يبرز اسم عمرو موسى مجدداً تداوله خياراً رئاسياً مصرياً. خيار، رغم القبول الشعبي الذي يحظى به، إلا أنه مستبعد في ظل شخصية موسى غير القابل للخروج عن الطاعة
القاهرة ــ الأخبار
«الرئيس عمرو موسى». عادت هذه التمنيات مجدداً بوصول الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى كرسي الرئاسة المصريّة بعد حواره مع قناة «الجزيرة» الفضائية القطرية، الذي قال خلاله، رداً على سؤال عن إمكان ترشيح نفسه لخلافة الرئيس حسني مبارك: «لا أريد الخوض في هذا الحديث».
صحيفة «الجمهورية» القاهرية التقطت حديث موسى لتقول، بقلم رئيس تحريرها في زاوية يومية يكتبها تحت اسم مستعار، إنه فهم من الحديث أن موسى ربما نوى الترشيح في انتخابات الرئاسة المقبلة. وعلق بقوله: «لا أحد يشك في كفاءة وشخصية الأمين العام للجامعة العربية، لكن الرئاسة ليست تصريحات فقط».
ورأت مصادر أن هذا الغمز هو بمثابة محاولة لقطع الطريق على إمكان ترشيح موسى نفسه فعلاً عندما تنتهي الولاية الخامسة للرئيس مبارك بعد عامين، ما دفعه إلى إلغاء لقاء كان سيعقده مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين المصريين في مقر إقامة السفير السعودي في القاهرة، هشام ناظر.
ويبدو أن بعض المثقفين المصريين لم يقتنعوا بعد بأن موسى ترك العمل السياسي على المستوى المحلي ليشغل منصب الأمانة العامة للجامعة، وخصوصاً أنه خلال حمّى الترشيحات للانتخابات الرئاسيّة عام 2005، أطلقت جماعة تطلق على نفسها اسم «الجبهة الشعبية السلمية لإنقاذ مصر» (سلام) حملة دعائية غير مسبوقة لمطالبة موسى بخوض هذه الانتخابات. ورأت أن موسى هو أنسب شخصية لقيادة مصر خلال المرحلة المقبلة.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي تتبنى فيها إحدى الجماعات علناً إمكان ترشيح موسى لمنصب الرئيس بعدما كانت التكهنات السابقة قد رشحته لمنصب نائب الرئيس قبل بضع سنوات.
لكن موسى التزم الصمت حيال هذه الحملة المفاجئة، بينما قال أحد معاونيه إنه «لا يريد التعليق على أمور تخص الشؤون الداخلية لمصر، على اعتبار أن ذلك يتناقض مع طبيعة منصبه الحالي». وأضاف أن «موسى لا يعتزم مطلقاً الاستقالة تمهيداً لتقديم أوراق ترشيحه لخوض الانتخابات الرئاسية».
وعلى مدى السنوات العشر التي أمضاها موسى في منصبه وزيراً للخارجية المصرية، ارتفعت شعبيته لدى قطاع عريض من الشارع المصري بفضل التصريحات النارية واللهجة الحادة التي اعتاد إطلاقها تجاه حكومات إسرائيل المتعاقبة، في وقت كانت فيه العلاقات المصرية ـــــ الإسرائيلية تشهد جموداً بسبب رفض القاهرة لسياسات الدولة العبرية تجاه عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط ومفاوضات السلام المتوقفة على المسارات العربية ـــــ الإسرائيلية.
وللمرة الأولى، تابع الرأي العام المصري وزير خارجيته وهو يدخل في ملاسنات علنية عنيفة مع كبار المسؤولين الإسرائيليين. كذلك ابتكر موسى مصطلح الهرولة تعبيراً عن مسارعة بعض الدول العربية إلى إقامة علاقات علنية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وبفضل لغته العربية السليمة وإجادته استخدام التعبيرات الرنانة التي تعبر عن طموحات رجل الشارع المصري، اكتسب موسى جماهيرية عريضة جعلته الأكثر شهرة وحظوة من بين نظرائه في الحكومة المصريّة. ومع مرور الوقت، تحولت شعبية موسى وشخصيته الكاريزمية إلى تكهنات وتمنيات يطلقها البعض بأنه سيُعَيّن في منصب نائب الرئيس، الذي ظل شاغراً منذ تولي مبارك السلطة خلفاً لسلفه أنور السادات عام 1981.
لكن مبارك فاجأ الجميع بتكليف موسى تولي الأمانة العامة للجامعة العربية. ورأى البعض أن هذا التكليف بمثابة محاولة للحد من الوهج الإعلامي والشعبي الذي صاحب ظهور موسى على مسرح الحياة السياسية المصرية، والذي بلغ ذروته في الأغنية الشهيرة التي أداها المطرب الشعبي، شعبان عبد الرحيم، وحملت عنوان «بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل». وربما كان هو أول وزير مصري أو عربي على الإطلاق الذي يرد اسمه على هذا النحو في إحدى الأغاني الشعبية لتضعه في مصاف الرؤساء.
لكن رغم ذلك، فإن موسى يمثل نموذجاً قديماً لرجل السياسة. يلعب كثيراً على جاذبيته السياسية. لكنها جاذبية لم تصنع تاريخاً خاصاً ولم تدفعه إلى مواقف تبعده عن مصير الموظف الذي لا يريد إغضاب أصحاب العمل. شعبيته لم تبنِها مواقف حرة. ولكنه أقرب إلى ظاهرة صوتية لم تقدم موقفاً واحداً يكشف الحقائق.
عمرو موسى في الجامعة العربية مندوب للحكام. لا يعمل خارج طاعتهم. ليس كل الحكام، لكن الحكام الأقوياء. وهذا ما يجعل فكرة خروجه عن الطاعة والترشح للرئاسة أمراً في عداد المستحيل.