئة، مناشداً باقي السكان العودة.