القاهرة | "عودوا إلى مقاعدكم" الجملة التي قالها قاضي محاكمة حسني مبارك، المستشار محمود الرشيدي، أثناء تلاوته أحكام البراءة للرئيس المخلوع ونجليه ووزير داخليته وكبار قيادات الوزارة في قضية قتل المتظاهرين. الجملة نفسها أضحت الأكثر حضوراً في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. لم يكن القاضي يدرك أن هذه الجملة تنسحب على الثوار أيضاً، إذ عادوا إلى مقاعدهم أيضاً التي دوماً جلسوا عليها قبل الثورة على نظام مبارك في يناير 2011، وتحديداً إلى زنازين النظام الذي تثبت الأيام أنه لم يسقط بعد... حتى في الزمن الذي حكم فيه الإخوان المسلمون.

المشهد الثوري انقلب؛ فمبارك ورجاله سيعودون إلى منتجعاتهم وقصورهم، ولم يبق من الجدل في القضية سوى تسريب خبر خروج جمال وعلاء (مبارك) من السجن، فجر أمس، بعدما تمت تبرئتهما من قضية القصور الرئاسية قبل أيام، حتى عاد محامي العائلة، فريد الديب، ليؤكد أنهما لا يزالان في سجن طرة.
وفيما يستعد رؤوس النظام المخلوع للخروج، لا يعلم مئات الناشطين مصيرهم، وهم سجنوا لما كان لهم من دور بارز في كل مشاهد الثورة، وبالتسمية الرسمية فهم محبوسون على ذمة قضايا تجمهر، أو قطع طريق، أو اعتداء على رجال الأمن، وقد ينتظر بعضهم في هذه الذكرى أن يتكرم الرئيس عبدالفتاح السيسي ويصدر عفواً عن «جرمهم» بالتظاهر. حتى هذا الإعفاء أتي في سياق التمهيد عن الإفراج عن ثلاثة من مجموعة صحافيين من قناة "الجزيرة" القطرية، وقد أعلن «إعداد قائمة بعدد من المعتقلين الذين لم يتورطوا في أحداث تضر بالبلاد».
ولا يعلم أي مركز حقوقي عدد وحالة المعتقلين السياسيين الذين يخوض عدد كبير منهم إضراباً عن الطعام، فكلمة ثوار تعتبر «مطاطة» في مصر، إذ يعتبر الإخوان معتقليهم ثواراً، وحركة «6 إبريل» تطلق الوصف نفسه على التابعين لها في السجون، وكذلك الاشتراكيون الثوريون وحزب «الدستور» و«التحالف الشعبي الاشتراكي»، إضافة إلى مئات لا تعرف انتماءاتهم السياسية وقبض عليهم في أحداث مختلفة.
من بين «الثوار» شاب يدعى محمد عراقي قبض عليه في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، بتهمة الاعتداء على رجال الأمن في مظاهرة ضد حكم "الإخوان"، ورغم سقوط نظام الجماعة فإن عراقي لا يزال محبوساً، ومثله كثيرون متهمون في قضايا يصفونها بأنها «غير منطقية»، ولكل واحد منهم حكاية توجع قلوب ذويهم.
يقول القيادي في «التحالف الشعبي الاشتراكي»، خالد عبدالحميد، إن الذكرى الرابعة للثورة تأتي «فيما الثورة المضادة تحكم البلاد، فقد عادت وزارة الداخلية إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير، وهي تسجن الشباب عشوائياً وتعذبهم تحت ستار مكافحة الإرهاب». ويشير عبدالحميد إلى أنه «في الوقت الذي يطلق فيه سراح مبارك ونجليه، ويعلن النائب العام أنه لن يطعن في قرار إطلاق سراحهم، تتغاضى النيابة العامة عن امتناع الداخلية عن عرض آلاف المقبوض عليهم على قاضي التحقيق، فيبقون معتقلين لشهور من دون عرضهم على النيابة العامة».
وتقول مصادر متعددة إن التهمة الموجهة إلى غالبية المعتقلين هي «الاشتراك في مظاهرة من دون تصريح»، بناءً على القانون الصادر في عهد الرئيس السابق (المؤقت)، عدلي منصور، علماً بأن حملة الاعتقالات كانت قد اشتدت منذ الذكرى الثالثة لثورة يناير (العام الماضي)، حينما شنّت الداخلية حملة واسعة.
ورغم أن النائب العام، المستشار هشام بركات، أعلن، قبل أيام من حلول الذكرى الرابعة، الإفراج عن 100 طالب من المتهمين في أحداث العنف والتظاهر تحت مبرر «الحرص على مستقبلهم التعليمي»، فإنه لم يذكر العدد الإجمالي للطلبة المحبوسين على ذمة قانون التظاهر، أو أسباب إخلاء سبيل المئة المفرج عنهم. لكن بركات حرص على أن يضمّن في قراره تأكيد أنه جاء استجابة للتظلمات المقدمة من أسر المتهمين الصادر بحقهم قرارات بالحبس الاحتياطي.
وإذا كان النائب العام هو المختص الوحيد بالإفراج عن المتهمين، قبل صدور أحكام قضائية بإدانتهم، فإن رئيس الجمهورية (وفقاً للمادة 155 من الدستور) له حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، وهذا ما جعل المجلس القومي لحقوق الإنسان، في مصر، يقدم إلى السيسي طلباً بالعفو عن 206 صدرت ضدهم أحكام بالسجن.
ووفق عضو المجلس، حافظ أبو سعدة، يجب على النظام الحالي «أن يزيل الاحتقان بينه وبين الشباب المحسوبين على ثورة يناير، كما على الرئيس أن يسارع إلى إلغاء قانون التظاهر، أو حتى تعديله ليتفق مع الدستور في مصر وكل دول العالم، إذ يجب أن يكون التظاهر بالإخطار ولا يشترط موافقة وزارة الداخلية». واستغرب أبو سعدة «كيفية تعامل النظام مع الشباب الذين يؤمنون بالسلمية والعمل المدني بهذا النهج»، لافتاً إلى أنهم تقدموا إلى السيسي بعدة طلبات لاستخدام صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، وخاصة «العفو عن المتهمين في أحداث الاتحادية، وهو الأمر الذي لم يبتّ فيه حتى الآن».
الأحزاب والقوى السياسية أعدّت بدورها قوائم لشبابها خلف القضبان على أمل أن يشملهم قرار العفو، إذ يؤكد المتحدث باسم حزب «الدستور»، خالد داود، أن الحزب طالب الرئيس مراراً بالإفراج عن كل الشباب غير المنتمين إلى جماعة الإخوان والمحبوسين بسبب هذا القانون الذي يفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن خمس سنوات. وقال داود: «الحزب أعدّ قائمة تضم عدداً من الشباب والفتيات من أعضاء الدستور وسجنوا في قضايا الاتحادية وأحداث مجلس الشورى، والتظاهر أمام جامعتي القاهرة والأزهر». أيضاً، يقول المتحدث إن الأحزاب تعول على البرلمان المقبل (المقرر انعقاده في حزيران المقبل على أقصى تقدير) لإلغاء قانون التظاهر والعفو عن كل المحبوسين بموجبه.
وكان «الدستور» وأحزاب ليبرالية أخرى قد تقدمت ببلاغات جديدة ضد حسني مبارك، قبل أسبوع، ويتعلق أحدها باعتداء مؤيديه على المحتجين المناهضين له في ما عرف إعلامياً بـ«موقعة الجمل»، مع أن المحكمة التي رأسها محمود الرشيدي قضت بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضد مبارك في إعادة محاكمته في قضية قتل أخرى.