القاهرة | رغم أن أول من أمس (الأحد) ليس هو يوم الحشد الأضخم للحراك المناهض للنظام المصري الجديد كيوم 30 آب 2013، ورغم أنه ليس الأكثر دموية وعنفاً كنظيره في 2014، ومع أنه الأقل تسجيلاً لحالات الاعتقال على أيدي قوات الأمن للمتظاهرين في الأيام الحاشدة، ورغم أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على أن المسار الجديد «مسار حقيقي منهجي»... فإنه يمكن القول بثقة، إن ثمة شيئاً ما تغير في تظاهرات الإسلاميين وحلفائهم.
خلافاً للهبوط المستمر في ضعف قدرة الإسلاميين على الحشد، وروتين تظاهراتهم الممتدة لأكثر من عام ونصف، اعتاد المصريون فيها تآكل حجم تظاهرات الإسلاميين في الشوارع والميادين في الأيام التي يدعو فيها الإسلاميون وحدهم إلى فعاليات، تشهد الطرقات حركات احتجاجية، ولو بسيطة، في أيام ذكرى الأحداث، التي تدعو القوى الثورية المختلفة إلى تظاهرات خلالها لإعلان احتجاجها على تعاطي الدولة مع قضايا الحريات والحبس الاحتياطي وقانون التظاهر وإجراءات عسكرة المؤسسات.... وهي المطالب التي يرفعها «الإخوان»، فضلاً عن مطلبهم الأساسي بعودة الرئيس المعزول، محمد مرسي، إلى الحكم، وإسقاط نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كشف مصدر إخواني أن اتصالات الغرب مع الجماعة عادت إلى مستويات متقدمة

وخلافاً لما يروجه قطبا دائرة الرحى في مصر ممثلين في «الإخوان»، الذين يصرون على نسب كل الحشود على أنها متعاطفة معهم ومؤيدة لهم، والبيانات الرسمية للحكومة المصرية التي تحرص على وصف أي حراك في الشارع بأنه حراك إخواني يطالب بعودة مرسي، جاء يوم «25 يناير» هذا العام، ليدخل قطاعات جديدة في قلب الحراك الرافض للسيسي ونظامه.
القطاعات الجديدة لا يمكن القول، بحال من الأحوال، إنها تتفق مع أهداف «الإخوان» في عودة «الشرعية» واستعادة رئيسها المعزول كرسي الرئاسية، لكن يمكن فهم أن دائرة خصوم النظام تتوسع.
دخول قطاعات جديدة يمكن استنتاجه بسهولة، بفرز نوعي للقتلى والمصابين وبينهم أطفال وأقباط وعازف موسيقى لإحدى فرق «المهرجانات» التي تقدم نوعاً من الموسيقى الشعبية جداً، واسعة الانتشار في أوساط العامة، إذ لا يمكن الحكم إجمالاً على كل هؤلاء بأنهم راغبون في عودة مرسي، لكنهم بكل تأكيد رافضون لحكم السيسي، وهو أمر يبدو أن الجماعة التقطته فتراجعت شعاراتها الخاصة بها كشارات رابعة وصور الرئيس المعزول مرسي، رغبة منها في توسعة الحراك.
بالتوازي مع أن حجم الحراك لم يكن كبيراً، فإن دخول عدد من الظواهر الجديدة عليه تكشف وجود متغيرات على أرض الواقع أو في داخل جماعة الإخوان المسلمين، فمسار الأحداث أمس وعمليات المجهولين التي بدأت مبكراً واستمرت طوال اليوم، يكشف أن الجماعة اعتمدت بوضوح خيار المواجهة المفتوحة مع السلطات المصرية «كخيار استراتيجي ومسار ثوري لإسقاط الانقلاب» وفق ما ورد في بيان رسمي لها.
من الصعب فهم التغير النوعي في ما حدث على الأرض أمس، بالبعد عن المظاهرات الحاشدة في أماكن محددة، ونقل التظاهرات إلى أماكن شعبية تمثل بطبيعتها حاضنة شعبية ضد أي سلطة، وهو أمر لا تستطيع معه قوات الأمن السيطرة عليها بسهولة، والبدء في اشتباكات «مسلحة» أحياناً بين الطرفين، مع استمرار عمليات «المجهولين» وتنوعها في طول البلاد وعرضها دون التأكيد أن هناك قراراً مركزياً إخوانياً بإدارة هذه العمليات، أو على الأقل، غض الطرف عنها تنظيمياً، أملاً في الحصول على مكاسب من ورائها، تعيد الجماعة مرة أخرى إلى دائرة الضوء، وهو مسعى يبدو أنها نجحت فيه.
تغير موقف الجماعة الصارم والرافض تماماً لأي عمليات «عنف منهجية ضد السلطة» على مدار عام ونصف، اتبعت فيها الجماعة أسلوب جلسات توضيح الرؤية، وهي لقاءات طارئة غير دورية تعقدها الإخوان في الملمات الكبرى التي تنزل بها، لنقل وجهة نظر القيادات إلى القواعد مشددة على انتهاج السلمية وحرمة الدم المسلم والتخويف من السيناريو السوري، يمكن فهمه في إطار تصريحات قيادي إخواني في الداخل لـ«الأخبار» بأن الجماعة واجهت خطراً وجودياً بالصعود المتأني لنجم «الدواعش» في ظل تمسك الجماعة بالسلمية، وبناءً عليه، إن وجود عمليات عنف تنسب إلى الجماعة أسهم في تسكين وتهدئة غضب قطاعات واسعة داخل الصفوف.
واعترف المصدر الذي حرص على التشديد على مصطلح «عمليات تُنسَب إلى الجماعة» بأن الإخوان في مأزق، وأن السؤال الآن هو كيف يُضبَط مسار الأحداث، وكيف يُكبَح جماح هذه التنظيمات، حتى لا يطغى الأمني على السياسي وتصبح الجماعة في الأخير رهينة قرارات «تنظيمات الانتقام»، خصوصاً أن أحد أهدافها من السكوت عن عمليات المجهولين هو العودة إلى صدارة المشهد مرة أخرى وإبراق رسالة للقوى المختلفة أن الضغط عليها أكثر من ذلك سيؤدي إلى الانفجار.
مصدر إخواني في تركيا نقل لـ«الأخبار» عن قيادي في الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي للجماعة، أن الاتصالات مع الغرب كانت في مستوياتها الأدنى خلال المدة الماضية، لكنها عادت إلى مستويات متقدمة بالتوازي مع عمليات التصعيد من المجهولين، وبدأت قبل أسبوع من «25 يناير»، ووصلت إلى ذروتها أمس.
أيضاً من الظواهر البارزة في أحداث الأحد الماضي، تراجع «المواطنين الشرفاء» وهو لفظ أطلقه المجلس العسكري الذي حكم البلاد عقب تنحي مبارك على «البلطجية» الذين كانوا يتصدون للمتظاهرين المناوئين للمجلس آنذاك، وزاد حضورهم مدفوعين بالشحن الإعلامي والهيستيريا الوطنية خلال العام ونصف الماضيين، وصولاً إلى تورط بعضهم في عمليات قتل مباشر للمتظاهرين المؤيدين لـ«الإخوان». لكن، وفق مصدر إخواني معني بالحراك، فإنهم يستهدفون استخدام «جرعة عنف» تجبرهم على العودة إلى مقاعد المتفرجين، وتأكيد أن تصديهم للتظاهرات لن يمر دون عقاب، وهو يتوافق مع أخبار الاعتداءات على ممتلكات ومنازل وسيارات بعض من تتهمهم الجماعة وأنصارها بالبلطجة.