دمشق | لم تغب أسواق بعض الدول طيلة السنوات الثلاث السابقة، عن ساحة الاتهامات الحكومية بالمسؤولية عن المضاربة على سعر صرف الليرة تحقيقاً لغايات سياسية، لكنها المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة ممثلة بالمصرف المركزي توسيع دائرة تدخلها لتشمل سوق بيروت، الذي يتهم بطرح كميات كبيرة من الليرة السورية، أصبحت تمثل ضغطاً سلبياً على سعر صرفها.
وحالما أُعلنت نية «المركزي» التدخّل في سوق بيروت، توالت ردود الأفعال من الاقتصاديين، بين مشكك في جدوى هذا الإجراء، ولاسيما في ظل عجز المصرف المركزي عن التحكم في سعر الصرف داخلياً ولجم «تجار» العملة السوداء، وغاضب من استمرار إطلاق مثل هذه التصريحات، التي أفقدت المصرف صدقيته عند التدخل في السوق، بدليل أنه بمجرد إعلان الرغبة في التدخل بسوق بيروت، ارتفع سعر صرف الليرة من 220 إلى 235 ليرة للدولار الواحد، فضلاً عن جلسات التدخل السابقة، التي كانت عادة ما تنتهي إما بتثبيت سعر صرف السوق السوداء أو تثبيت سعر قريب منه.
أسواق رئيسية وفرعية
هناك مسألتان مهمتان يجدر التوقف عندهما، الأولى تتعلق بكميات الليرات المتوافرة في سوق بيروت، وخطورتها التي دفعت المركزي السوري إلى إعلان التدخل فيها، والنقطة الثانية تتمثل في طريقة التدخل التي سيعتمدها المصرف المركزي ومشروعيتها القانونية محلياً وخارجياً.
يذهب الدكتور الياس نجمة، أحد كبار الاقتصاديين السوريين، إلى حدّ التأكيد أن «السوق اللبنانية هي سوق فرعية لجهة توافر الليرة السورية مقارنة بأسواق أخرى كالبحرين والإمارات والأردن، التي كانت العملة السورية تنقل إلى بعضها بكميات كبيرة وعلى نحو إعلاني، وبعضها الآخر كانت العملة السورية تشهد فيها طلباً من العاملين السوريين المغتربين بغية تحويلها إلى عائلاتهم في البلاد، والاحتفاظ بالفارق المتحقق بين سعر الحوالات المعتمد رسمياً في سوريا، وسعر السوق السوداء».
العقوبات الدولية
لا تتيح لسوريا ان
تقوم بتحويلات نظامية بالدولار


أما المدير العام للمصرف التجاري السوري سابقاً، الدكتور دريد درغام، فيعتقد أنّ «تقدير كمية العملة السورية المتوافرة في لبنان عملية صعبة، ولكن من المؤكد أن الجزء الأكبر من الصرافين الذين كانوا يعملون في سوريا أصبحوا في لبنان هروباً من الملاحقة، واستعاضوا عن الحضور الرسمي بحضور خفي، يذكرنا بأيام زمان، عندما كان السائح يستغرب وجود أشخاص يسيرون بغرابة ويكررون كلمة: صراف... صراف... صراف، وهم واجهات لا تحمل أي شيء، ولكن لديهم القدرة على قيادة السائح أو الراغب إلى أروقة خلفية حيث الواجهات الأخرى، فضلاً عن عمليات الدولة التي انتشرت على نحو كبير، وخاصة لصفقات المنازل وغيرها من الصفقات التجارية الكبيرة».
عموماً، فإن التقديرات غير الرسمية تقول بوجود عشرات المليارات من الليرات السورية في أسواق بعض الدول المجاورة والإقليمية، الجزء الأكبر منها جرى تهريبه قبل الأزمة وبعدها عبر سماسرة وقنوات خاصة، ووحده المصرف المركزي يملك بيانات محددة من خلال مقاربته لوضع الكتلة النقدية وحركتها.
تهريب أم غسيل؟
بالانتقال إلى آلية التدخل التي سيعتمدها المصرف المركزي في تدخله بسوق بيروت، تحضر تساؤلات كثيرة أبرزها: كيفية إخراج القطع الأجنبي إلى لبنان؟ الجهات التي ستتولى عملية بيع الدولار مقابل الليرة السورية؟ والأهم، هل يملك المركزي كميات القطع الكافية ليتدخل ويحدث أثراً يستمر ليس لأيام فقط، بل لتثبيت وضع جديد؟
يقول الدكتور درغام في تصريحه لـ«الأخبار»: «الواقع يؤكد ان كل حكومة تمارس صلاحياتها على المساحة الجغرافية المعترف لها بها دولياً، وأي نوع آخر من التدخلات يحتاج إلى تنسيق وتفاهمات مع الجهات المعنية بتدخل ما بعد الحدود».
من جهته، يسمي الدكتور نجمة الأمور بمسمياتها، فيشير إلى أنّ عدة نقاط جوهرية في هذا السياق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، «فالعملة السورية غير قابلة للتحويل بالقانون، كما أن إخراج القطع الأجنبي بالكميات التي يريد المركزي التدخل بها ممنوع قانونياً، وهذا يعني أن أي إجراء سيكون بمنزلة تهريب للعملة»، والأهم يتساءل نجمة: «عبر أي جهات سيجري التدخل؟ صيارفة مرتبطين بعلاقات شخصية أم مؤسسات قانونية؟ وعندئذ يكون السؤال: وهل سيسمح لبنان بذلك، ولاسيما أن العقوبات الدولية لا تتيح لسوريا ان تقوم بتحويلات نظامية بالدولار».
وبغض النظر عن كل هذه التساؤلات والهواجس، فإن قرار «المركزي» التدخل بائعاً للقطع في سوق بيروت يطرح استحقاقات كثيرة، تتعلق بمدى قدرة «المركزي» على الاستمرار زمنياً بقرار التدخل، وطرح كميات من القطع البلاد بأمس الحاجة إليها لتمويل مستورداتها الرئيسية، ثم نسبة المخاطر الكبيرة المتمثلة في إمكانية استحواذ فئة المضاربين وتجار العملة على شريحة واسعة من كميات القطع المطروحة للبيع من قبل المركزي في سوق بيروت.