سيناء | لم تمض 72 ساعة على وجود قائد القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب، الفريق أسامة عسكر، في شمال سيناء، حتى تمكن من إنجاز صفقة مهمة بالنسبة إلى الجيش المصري، مع قبيلة تقيم في مدينة العريش عاصمة المحافظة. ووفق ما تؤكده مصادر خاصة لـ«الأخبار»، عقد الفريق عسكر اجتماعاً مع رموز ومشايخ قبيلة الفواخرية، إحدى أهم وأكبر قبائل مدينة العريش، عُقدت خلاله صفقة تقضي بتسليح قوات الجيش شباب القبيلة للمشاركة في ملاحقة ومحاربة المسلحين الذين يترددون على المنطقة، وسط مدينة العريش وجنوبها.
وأكدت مصادر شاركت في الاجتماع، أن عسكر طلب قائمة بأسماء 300 شاب من أبناء القبيلة مع صور عن هوياتهم الشخصية لإعداد ملف لكل شاب واستخراج رخصة سلاح له، وذلك قبل تسليمه سلاحاً يكون عهدة للجيش. ومن المفترض تقسيم هؤلاء الشباب إلى مجموعات وتدريبهم في أحد المعسكرات الخاصة بالجيش في العريش. وأشارت المصادر أيضاً إلى أن طبيعة التجهيز تشمل تسليم أجهزة لاسلكية خاصة تعمل بموجب تردد خاص ومتغير، فيما تشرف على عمل هذه الأجهزة قيادات عسكرية. وضمن الترتيبات، أيضاً، تشكيل لجنة مؤلفة من ستة أشخاص من رموز القبيلة ومشايخها، تكون همزة وصل بين الشباب والفريق عسكر.
تحيل هذه الاتفاقات، في عدد من جوانبها، إلى تجارب مماثلة وقعت في دول عربية أخرى، وتحديداً في العراق. إذ تتأتى أهمية هذه التجارب من واقع معرفة المؤسسات العسكرية محدودية دورها إن لم تجرِ اتفاقات مع مكونات محلية. وفي الوقت عينه، الغريب هو الاهتمام الإعلامي الذي بات يسوّق لفرضية إخفاق الجيش المصري، في شمال سيناء، إن لم يُقم تحالفات ميدانية مع تلك المكونات.
الاتفاق ـ الصفقة له مكاسب مهمة بالنسبة إلى قبيلة الفواخرية، ستحصل عليها من الجيش، ويُقال إن عسكر وعد بها. ومن بين هذه المكاسب، يذهب البعض إلى القول إنها قد تصل إلى حدود حصول القبيلة على مقاعد سياسية في الحكومة الحالية، ومقاعد برلمانية في مجلس النواب المقبل، بالإضافة إلى مقاولات عمل مع القوات المسلحة حتى 2025‏.
وعن أهمية «الفواخرية» ودورها، يقول الباحث والقاضي العرفي، الشيخ يحيى الغول، إن «أصل القبيلة يرجع إلى عقبة بن جزام من كهلان، وكانوا ضمن قوافل حماية الحجيج فى شبه الجزيرة العربية، ولكنهم اختلفوا مع أمير المدينة اختلافاً قبلياً، فتحركوا شرق الأردن، والتفوا مع قبائل وعائلات أخرى حول مكان فيه آبار، ثم توزعت عليهم هذه الآبار، بحيث صار لكل قبيلة أو عائلة يوم تروى فيه وتملأ أوعيتها».
ويشير إلى أن خلافاً نشأ بين بني عقبة (الفواخرية) وقبيلة أخرى تعدت على البئر في اليوم المخصص لهم، فتفرق بنو عقبة. منهم من هاجر إلى مصر، ومنهم من ذهب إلى فلسطين، وآخرون نزحوا إلى سوريا، وهنا يتفق الغول مع الروايات التي قالت إن «فرع فلسطين هو الذي قدم إلى مصر وتكونت منه الفواخرية». ويضيف: «بعدما استقر المقام بالفواخرية عند بئر تزوج الفواخرية ببنات قبيلتي السماعنة والعيايدة، فكثر نسلهم وزاد عددهم».
وتعمل غالبية أبناء القبيلة في مجال المقاولات العامة، وخاصة المحاجر وإنشاء الطرق، وقد حصلوا أخيراً على امتياز مقاولات عمل بحفر قناة السويس الجديدة، إذ تعمل مئات سيارات النقل في حفر ونقل الرمال من المجرى الجديد للقناة.
وعقب الاتفاق الذي أبرمه الفريق عسكر مع رموزها ومشايخها، نظمت القبيلة وقفة احتجاجية أمام كلية التربية في العريش لاستنكار الهجمات التي ضربت مقارّ أمنية وعسكرية في العريش، فيما أثارت الوقفة انتقاد قبائل شمال سيناء، إذ إنّ ظاهر الحراك استنكار للإرهاب، وباطنه تنفيذ جانب من الاتفاق مع الجيش.
وكان عسكر قد تواصل مع عدد من مشايخ قبيلة السواركة لتوقيع اتفاق مشابه بهدف ملاحقة المسلحين في محيط منطقة الشيخ زويد ورفح حيث تقع مضارب القبيلة، لكنّ غالبية أبناء القبيلة الثانية رفضوا هذا الاتفاق جملة وتفصيلاً، برغم موافقة عدد كبير من أبنائها. وبنى رافضو الاتفاق موقفهم على أنّ ذلك سيجرّ القبيلة إلى حرب من دون ثمن مع قبائل المنطقة، وخاصة الترابين والتياها التي ينتمي كثيرون من أبنائها إلى جماعات «جهادية».
الآن، يركز الجيش المصري بحثه عن متعاونين من السكان المحليين حتى يستطيع الدخول إلى المناطق الوعرة في الشيخ زويد، لكن يبدو أنه يواجه معضلة في ذلك، وخاصة بعد استهداف جماعة «أنصار بيت المقدس» ــ «ولاية سيناء» العشرات من رموز القبائل ومشايخها، بدعوى تورطهم في العمل والتعاون مع قوات الجيش، خلال العامين الماضيين.
إلى ذلك، قالت مصادر عسكرية مصرية إن القوات المسلحة مستمرة في «تنفيذ مداهماتها ضد البؤر الإرهابية والإجرامية في شمال سيناء على أيدي عناصر الوحدات الخاصة من الصاعقة والمظلات المدعومة بغطاء جوى من مروحيات الأباتشى الهجومية». وأكدت المصادر أنه جرى في اليومين الماضيين تصفية 41 عنصراً وضبط أكثر من 53 آخرين، فيما شهدت ليلة أمس أعنف الاشتباكات في العريش منذ الهجوم الأخير على القوات المصرية، وذلك في قريتي أبو لفيتة والتومة، ومزارع في محيط العريش.