الجزائر | تشهد الجزائر منذ فوز عبد العزيز بوتفليقة برئاسة البلاد لعهدة رابعة، حالة من التشنج السياسي بين المعارضة والنظام. تتهم الاولى النظام بالاستيلاء على إرادة الشعب للاستمرار، فيما يتهمها النظام بالعمالة للخارج. الأمر الذي أحدث تصادمات بين الطرفين في عدة مواقف، ومع كل مناسبة.
وأمام هذا المشهد، ومع لجوء المعارضة لمختلف الطرق لتحقيق الانتقال الديموقراطي، وإحداث التغيير، لجأت بعض الأطراف والشخصيات إلى المؤسسة العسكرية، داعية إيّاها إلى التدخل للفصل في الأزمة، حيث قال رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش: «نحن بحاجة إلى الجيش، وحده القادرعلى جمع كلّ الأحزاب، وضمان الوسائل الضرورية لتحقيق الانتقال الديموقراطي»، مؤكداً أنّ «الجيش يجب أن يكون داعماً للدولة لا للحكومة، نحن بحاجة إلى توافق يقوده الجيش والأحزاب السياسية والشعب».
وسبقت دعوة حمروش، مناشدة من رئيسة حزب «العدل والبيان»، نعيمة صالحي، التي أوضحت، خلال حفل توقيع 12 حزباً سياسياً وثيقة مبادرة «المجموعة الوطنية للدفاع عن السيادة الوطنية والذاكرة التاريخية»، أنّ ظروف المرحلة السياسية تتطلب تدخل الجيش لإنهاء حكم الرئيس بوتفليقة، مشيرةً إلى أنّ ظاهرة الفساد التي استشرت في الجزائر، والإخفاق السياسي والاجتماعي والاقتصادي لفترة حكم الرئيس بوتفليقة، لا تتيح لهذا الأخير الترشح لعهدة رئاسية رابعة، وقالت: إنه «يتعيّن على المؤسسة العسكرية أن تتخذ موقفاً وطنياً، وانحيازاً إلى الشعب، والمساعدة على وقف مهزلة لجنة تعديل الدستور وتأمين الانتقال السلمي للسلطة».
شدد الجيش على أنه ليس له علاقة بالسياسة

وطالب رئيس الحزب الجمهوري، عبد القادر مرباح، من جهته، المؤسّسة العسكرية بالتدخل لإنقاذ البلد وحماية الوحدة الوطنية. بينما أشار رئيس جبهة «الشباب الديموقراطي»، أحمد قوراية، إلى ضرورة «أن يضع الجيش حدّاً للمهزلة السياسية، والعبث السياسي الذي تشهده الجزائر، وحماية البلاد والعباد من الذين يلحقون بهما الضّرر».
وبحسب الباحث في الشأن السياسي والتاريخي، محمد أرزقي فراد، فإنّ طلب هذه الأحزاب والشخصيات بتدخل الجيش، هو مطلب غير دستوري، وغير سياسي، موضحاً أنه كان على هذه الأحزاب، عوض التوجّه إلى مطلب غير دستوري، أن تطالب بتفعيل المادة 88 من الدستور، المتعلقة بحالة عجز الرئيس عن أداء مهماته، نظراً لوضعه الصحيّ.
لكن، وبالنظر إلى الدعوة الموجهة للمؤسسة العسكرية في الجزائر للتدخل في السياسة، يطرح المراقبون تساؤلاً حول حقيقة موقع الجيش في العملية السياسية منذ استقلال البلاد. نقطة يجيب عنها اللواء المتقاعد في الجيش الجزائري، ومدير الأكاديمية العسكرية لشرشال، عبد العزيز مجاهد، الذي أبرز في تصريحات خاصة بـ «الأخبار»، أنّ المؤسّسة العسكرية في الجزائر من مؤسسات الدولة، وتعمل وفق مهماتها الدستورية، «لكن في حالة وقوع خلل في مؤسسات البلاد، فيجب، ومفروض عليها، التدخل لتعويض النقص المسجل»، مشيراً إلى أنّ الجيش أدى دوراً في كلّ المجالات، من التربية، إلى الصحة، إلى الفلاحة، وغيرها، منذ الاستقلال 1962، وذلك بالنظر للظروف التي كانت عليها الجزائر. أما في الجانب السياسي، فيمكن تحديد دوره من 1965 إلى 1978، وهي فترة حكم الرئيس الراحل، هواري بومدين، حين كانت الجزائر تسير بما يسمّى «مجلس الثورة» المكوّن من عسكريين ومدنيين، وكان أحد أعضائه الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، وفي تلك الفترة، يضيف عبد العزيز مجاهد، «أدى الجيش دوره في الجانب السياسي، فالظروف دفعته للمشاركة في السياسة، لكنه عاد إلى دوره الأساسي بعد 1978».
وبخصوص دوره الحالي في السياسة أبرز، اللواء المتقاعد، أنّ «الجيش يشارك في السياسة عندما تكون المؤسّسات مقصّرة في أداء مهماتها، وما دام البرلمان والمجالس المنتخبة والأحزاب تعمل على نحو عادي، فالمؤسسة العسكرية تقوم بواجبها في حماية البلاد والعباد، بعيداً عن السياسة».
وبهذا الشأن تردّ المؤسسة العسكرية، بنبرة حادّة، عبر مجلة الجيش (لسان حال وزارة الدفاع الجزائريّة) أن لا علاقة للجيش بالسياسة، حيث قالت المجلّة: «إنّه بعد ربع قرن من اعتماد التعدديّة الحزبية، وانسحاب الجيش من الساحة السياسية نهائياً، فقد تفرّغ لبناء جيش عصري احترافي، يؤدّي مهماته الدستورية، مع الحرص الكامل على النأي بنفسه عن كافة الحساسيات والحسابات السياسية»، وأوضحت، المجلة، أنّ القيام بهذه المهمات يتطلب الالتزام بما يمليه الواجب والقانون بكلّ انضباط، «كما يستوجب الوعي بالمحافظة على صورة ومكانة الجيش، وعدم إقحامه في مسائل لا تعنيه»، مشدّدة على أنّ المهمات التي يضطلع بها الجيش هي «حماية الحدود، وحفظ السيادة الوطنية، وتوفير أسباب الأمن، وتدعيم الدفاع الوطني».
من جهته، رفض نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في كلمة ألقاها أمام قادة الجيش في الأكاديمية العسكرية، دعوة المعارضة المشاركة في ما سمته «الانتقال الديموقراطي».
وفي ظلّ الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، وتدهور أسعار النفط، الذي تعتمد عليه الجزائر بنسبة 98 بالمئة، وتوسّع دائرة الاحتجاجات الشعبية، والتهاب الأوضاع الأمنية على الحدود، واستمرار القبضة الحديدية بين السلطة والمعارضة من أجل إحداث التغيير، فإنّ المؤسّسة العسكرية تقف أمام واقع ملغوم، يجعلها تدخل، مكرهة، السياسة من بابها الواسع، باحثة عن توافق ينقذ الجزائر من مخالب فوضى تجنبتها في عزّ ما يسمى الثورات العربية، بعدما فشل السياسيون في الوصول إليه.