رقعة سياسية جديدة تتبلور في اليمن منذ يوم الجمعة الماضي، سيحدد ضمنها تداخل العوامل الداخلية والخارجية وجهة البلاد المقبلة، إضافة إلى تحديد المدى السياسي الذي من الممكن أن تصل إليه تبعات «الإعلان الدستوري» الذي أصدرته «اللجنة الثورية» التابعة لجماعة «أنصار الله».
أولى قواعد الرقعة الجديدة وضعها زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، حين دعا، في كلمة أول من أمس، القوى السياسية إلى عدم إثارة البلبلة تجاه خطوة الإعلان الدستوري التي وصفها بالـ»مسؤولة وليست متهورة»، مضيفاً إنّ «البلد يتسع لكل أبنائه ولا يقبل بالإقصاء، وخطوة الإعلان الدستوري صححت المسار لإدارة المرحلة الانتقالية نحو الشراكة»، لافتاً إلى أنّ «على الجميع في هذا البلد تحمل مسؤولياتهم في البناء والتكاتف ليكون عاملاً لقوته»، ومشدداً على أن باب الحوار مفتوح في إطار الإعلان الدستوري.
مصادر من «أنصار الله»:
اتصالات مع قوى إقليمية ودولية للتنسيق

وبنى الحوثي رؤيته للتطورات، في جزء أساسي منها، على واقع أنّ البلاد كانت قد وضعت على مسار الفوضى حين استقال الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحين استقالت الحكومة أيضاً، مؤكداً أنّ «الفراغ السياسي في السلطة كان مؤامرة ضد الشعب اليمني».
وربطاً بالمشهد الخارجي للأزمة، أشار الحوثي إلى «المؤامرات التي تحاك في الداخل والخارج» ضد الشعب اليمني، متسائلاً: «ما الذي فعله الشعب اليمني لكي يتعاملوا معه على هذا النحو ويحيكوا ضده مؤامرات تلو المؤامرات». وأعلن في سياق كلمته أنه «إذا تعاطى الخارج بشكل سلبي مع اليمن فهذه مشكلته لأن الإعلان الدستوري لا يشكل خطراً إقليمياً أو دولياً».
وبالتوازي مع كلمة الحوثي، كانت العناصر الداخلية للمشهد المستجد تتشكل بدورها. وخلال الساعات الأخيرة، مضت «اللجنة الثورية» في تنفيذ الاستحقاقات التي نص عليها «الإعلان الدستوري» دون الالتفات إلى بعض المواقف الإقليمية والدولية، حيث أصدرت قرارات بتشكيل لجنة أمنية وعسكرية عليا برئاسة وزير الدفاع، سرعان ما انعقدت بعد ساعات من القرار، إضافة الى أنّ قرار تكليف وزير الدفاع ووزير الداخلية السابقين للقيام بمهمات الوزارتين حتى موعد تشكيل الحكومة صار ساري المفعول فوراً.
في سياق متصل، دعت اللجنة المنبثقة عن «اللجنة الثورية» إلى استقبال طلبات الانضمام إلى المجلس الوطني، وفق مدة محددة تبدأ اليوم الاثنين وتنتهي يوم الخميس المقبل. وبحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار»، فإن هناك ترتيبات جارية وحثيثة لتشكيل المجلس الوطني وإعلانه مطلع الأسبوع المقبل، وهو ما سيتلوه مباشرة الانعقاد وإقرار اللائحة الداخلية وانتخاب مجلس رئاسي وفق ما نص عليه «الإعلان الدستوري»، خلال الأسبوعين المقبلين، بحسب المصادر ذاتها.
في غضون ذلك، فإن عنصراً جديداً اتخذ حيزاً بارزاً ضمن المشهد العام أمس، وذلك حين أعلن المبعوث الدولي إلى اليمن، جمال بن عمر، أن «الأطراف السياسية في اليمن ستستأنف المشاورات لحل الأزمة السياسية يوم غد الاثنين (اليوم)»، مشيراً إلى أنّ هذا التطور أنتجته «مشاورات مع الأطراف السياسية وتواصلنا المباشر مع السيد عبد الملك الحوثي».
وبانتظار معرفة مسار المفاوضات المرتقبة، فإنّ تصريح المبعوث الدولي لم يشر إلى تطورات اليومين الأخيرين، بل وضع إعلانه «ضمن الجهود التي نبذلها لتيسير سبل الحوار والتوافق بهدف استكمال مهمات المرحلة الانتقالية التي حددتها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة»، لافتاً إلى أنّ «اليمن بات اليوم في مفترق طرق، لذا أشدد على ضرورة أن تضطلع القيادات السياسية بالمسؤولية والالتزام بروح التوافق، لتجاوز حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، وبما يضمن استكمال عملية التحول الديموقراطي السلمي... إنني أحث جميع الأطراف على تحمل مسؤولياتها، والالتزام بالحوار سبيلاً وحيداً لإيجاد حل سلمي متوافق عليه بين كل الأطراف السياسية».
بالتوازي، طالب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، «بإعادة شرعية» الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، معتبراً أن الوضع في اليمن «يتدهور بشكل خطير جداً».
ويأتي إعلان المبعوث الدولي في وقت كانت فيه قوى سياسية يمنية قد أعلنت رفضها لخطوة «الإعلان الدستوري». وفي هذا السياق، قال حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، الذي يضم إسلاميين وزعماء قبليين كباراً، إن الإجراءات تصل إلى حد «الانقلاب»، فيما عبّر حزب «المؤتمر الشعبي العام»، بزعامة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، عن «أسفه»، وقال إن ما حدث ينتهك خطة دولية للتحرك نحو الديموقراطية بعد تنحي صالح في 2011. في السياق أيضاً، ساد غموض سياسي، وخصوصاً في جنوب وجنوب شرق البلاد، حيث أكدت السلطات المحلية «عدم الاعتراف» بالواقع الجديد «ورفض الإعلان الدستوري». وبحسب بيان لهذه السلطات، فإن قوات الأمن والجيش في محافظات عدن وأبين ولحج وشبوة والضالع وحضرموت ترفض «الإعلان الدستوري».
وفي الشق الخارجي المؤثر على الأزمة اليمنية، فإن لقاءات كان قد أجراها المسؤولون الأميركيون مع مسؤولين خليجيين على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ (بدأ الجمعة وانتهى أمس) تناولت التطورات اليمنية، فيما أصدر، أول من أمس، مجلس التعاون الخليجي بياناً قال فيه (وفقاً لكونا) «هذا الانقلاب الحوثي تصعيد خطير مرفوض ولا يمكن قبوله بأي حال ويتناقض بشكل صارخ مع نهج التعددية والتعايش الذي عرف به المجتمع اليمني ويعرض أمن اليمن واستقراره وسيادته ووحدته للخطر». وأضاف البيان «ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يعدّ تهديداً لأمنها ولأمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها وتهديداً للأمن والسلم الدولي وسوف تتخذ دول المجلس كل الإجراءات الضرورية لحماية مصالحها». وجاء موقف جامعة الدول العربية متماهياً مع الموقف الخليجي الرسمي.
في غضون ذلك، أكدت مصادر من «أنصار الله» لـ«الأخبار»، «وجود اتصالات مع قوى إقليمية ودولية للتنسيق بشأن استحقاقات المرحلة المقبلة ‏وضمان تأييدها أو على الأقل لضمان ابتعادها عن الدخول في أي تحركات ضد اليمن... وفي ظل مخاوف من فرض ‏عقوبات اقتصادية على اليمن من قبل دول الخليج وأميركا تعمل جماعة أنصار الله على إيجاد تدابير لمواجهتها من خلال ‏حشد مواقف دولية وإقليمية الى صف الإجراءات الثورية التي يمضون فيها».
عموماً، أفضى «الإعلان الدستوري» إلى رسم إطار جديد للرقعة السياسية اليمنية، فيما بدا أن عودة المفاوضات المرتقب انطلاقها اليوم تهدف إلى إدخال تعديلات جديدة على ذلك المشهد. خلاصة لا يمكن القول عنها، إلا أنّها تشبه سباقاً على رسم الأطر لمرحلة يمنية مقبلة لا تزال معالمها غامضة.
(الأخبار)