غزة | من بعيد، يبدو للناظر المعتاد على مشهد الميناء في غزة، وكأن قوس قزح مرّ من هنا ونسي او تناسى ان يأخذ ألوانه معه. تركها هنا، على الكتل الاسمنتية المحيطة بميناء غزة وكاسحات الموج، هكذا، تبدلت ألوانها الرمادية فجأة وأصبحت تغوي العين، المعتادة على المشهد الباطوني، وتفرح قلوب آلاف الزوار من الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.وبالطبع لا قوس القزح ترك الوانه ولا انفك الحصار، لكن كل ما في الامر ان حوالى خمسة وعشرين شاباً وشابة، من ابناء المكان، قرروا ان يحملوا الوانهم ويرسموا ويلونوا رغم كل شيء مدفوعين بمبادرة "مية همّة ولمّة".

بالولوج إلى الميناء الذي تزيد مساحته عن 48 ألف متر مربع، تجد تفسيراً حقيقياً لما قاله درويش في قصيدة ونحب الحياة "ََنَكْتُبُ أَسْمَاءَنَا حَجَراً"، حيث لونت الريشة الشابة ما يزيد عن 400 متر، هو طول السنسول، وحولته الى جدارية واحدة متواصلة تضج بالحياة.
تعددت مواضيع الرسوم ولو انها كلها تتمحور حول ما يشغل بال وقلب وعين ابن غزة. هكذا، تشتبك الألوان على الصخر في لوحات ملونة، منها ما يحكي عن الحرية، وأخرى عن صنوها فلسطين، وما بينهما من حب وحياة وسجن وقيود وابتسام رغم كل شيء... تحدياً.
وقد اتخذ الفنان الشاب محمد معمر جانباً من الصخر الذي عرته الرياح والمياه وطلاه بالأصفر مؤكداً أن هذه الخطوة هي محاولة من فناني فلسطين الشباب لتبديد وجه الميناء القاتم.
غاية هؤلاء الفنانين كما يقول معمر، هي الإشارة إلى أن الغزيين يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً، وأن يضفوا شيئاً من الوانها على المرافق الصامتة والحزينة بفعل الازمات الانسانية المتلاحقة التي يعانيها القطاع، وبسبب الحرب واغلاق المعابر وغياب فرص اعادة الاعمار.
بشيء من الفرحة تقول داليا عبد الرحمن، صاحبة مبادرة "مية همة ولمة"، وهي تنظر إلى الوجه الجديد للميناء من بعيد، "النشاط الذي قمنا بتنفيذه كان هدفه أن ينعكس الوجه المضيء إلى قطاع غزة المحاصر، واستطعنا أن نحوّل هذا المكان الذي يعد مرفأ مهماً بالنسبة إلى الغزيين كمتنفس إلى معلم بارز يظهر الجمال والحضارة، كمساهمة في التخفيف من معاناة الناس".
ويعد الميناء وجهاً من بين أوجه عدة في القطاع، يعكف الفنانون المشاركون في الحملة على تزيينه برعاية من مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ذلك أن هذه المبادرة ستطاول شوارع رئيسية ومفترقات عامة وستغير من معالمها، وفق داليا.
وترافق الانتهاء من تحسين مرفأ الصيادين الوحيد في غزة- والذي يعكف سياسيون على تحويله إلى ممر مائي، وتعترض اسرائيل- مع الإجازة النصفية لطلبة المدارس، الأمر الذي دفع بالأسر لاتخاذ جدار الميناء الملون خلفية لصور جرى التقاطها ونشرها عبر صفحات "فايسبوك".
تبتسم أماني جبريل، وهي أم اربعينية، وتقول إنها قصدت وصغيراتها الأربع ميناء غزة رغم برودة الجو القارسة، هرباً من العتمة الموحشة الناجمة عن تقليص ساعات التيار الكهربائي لأقل من ثمان ساعات في اليوم.
وتعبّر السيدة وهي ترتشف فنجان قهوتها قبل أن تسقط الشمس رأسها خلف الجدار الملون، عن بالغ سعادتها بالوجه الجديد للميناء الذي استهوى طفلاتها ودعاهن إلى التقاط الصور امامه.
تبتسم أماني وهي تقول: "كل شيء بات موحشاً في غزة خصوصاً بعد الحرب وازياد الحصار شدة، لهذا فإن الإقدام على تلوين الميناء وتحويله الى جدارية يشكل مصدر فرح بالنسبة لنا كأناس بسطاء، يفرحون ويحزنون لأي شيء ومن أي شيء".