القاهرة | لكونهم المصدر الأول لتدفق النقد الأجنبي، اهتم الدستور المصري ليس بتصويت المصريين في الخارج فحسب، وإنما بالنص على تمثيلهم في أول برلمان يعقد عقب إقراره. فوضعهم ضمن أحد النصوص الانتقالية التي يقتصر تطبيقها على البرلمان المقبل بتمثيل الفئات المهمشة، إلى جانب الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة، كما ألزم الدولة تمثيلهم تمثيلاً «ملائماً».
هذا كله ما ترجمه قانون مجلس النواب عملياً بوجود ثمانية ممثلين عن المصريين في الخارج ضمن المقاعد المئة والعشرين المخصصة للقوائم، على أن يكون لهم مطلق الحرية في الترشح على المقاعد الفردية، من دون أن يحدد الدستور وحتى قوانين الانتخابات المكملة آلية ترشّح هؤلاء، أو تنظيمهم للدعاية، وهل ستكون هذه الدعاية داخل مصر، أم في أماكن تغرّبهم؟ ولم يوضح أيضاً كيف سيحضرون جلسات البرلمان، وهل يقتصر دورهم على نقل مشكلات المصريين في الخارج إلى قبة البرلمان؟
وفق آخر إحصاء اعتمدت عليه الحكومة عند إعداد قوانين الانتخابات، فإن مغتربي المحروسة يتجاوز عددهم 10 ملايين مصري، وتعريف المغترب أنه كل من جعل إقامته العادية خارج مصر بصفة دائمة، إما بحصوله على إذن بالإقامة الدائمة في دولة أجنبية، أو بقي في الخارج مدة لا تقل عن عشر سنوات سابقة على تاريخ فتح باب الترشح، شرط أﻻ يكون قد حصل على أي جنسية أخرى بخلاف المصرية.
لا يمكن العلماء ممن حصلوا على جنسيتين الترشح لمجلس النواب

في هذا التعريف، يرى كثيرون أنه أزمة توضع إلى جانب أزمات أخرى، ومنهم نائب رئيس اتحاد المصريين في أوروبا، وﻻء مرسي، الذي يقول: «بينما حرص الدستور على تمثيل المصريين في الخارج، جاء قانون مجلس النواب ليسلبهم هذا الحق بالنص على حرمان مزدوجي الجنسية من الترشح»، مضيفاً: «يحدث ذلك رغم أن الدستور أعطى المصريين حق الترشح لأي منصب سياسي إلى درجة وزير، حتى لو كان المرشح يحمل جنسية غير المصرية، ولم يستثن مزدوجي الجنسية إلا من تولى منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء».
والمفارقة، طبقاً لمرسي، أن القانون يمكن المهاجرين غير الشرعيين من تمثيل المصريين في الخارج، لكنه «يسلب الحق نفسه عن العلماء والمتميزين من المصريين في دول أوروبا وأميركا وأوستراليا لتجنسهم بجنسيات تلك الدول».
من هنا ينطلق الرجل وآخرون ليقولوا إن الصيغة الحالية تخدم أعضاء الأحزاب المقيمين في الخارج، إلى جانب الموجودين في دول الخليج التي تتعامل بنظام الكفيل، إذ يتاح للمصري الوجود فيها لأكثر من 10 سنوات من دون منح جنسية ذلك البلد للمصري.
وعن سبب عدم الطعن في دستورية هذا القانون الخاص بمصريي الخارج، فإن نائب رئيس اتحاد المصريين في أوروبا يقول إنهم قرروا ألا يرفعوا أي دعاوى قضائية من شأنها أن تعطل استكمال بنود خريطة الطريق وانعقاد مجلس النواب المنتخب.
في المقابل، ترى مصادر قضائية أن تمثيل المصريين في الخارج، بهذه الآلية، سيكون أحد الكروت التي سيستخدمها الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في حال تشكيل مجلس نواب مناوئ لسياساته وقراراته، وخاصة أن الدستور يعطي المجلس صلاحيات تصل إلى سحب الثقة ليس من الحكومة فحسب، بل من رئيس الجمهورية. وتشرح المصادر لـ«الأخبار» أن الزج بدعوى قضائية ببطلان الانتخابات «لاستنادها إلى قانون مجلس النواب الذي يغفل تكافؤ الفرص بين المصريين في الخارج» بعرضها على المحكمة الدستورية، كفيل بإزاحة البرلمان.
تلك الرؤية لم ترُق أستاذ القانون الدستوري وأحد أعضاء لجنة الخبراء العشرة التي وضعت الخطوط العامة للدستور قبل أن تقرها لجنة الخمسين، ويدعى علي عبد العال، إذ قال إن المادة 244 من الدستور ألزمت الدولة تمثيل المصريين في الخارج بكوتة معينة ضمن مجلس النواب المقبل فقط، فيما «لم تحدد مفهوماً معيناً لهم، وأحالت إلى القانون مهمة وضع تعريف هؤلاء، لذلك تنتفي شبهة عدم الدستورية».
وأوضح عبد العال أن الدستور عُني بالمصريين في الخارج «وحرص على ربطهم بالوطن أسوة ببرلمانات الدول العربية»، مستشهداً بتجربة موريتانيا والجزائر، وذاكراً في الوقت نفسه أن المادة الخامسة من قانون مجلس النواب نصت على أن تتضمن كل قائمة انتخابية، مخصص لها 45 مقعداً بالبرلمان، ثلاثة مترشحين من المصريين في الخارج، وفي «القائمة المخصص لها 15 مقعداً سيكون هناك مترشح واحد مغترب».
وفي ظل وجود 120 مقعداً مقسمة إلى قائمتين كبيرتين كل واحدة منها 45 مقعداً إلى جانب قائمتين مجموعهما 30 مقعداً، تكون جملة الممثلين في الخارج تحت قبة البرلمان ثمانية أعضاء.
أما عن آلية الدعاية الانتخابية، فيشرح أستاذ القانون الدستوري قائلاً: «برغم أن القانون أحال إلى اللجنة العليا للانتخابات أمر وضع الضوابط الخاصة بآلية تنظيم الدعاية الانتخابية، فإنه في الوقت نفسه ألزم الأحزاب بإدراج المصريين في الخارج ضمن قوائمهم للانتخابات، ما يعني أن الأحزاب ملزمة بالدعاية لجميع مرشحيها للقوائم، ومن بينهم المغتربون».
إلى ذلك، رفضت التحالفات الانتخابية، التي تعمل الآن على إعداد القوائم استعداداً لفتح باب الترشح، الإفصاح عن هوية وآلية اختيار ممثلي الخارج في قوائمها.
أيضاً، أعلنت وزارة العدالة الانتقالية أنها بصدد إعداد مسودة للائحة الداخلية لمجلس النواب تحدد كيفية مشاركة الفئات التي نص الدستور على تمثيلها لأول مرة في تاريخ البرلمان المصري، وخاصة ذوي الإعاقة والمقيمين في الخارج، كي تعرضها على المجلس في أول انعقاد له.
ووفقاً لمدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، رامي محسن، فإن وضع آليات لحضور المقيمين في الخارج هي أحد التحديات التي تواجه المجلس المقبل، وخاصة أن اللائحة الداخلية الأخيرة للمجلس تنص على أنه في حال غياب العضو عن حضور 10 جلسات متواصلة أو 15 جلسة متقطعة، تسقط عضويته، فإذا كان محل إقامة العضو خارج البلاد، فكيف سيلزم بالحضور دوماً؟