صنعاء | في موازاة أزمة الفراغ والفوضى المتفرقة في أنحاء البلاد، يمرّ اليمنيون في ظروف اجتماعية صعبة، تكاد تمنعهم من التقاط أنفاسهم بين جولات المواجهة المسلحة التي تشهدها معظم المحافظات اليمنية. فمنذ مدة يعيش المواطنون أزمةً اجتماعية ناتجة من وقف صرف الرواتب الحكومية، من دون أن يعرفوا كيف ستكون خواتيمها، وما إذا كانت ستُحلّ قريباً.
ورغم أن معظم اليمنيين المنخرطين في سلك الحكومة، بشقّيه الإداري والعسكري، لا يعتمدون في معيشتهم بصورةٍ أساسية على رواتبهم الشهرية، وهم يمتلكون موارد ومداخيل أخرى، إلا أن تلك الرواتب، على ضآلتها، كانت تساعدهم في تحمّل تكلفة الحياة الصعبة في بلدٍ يرزح أكثر من نصف مواطنيه تحت خط الفقر. رواتب شهر كانون الثاني (يناير) لم يتسلمها معظم الموظفين والعسكر في مواعيد قبضها الاعتيادية، باستثناء جهات حكومية محدودة تمكّنت من صرف الرواتب، بسبب امتلاكها مواد لا ترتبط بوزارة المالية مباشرةً، أو لتوقيع نواب الوزراء المستقيلين على معاملات مالية مرتبطة بحسابات الأجور والتكاليف التشغيلية.
أزمة الرواتب بدأت مع إعلان حكومة خالد بحاح المستقيلة، في بيان، اعتبار استقالتها «نهائية ونافذة ولا تراجع عنها»، مع التأكيد على سريان ذلك على الأمور المتعلقة بتصريف الأعمال، في احتجاج واضح من قبل رئيس الحكومة على عدم تراجع جماعة «أنصار الله» عن الخطوات التصعيدية التي اتخذتها قبل أسبوعين حين نشبت اشتباكات بينها وبين قوات الحماية الرئاسية في محيط دار الرئاسية في صنعاء. هذا البيان أثار أخبار تروّج لعدم صرف رواتب الشهر الماضي، خصوصاً أن إعلان الاستقالة قد سبق بأيام قليلة موعد توقيع الأوراق المالية المتعلقة بالرواتب.
هذا الوضع دفع «أنصار الله» إلى إصدار بيان دعت فيه جموع موظفي الدولة إلى عدم الوقوع في فخ الشائعات «التي تريد خلق حالة اضطراب وسخط عام ضد التصحيح ومكافحة الفساد التي تراكمت خلال عشرات السنين لتصبّ في صالح العابثين والفاسدين، نتيجة مؤامرات بعض الأيادي الأميركية التي فقدت مصالحها في هذه المرحلة». وفي البيان نفسه، نفت الجماعة أي علاقة لها بإشكالية تأخر صرف المرتبات، مؤكدةً أنها تسعى جاهدة لإلزام الجهات المعنية بصرف المرتبات في موعدها المحدد من دون تأخير، خصوصاً أن مبالغ المرتبات متوافرة لدى الخزانة العامة، موضحة أنها ستقف إلى جانب الموظفين العاملين في قطاع الدولة بمختلف جهاتها. لكن هذا الأمر لم يتحقق رغم بلوغ شهر شباط (فبراير) يومه الثالث.
في السياق نفسه، أشارت أخبار صادرة عن وزارة المالية إلى أن تأخر صرف مرتبات شهر كانون الثاني (يناير) قد جاء بسبب تخلف عدد كبير من المحافظات عن إرسال المبالغ المقررة عليها للخزينة المركزية في الوزارة، وهو ما أدى إلى عرقلة استخراج الرصيد المالي لمرافق الدولة للربع الاول من العام الحالي. وأضافت هذه الأخبار أنه تجري حالياً مراجعة أوضاع المؤسسات الخدماتية التي لا تمتلك إيرادات لصرف المرتبات أواخر الأسبوع المقبل، مشيرةً الى أن المؤسسات الحكومية التي تمتلك إيرادات قامت بصرف مرتبات كانون الثاني (يناير).
وكانت جماعة «أنصار الله» قد أعلنت في بداية الشهر الماضي أنها ستقوم بتشكيل لجان خاصة مشتركة بينها وبين وزارة المالية والخدمة المدنية التي يرتبط شغلها بتنظيم العمل الإداري في قطاعات الدولة والموظفين العاملين فيها. ومهمة تلك اللجان النزول إلى الجهات الحكومية لتنفيذ عملية تسليم رواتب شهر يناير بشكل مباشر أمام الموظفين المعنيين، وهو الأمر الذي رأت جماعة «أنصار الله» أنه سيعمل على كشف أسماء الموظفين الوهمية التي لا وجود حقيقياً لها، وكذلك كشف عمليات التلاعب في أمر الموظفين المزدوجين الذين يمتلكون أكثر من وظيفة في وقت واحد. لكن الجماعة، وفي بيان لها نُشر في صحيفة «الثورة» الرسمية التي أصبحت تحت سيطرتها، أعلنت أنها «قامت بتأجيل نزول تلك اللجان إلى نهاية الشهر الحالي»، مشيرةً إلى أن هذه اللجان «لم تستعد بشكل كامل بعد لإجراء تلك المهمّة».