تتواصل التقارير الاستخبارية الإسرائيلية عن الإمساك بخلايا عسكرية في الضفة المحتلة، آخرها اعتقال خلية لحركة «حماس» في منطقتي أبو ديس وبيت لحم أول من أمس. حالة إعلامية ــ أمنية تأتي في ظل تصاعد العمليات الفردية، التي باتت تأخذ منحى أكثر تنظيماً وتطوراً عن قبل، في الوقت الذي أخفقت فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية في وقفها، أو الكشف عنها قبل حدوثها.
المتابع لإعلام العدو يستطيع أن يلمس مدى سخط الجمهور الإسرائيلي على المؤسسة الأمنية بسبب استمرار العمليات الفردية، وهو ما أقره قادة الأمن الإسرائيليون مراراً عبر الإعلام بتأكيدهم صعوبة وقف مثل هذه العمليات، برغم الانتشار المكثف لجيش العدو وشرطته في مختلف مناطق التماس، وإجراءاته المعقدة على الحواجز والمعابر.
الأخبار الأخيرة التي سمح جهاز «الشاباك» الإسرائيلي بنشرها أول من أمس حول اعتقال خلية تابعة لـ«حماس» وتضم 25 شاباً، معظمهم من طلبة جامعة القدس (أبو ديس شرق القدس المحتلة)، دفعت بالقيادي في حركة «حماس»، مشير المصري، إلى وصفها بـ«الأكاذيب والأراجيف»، التي هدفها تبرير الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. ويرى المصري، في حديث مع «الأخبار»، أن حملة الاعتقالات الأخيرة بحق كوادر الحركة «تدل على حالة التخبط التي يمر بها الكيان الصهيوني أمام الانتفاضة التي شكلت خيار شعب بأكمله».
ولم يتبنّ المصري أو أي قيادي فصائلي المسؤولية عن العمل المقاوم في هذه المرحلة، بل يجمعون على أنه يغلب عليه طابع الأعمال الفردية أو المجموعة الواحدة في أكبر الأحوال. ولكن المصري لم يستبعد أن يكون هدف العدو «زعزعة الثقة بالمقاومة وكسب الرأي العام الصهيوني الداخلي، فضلاً عن تبرير خروقه لصفقة وفاء الأحرار».
في التفاصيل التي نشرها «الشاباك» أنه جرى بالتعاون مع شرطة العدو، اعتقال خلية «كانت تخطط لتنفيذ عمليات تفجيرية واستشهادية كبيرة في العمق الإسرائيلي. ويتهم «الشاباك» أحمد عزام (24 عاماً) من محافظة قلقيلية، بترؤس الخلية، قائلاً إنه جرى تجنيده على يد عناصر من «حماس» في غزة قبل أشهر. كذلك يتهم الشاب حازم صندوقة من البلدة القديمة في القدس بمسؤوليته عن شراء المواد اللازمة لتصنيع المتفجرات بكميات كبيرة من داخل فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى جمع معلومات عن مواقع محتملة للعمليات.
ادعى العدو هذه المرة أن تجنيد الخلية جرى بأوامر من غزة

وتحدث «الشاباك» أيضاً عن إلقائه القبض على خلية أخرى لـ«حماس» عناصرها من مدينة بيت لحم، جنوب الضفة، كان في نيتهم تنفيذ عمليات استشهادية. وعرف منهم وفق الادعاء الإسرائيلي: عيسى شوكة (19 عاماً) «الذي جند محمد سرحان (20 عاماً)، ونعيم علي (19 عاماً)».
وحول محاولة العدو تسخين الأجواء مع غزة عبر ربط بعض الأحداث في الضفة بأوامر من قيادات «حماس» في غزة والخارج، قال المصري: «هذه المحاولات شرف لقيادة حماس. نحذر هنا العدو من مغبة الإقدام على أي حماقة».
في هذا السياق، فسر الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، التهويل الإسرائيلي عن عودة العمليات العسكرية بالقول إن إسرائيل لديها تجربة سابقة في مجال العمليات، وهي تأخذ كل الاحتمالات على محمل الجد، والدراسات «تشدد على أنه كلما زاد العنف الإسرائيلي والعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني، يُفتح الباب وتزداد احتمالات تصعيد الفلسطينيين لطرق المقاومة».
ويرى عريقات أن «الشعب الفلسطيني والفصائل يدركون جيداً أن إسرائيل تحاول جرهم إلى مسرح العمليات العسكرية لأنها الأقدر في هذا المجال»، لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه أن يلجأ الفلسطينيون إلى العمليات المنظمة. ونبّه أيضاً إلى أن أياً من الفصائل «لم يتبنَّ الرواية الإسرائيلية، وهو ما يفتح الباب أمام الاحتلال لتلفيق التهم كما يشاء»، مضيفاً: «لا أعتقد أن هناك تنظيماً مقاوماً (في الضفة) سري أو علني تتكون خلاياه من هذا العدد الكبير؛ بتقديري أن الرواية الإسرائيلية غير دقيقة، ولكن من المبكر الحكم عليها».
ويرى مراقبون أن من أهداف التهويل الإسرائيلي مواصلة العقاب الجماعي والاغتيالات الفردية وإعدام الفلسطينيين بطريقة وحشية، فضلاً عن ابتزاز السلطة.
وفي وقت سابق، أعلن العدو اعتقال خلية تتبع لحركة «الجهاد الإسلامي» ادعى أنها كانت تنوي تنفيذ عملية كبيرة جنوب مدينة الخليل، ولكن «انفجار قنبلة يدوية بأحد أفرادها (الشهيد ضياء التلاحمة) كشف العملية وعطل تنفيذها». كما أعلن اعتقال خليتين من رام الله بتهمة تنفيذ عدد من عمليات إلقاء الزجاجات الحارقة وعبوات ناسفة محلية الصنع.
الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، يتفق مع القيادي المصري واللواء عريقات، في نفي دقة التقارير الإسرائيلية وما يصفه العدو بالإنجازات، عازياً السبب في ذلك إلى الضغوط الكبيرة والاتهامات التي تتعرض لها أجهزة الأمن الإسرائيلية بما فيها الجيش وجهاز «الشاباك».
يقول أبو علان: «بالاستناد إلى تجارب سابقة، تبين أنه قبل عام ونصف، أعلنت سلطات الاحتلال إلقاء القبض على خلية تابعة لحماس، وأصدرت بحق أفرادها أحكاماً تتراوح بين خمسة إلى ستة أشهر، متهمة إياهم بأنهم مسؤولون في الحركة في قرية أو منطقة ما، ولكن التهمة التي وجهت إليهم ليست بحجم العقوبات الصادرة أو حتى بما ذكر في بداية اعتقالهم».
بعض المصادر الفصائلية شرحت أن المقاومة «لو أرادت تنفيذ عمليات عسكرية في الضفة لتمكنت من ذلك»، مستدلين بعملية «إيتمار» التي أدت إلى مقتل مستوطنين اثنين قرب نابلس قبل ثلاثة أشهر، ولكن «التقدير العام يؤكد أنه لا يجب الذهاب بانتفاضة القدس إلى العمل العسكري».
ويستدرك أبو علان: «إسرائيل تزج باسم حماس أو بأسرى محررين لقطع كل الطرق على أي مفاوضات مستقبلية لإعادة المحررين المبعدين إلى فلسطين، أو إخراج الذين أعيد اعتقالهم». كذلك لم يستبعد أن تكون إسرائيل «تهيئ المناخ العالمي لأخذ الضوء الأخضر لاغتيال قياديين في غزة تحت مبررات تحريضهم لتنفيذ عمليات عسكرية في الضفة».
ولم يتسن لـ«الأخبار» التأكد من مصادر أمنية فلسطينية من تفاصيل الإعلان الإسرائيلي، بالرغم من محاولة الاتصال بالمتحدث باسم الأجهزة الأمنية، اللواء عدنان الضميري.