يسير اليمن بخطى متسارعة نحو الفوضى المفتوحة على المجهول، في ظلّ جمود الأزمة السياسية الناجمة عن استقالة الرئيس، عبدربه منصور هادي، وحكومة خالد بحاح، يضاف إليهما غليان الجنوب اليمني، إذ أعلنت «اللجان الشعبية» (التابعة لهادي)، أول من أمس، انفصال الجنوب، لكن الإعلان يبقى غير مؤثر، في وقتٍ لا تزال فيه المكونات الجنوبية غير متوافقة على آليات عملها لبتّ مستقبل القسم المنفصل.في هذا الظرف البالغ الدقة، جاء إعلان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، استمرار «الاستراتيجة الأميركية لمكافحة الإرهاب» في اليمن على حالها، مقابل إشارات أميركية إلى بناء قوات أمن يمنية، لمكافحة تنظيم «القاعدة في اليمن».

وفيما أعلنت «اللجان الشعبية» التابعة للرئيس هادي، انفصال الجنوب عن الدولة المركزية، قالت مصادر من «الحراك الجنوبي» في حديثٍ لـ«الأخبار» إنه لا يوجد حالياً خيار جادّ لإعلان الانفصال، وإن الأولوية، الآن، لترتيب البيت الجنوبي الداخلي.
وعقدت، أمس، مكونات جنوبية لقاء لاختيار قيادة موحدة، وهي مشكلة يعانيها الحراك منذ مدة طويلة، إذ لم يتمكن بعد من إيجاد كيان موحد، يحمل مطالب الجنوبيين، في ظلّ تشتت القوى هناك بين ولاءات عديدة، ما أوصل المحافظات الجنوبية إلى إعلان انفصال غير رسمي، ومن جانب واحد.
الإعلان، إذاً، غير رسمي، ولا يؤخذ به برغم مواصلة «اللجان الشعبية» حركتها للسيطرة على مراكز أمنية في محافظات عدن، وشبوة، وحضرموت. ويُعتقد أن هذه اللجان التابعة للرئيس هادي، ابن الجنوب، اختارت هذا التوقيت تحديداً، كرد فعل على استقالة الرجل، وللضغط على أطراف سياسية معينة، وفي مقدمتها جماعة «أنصار الله» (الحوثيون).
على المستوى السياسي، وللمرة الثانية خلال يومين، أجّل البرلمان جلسته المخصصة للبحث في استقالة الرئيس هادي، مبرراً ذلك بـ«تسنّي إبلاغ كل الأعضاء الحضور»، لكن الحجة بدت واهية في نظر بعض الجهات، التي أشارت إلى أسباب أكثر أهمية تعرقل انعقاد الجلسة. أهم تلك الأسباب، الإشكالية في شرعية مجلس النواب اليمني، الذي يعد من أطول برلمانات العالم عمراً، إذ مضى على آخر انتخابات نيابية نحو 12 عاماً، شهدت تمديداً له، حتى جاءت المبادرة الخليجية عام 2011، لتنصّ على التمديد للبرلمان مجدداً، على أن تكون القرارات فيه خاضعة للتوافق وليس للأغلبية.
واشنطن: نعمل مع اليمنيين على بناء قوات أمن تقاتل «القاعدة»

كذلك، يميل الواقع السياسي في اليمن، وفقاً لتجارب سابقة، إلى التوافق بين القوى على حلول مقبولة لدى الجميع خارج البرلمان، وما دامت الكتل النيابية غير متفقة على رؤية محددة للخروج من الأزمة، فإن الجلسة لن تُعقد، وخصوصاً في ظلّ مقاطعة الكتلة البرلمانية الجنوبية (36 نائباً)، ما يعني أن صدور أي قرار عن الجلسة لن يتمتع بشرعية، بسبب عدم اعتراف مقاطعي الجلسة.
يشار إلى أن رئيس مجلس النواب، يحيى علي الراعي، قد دعا عقب استقالة هادي، ليل الخميس الماضي، إلى عقد جلسةٍ طارئة للبحث في قبول الاستقالة، أو رفضها. كذلك، قالت مصادر سياسية إن لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، مع ممثلي المكونات السياسية اليمنية، «أخفق» بسبب عدم حضور ممثل جماعة «أنصار الله». وكان مقررا أن يجتمع بن عمر والأحزاب السياسية، من تحالف أحزاب «اللقاء المشترك» وحزب «المؤتمر الشعبي العام»، لمناقشة حالة الفراغ الدستوري.
من جهةٍ أخرى، تبدي واشنطن اهتماماً كبيراً بالتطورات الأخيرة، وسط حديثٍ عن تأثير احتمالات الفراغ والفوضى في «الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب» في اليمن. من هنا أكد باراك أوباما، أمس، أن الحرب على تنظيم «القاعدة» تبقى «أولوية للولايات المتحدة رغم الفوضى السائدة في هذا البلد». وقال أوباما، في مؤتمر صحافي في العاصمة الهندية نيودلهي، إنني «قرأت مقالات تفيد بأن أنشطتنا في مكافحة الإرهاب جرى تعليقها، وهذا غير صحيح»، مؤكداً «مواصلة ضرب أهداف مهمة داخل اليمن».
كلام أوباما، والتقارير التي عرضت لإمكانية تأثر الحرب على «القاعدة»، تأتي بعد عودة هذا التنظيم إلى الحديث الدولي مجدداً، عقب إعلانه تبنّي الهجوم الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية قبل أسبوعين.
وبالنسبة إلى العملية السياسية في البلاد، قال أوباما إن الحكومة اليمنية كانت دوماً «مركزية هشة»، داعياً الأطراف المعنية إلى «احترام العملية الدستورية»، و«اللجوء إلى وسائل سياسية بدلاً من العسكرية لحلّ خلافاتها». وفي معرض طمأنته إلى أن التطورات في اليمن «شبه طبيعية»، أشار الرئيس الأميركي إلى أن «اليمن لم يكن على الإطلاق (دولة) ديموقراطية تامة أو جزيرة استقرار»، مضيفاً أن «مكافحة الإرهاب يجب أن تجري في دول مضطربة أساساً».
في السياق نفسه، قال رئيس موظفي البيت الأبيض، دنيس ماكدونو، إن «المسلحين الإسلاميين المتشددين يمكن أن ينشطوا، حيث يوجد فراغ في السلطة السياسية». وفي إشارةٍ إلى مسألة بناء قوات أمن يمنية، المدرجة في الاستراتيجية الأميركية «لمحاربة الارهاب» هناك، قال ماكوندو، في برنامج «ميت ذا برس» على شبكة «إن بي سي» الأميركية، إنه «علينا أن نتأكد من أننا نطور المؤسسات ونعمل مع اليمنيين حتى نبني قوات أمن يمكن أن تتولى القتال ضد تنظيم القاعدة في اليمن وغيرها من الجماعات المرتبطة به».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول، رويترز)