سيناء | تتميز منطقة وسط سيناء، التي لم تعلن محافظة بعد، بمساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، مثل منطقة السر والقوارير (المستصلحة طبيعياً للزراعة)، فضلاً عن تربتها ذات الخصوبة العالية. وفي صناعات أخرى، تحوي هذه المنطقة جبالاً مهمة (كجبل الحلال وجبل لبني)، وتستخرج منها خامات الطفلة والحجر الجيري اللازم لصناعة الإسمنت، ويحيط بها مئات من المحاجر والكسارات.
هذا التعريف الطبيعي الذي يبرز أهمية المنطقة، زراعياً وصناعياً، يخفي وراءه معاناة كبيرة، إذ تضمّ وسط سيناء مدينتي نخل والحسنة، ويقطنهما حالياً قرابة 40 ألف نسمة يعيش أغلبهم تحت خط الفقر. أيضاً يوجد فيها منطقتا الجفجافة والمغارة، وهما منطقتان مهمشتان لا مظاهر للحياة فيهما. إذ يعاني سكان تلك المناطق الفقر المدقع، في ظل غياب أي مظهر من مظاهر الدولة المصرية.
إهمال الحكومة لوسط سيناء يقدم المنطقة للإرهاب على طبق من ذهب

وفيما تغرق محافظة شمال سيناء بموجة دامية بالتوازي مع حالة الهدوء النسبي في محافظة الجنوب، تقبع وسط سيناء بانتظار أن تلتفت إليها الدولة. إذ تؤكد مصادر قبلية أن القاهرة عمدت إلى تهميش المنطقة، وتركتها بعيداً عن حركة التنمية، حتى تكون ظهيراً للحفاظ على أمن إسرائيل، إلى جانب كونها ممراً آمناً لتجار المخدرات و"العبيد" الأفارقة والسلاح، القادمين من شرق قناة السويس باتجاه فلسطين المحتلة.
يقول الشيخ القبلي، محمد أبو عنقه، وهو من قيادات الحركة السياسية في الحسنة، إن ثلاثة قرارات رئاسية صدرت في عهد، حسني مبارك ومحمد مرسي، وأيضاً الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، لتحويل وسط سيناء إلى محافظة، لكن القرار «لم ينفذ حتى الآن، ولم تظهر أي بادرة حقيقية تشير إلى واقعية تحويل وسط سيناء إلى محافظة ثالثة في شبه الجزيرة».
وترتبط وسط سيناء بأربع محافظات (السويس والإسماعيلية وشمال سيناء وجنوب سيناء) عبر أربعة محاور مهمة. كذلك تقع بالقرب منها معديات قناة السويس (سفن نقل بين ضفتي القناة)، ولعلّ أهمها معدية الفردان ونمرة 6 في الإسماعيلية. أيضا تتصل بالمنطقة طرق ومحاور مركزية في حركة المواصلات ونقل البضائع، لكن الدولة لا تستغلها.
وتعتبر عين الجديرات المنطقة السياحية الوحيدة في وسط سيناء. ورغم كل ذلك، من الملاحظ غياب أي نشاط فيها، في وقت تنسحب الدولة فيه من سيناء شيئاً فشيئاً، وخاصة إن كان الحديث عن المؤسسات الرسمية.
ويكشف تقرير رسمي صادر عن الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء (التابع لمجلس الوزراء)، بشأن نسب تنفيذ مشروعات الخطة الاستثمارية في سيناء ما بين 1 تموز 2014 حتى 24 كانون الأول 2014، عن كارثة حقيقية. إذ كانت النسب لكل الوزارات والهيئات الحكومية هناك هي «صفر» خلال تلك المدة، وكذلك نسب تنفيذ الخطة الاستثمارية لنحو تسع وزارات كانت أيضاً «صفراً» خلال النصف الثاني من 2014، فيما لم تتجاوز نسب المستهدف تنفيذه الـ50% في ثلاث وزارات فقط. أمّا وزارة التعليم العالي، التي بلغت ميزانيتها لتنمية سيناء خلال ستة أشهر ثمانية ملايين جنيه، فهي لم تنفذ أي شيء. وانضمّت وزارات البترول، والتموين، والقوى العاملة، والثقافة، والآثار، إلى قائمة الوزارات الغائبة عن وسط سيناء.
يشكو عضو المجلس الشعبي المحلي لمحافظة شمال سيناء، علاء حمد، وهو مقيم في مدينة نخل (وسط سيناء)، إهمال الحكومات المتعاقبة لمنطقة الوسط، وإهدار ثرواتها من الفحم والفوسفات والرخام والحصمة، وعدم استغلالها لتنمية المنطقة وتوطين الناس فيها، مضيفاً: «كان ذلك سيُسهم في الحدّ من بطالة الشباب الذين تركتهم الدولة عرضة للأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية التي تجتذبهم بقوة المال لينضمّوا إلى صفوفها».
ويستهجن حمد سماح الحكومة بتصدير الرمل الزجاجي إلى الخارج من خلال ميناء العريش البحري بأبخس الأسعار، ليعاد استيراده بأسعار باهظة بعد تحويله إلى زجاج، وذلك بدلاً من استغلاله وإقامة المصانع الكفيلة بتحويله إلى أنقى وأفضل أنواع الزجاج.
كلّ ما سبق يشير إلى أن الحكومة تتآمر بنفسها على نفسها، إذ تقدم سيناء ووسطها إلى «الإرهاب» على طبق من ذهب، فكل وزارات المواجهة لهذه الحرب لم تؤدِّ مطلقاً دورها. وكان من المفترض أن تكون الأوقاف والتعليم والثقافة والشباب والرياضة والتموين والتضامن هي وزارات الحرب التى تصطف لمواجهة الأزمة في سيناء، وتحاول قبل الجيش خلق بيئة صالحة تقدم الدعم إلى أبنائها.
والواضح أن التنمية بعد «ثورة 25 يناير» و«أحداث 30 يونيو» تسير في وسط سيناء إلى الأسوأ، فرغم إعلان الدولة خطة جديدة للتنمية ووجود مخصصات مالية للمشروعات الواردة في المشروع القومى 2017، لتنفيذها في 17 قطاعاً بإجمالي 110 مليارات جنيه، فإن نصيب وسط وشمال سيناء منها 59 مليار جنيه، لم يكتمل منها أي شيء فعلياً.