في الوقت الذي تنتظر فيه إسرائيل، ومعها لبنان وسوريا والعالم العربي، مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعد يوم غد، تتوالى الرسائل الاسرائيلية، المتعددة القنوات، التي تحذر حزب الله من الرد على عدوان القنيطرة الذي أدى الى استشهاد كوكبة من مقاوميه وكوادره، الى جانب عميد في الحرس الثوري الإيراني.
بداية، لا بد من تسجيل ملاحظة أن قيادة المقاومة أثبتت مرة أخرى، من خلال تحديد موعد للإعلان عن موقفها بعد مضيّ 12 يوماً على العدوان، أنها تتخذ قراراتها ومواقفها بعقل بارد، وبعيداً عن الانفعال وضغط الصديق والعدو.
في محاولة لمقاربة بعيدة عن حكمة ما بعد الفعل، يحضر السؤال الآتي: ما دامت إسرائيل، باتفاق أغلب المراقبين والمحللين، ليست في وارد اتخاذ قرار بحرب شاملة في هذه المرحلة على الاقل، لماذا شنّت عدواناً دموياً صاخباً وبشكل مباشر ضد حزب الله (أي ليس عبر عملية أمنية) وفي منطقة الجولان تحديداً؟ تزداد أهمية التساؤل إذا ما استحضرنا حقيقة أنه مع كل قرار عملاني عدواني على طاولة صناعة القرار السياسي والأمني في تل أبيب، تحضر حسابات كلفة هذه الخطوة المطروحة. وبعبارة أخرى، ردّ الفعل المفترض من قبل الطرف المستهدف، وتحديداً عندما يتعلق الامر بحزب الله، انطلاقاً من التجارب الطويلة معه. وبالتالي ما هي الرهانات والتقديرات التي انطلق منها قادة العدو، وكيف يمكن تفسيرها بما يتلاءم مع فرضية عدم وجود إرادة سياسية، لحرب شاملة؟
الردّ وعدم
الردّ ليس لهما تأثير
في توقيت الحرب
وأسلوبها وحِدَّتها

حول نظرية الدفع نحو الحرب، ينبغي تأكيد حقيقة أن أي قرار إسرائيلي بشن حرب واسعة، بشكل ابتدائي، لا يحول دونه عدم رد حزب الله على هذا العدوان أو ذاك، وخاصة أن قراراً كهذا يُفترض أنه ينطلق من حسابات وتقديرات تتصل بتشخيص المصلحة وبموازين القوى والظروف الاقليمية والدولية، أضف إلى أن لدى إسرائيل الكثير من المبررات التي يمكن أن تتذرع بها لتوجيه ضربة هنا وأخرى هناك، وسنجد الكثيرين في العالمين العربي والغربي من يضع حزب الله في موقع المتهم.
مع ذلك، لا يعني ما تقدم أن الرد وعدم الرد ليس لهما تأثير على توقيت الحرب وأسلوبها وحِدَّتِها في مطلق الظروف. بل إن أثر الرد قد يؤدي الى التدحرج نحو تبادل الضربات وصولاً الى اتساع نطاق المواجهة بقدر معين. في المقابل، قد يدفع عدم الرد أيضاً العدو الى فرض معادلات يُطوِّر فيها اعتداءاته كمّاً ونوعاً وساحة. وهكذا نكون أمام معادلة أن عدم الرد تسبب بتدحرج من نوع آخر. وقد يكون أشد خطورة. الى جانب ما تقدم، ينبغي تسجيل حقيقة، أنه في حال كان طرفا المواجهة والصراع لا يريدان حرباً شاملة، ابتداءً أو تحت وقع الاحداث، ما يحدث عادة أن التطورات الميدانية تتصاعد نحو سقف ما، ثم تنحدر. وكما يُقال، فإن الهدوء والاستقرار يحتاجان الى إرادة طرفي الصراع، بينما قرار المواجهة والحرب لا يحتاج سوى الى قرار أحد الطرفين كي يفرضها على الآخر.
لكن ماذا عن حسابات قيادة العدو عن مرحلة ما بعد الضربة؟
استناداً الى الرؤية الإسرائيلية للساحة السورية، وما تقدّره من تهديدات وفرص، ترجمتها في مراحل سابقة عبر اعتداءات متكررة وفي فترات ومناطق متعددة، يبدو أن نقطة الارتكاز الاساسية التي يستند اليها العدو هي الرهان على انشغال حزب الله، ومعه الجيش السوري، في مواجهة الجماعات المسلحة، إضافة الى تمدد هذا الخطر الى الساحة اللبنانية. ويفترض العدو معه أنه ليس من مصلحة حزب الله الرد على اعتداءات إسرائيلية «محدودة»، حتى وإن كانت صاخبة ومؤلمة. ففي الوقت الذي يدرك فيه العدو حجم قدرات حزب الله، يبدو أنه يراهن على القيود التي قد تكون فرضتها تطورات الميدان في سوريا والعراق ولبنان على صانع القرار في حزب الله.
وبناءً على ذلك، هدف العدو الى وضع حزب الله بين خيارين: إما الانكفاء والامتناع عن الرد أو الذهاب في سيناريو الرد والرد المضاد بما يؤدي الى تغيير موازين القوى على الساحة السورية، لمصلحة الجماعات المسلحة، وتهدد بقاء النظام في دمشق، وهو ما صدر أكثر من مرة على لسان القادة الإسرائيليين، وأخيراً على لسان وزير الأمن موشيه يعلون.
وفي ما يتعلق بتعمّد قتل كل من كان في موكب حزب الله، بقدر ما يمكن أن تشكل دموية الحدث دافعاً للرد، لكن يبدو أن العدو أراد من خلالها إيصال رسالة يُظهر فيها جديته وتصميمه على الذهاب بعيداً في سيناريو الرد والرد المضاد. وإلا فإن الاكتفاء بتوجيه رسالة لا يتطلب هذا الحجم من العدوان. وبالتالي، هدف العدو من وراء ذلك إلى تعزيز «مردوعية» حزب الله في الرد على العدوان، ودفعه الى تبنّي الخيار الاول: الامتناع عن الرد.
ولجهة الإرباك الذي شهدته الساحة الاسرائيلية بعد عدوان القنيطرة، بدا أن العدو كان يراهن على أن يؤدي اتباع ما يسمى في الساحة الاسرائيلية «مجال الارباك» إلى فسح المجال أمام حزب الله لاحتواء الموقف بشكل أو بآخر. لكن ردّ الفعل السياسي والاجواء التي واكبت تشييع الشهداء، أسقطا رهان العدو على أن الاحداث قد تكون اتجهت في المسار غير الذي كان يرجحه. أيضاً، الامر نفسه ينسحب على رسائل التهدئة التي وجهها عبر قنوات متعددة، لكن يبدو أن تقديرات العدو رأت أن هذه المحاولات فشلت، وهو ما دفعه أخيراً الى التحذير على ألسنة نتنياهو ويعلون وغانتس... وعبر تقارير إعلامية عن حشود العدو على الجبهة الشمالية.