من أسخف ما ابتدعه أفراد حاشية الملك السعودي الراحل عبدالله، اختراعهم احتفالية سنوية لم يعهدها الناس في البلد من قبل، سمّوها «ذكرى تجديد البيعة لخادم الحرمين الشريفين». لكنّ يوم هذا العيد الجديد جعل يتمطط حتى صار يستغرق أياماً وليالي. وأمّا أشكاله فتطورت، وأخذت تتخلله مهرجانات دينية وإعلامية وغنائية وشعرية... وكلها طبعاً تسبِّحُ بحمد أبي متعب، وتمجّد حكمته، وتتبارى في تعداد مناقبه ومواهبه. ثمّ إنّ النفاق في السعودية لم يلبث حتى شق له أنفاقاً جديدة وسككاً ومتحلقات، فصار الناس يرون عجباً! وكلما اقترب موسم الاحتفالية السنوية، ينبري رجال مأجورون ليطلقوا حملات في مواقع التواصل الاجتماعي تحث الرعيّة على تجديد البيعة والولاء لراعيها، وتدعوهم إلى كتابة تعليقاتٍ أو تغريداتٍ أو منشوراتٍ تمدحه وتؤيده وتزكّيه. (أطلق الناس على أولئك المأجورين، وأغلبهم من صغار المخبرين في الأجهزة السعودية، لقباً ساخراً هازئاً، فسمّوهم «البيض»).

منذ عامين حاول «البيض» إطلاق حملتهم السنوية لإحياء الذكرى السابعة لتولّي عبدالله المُلك. فساقوا هذا الهاشتاغ: (#أبو_متعب_نجدد_لك_الولاء). لكنّ المغرّدين السعوديين تلقفوا تلك الفرصة لكي يسخروا من العاهل شبه الأمّي، وليسيطروا على الحملة الدعائية الملكية، بتعليقات لاذعة، مثل:
-أبو متعب نجدد لك الولاء؛ بشرط: تتعلم القراءة والكتابة، ولا تعد إلى تسمية (تويتر) بـ(تتر).
-لو أبو متعب استثمر السبع سنوات ذي، وكمّل دراسته، مش كان خلـَّص المرحلة الابتدائية ع الأقل؟!
-(أبو متعب نجدد لك الولاء؟) بس مين «ولاء»؟!.. بنتك؟
-من عيوننا نجدد لك الولاء.. هات 100 ريال، طال عمرك، رسوم التجديد.
-لا والله.. ما أجدد لك الولاء إلاّ إذا أعطيتني سطل نفط.
-طيب، ليه ما نجدد له البراء؟
-السؤال: (هل نجدد لك الولاء؟) ـ ممكن الاتصال بصديق؟
- استشرت ابنتي. وقالت: إذا فيه إجازة، جدّد يا بابا.
- يقولون اللي ما يجدد راح يموت ميتة جاهلية! لكن اللي يجدد ترى يعيش بجاهلية، ويموت في جاهلية!
-اللهم إني أستغفرك عدد الريالات التي سرقها آل سعود!
-لتجديد البيعه يلزم التالي: النفث كل صباح ثلاث مرات على الخوارج والروافض والمرجفين، ثمّ رقص العرضة النجدية لمن استطاع.
-السبع العجاف من حكمك لا يبدو أنه سيتبعها سبع سمان، إلا إذا رحلتم وإخوانكم وعشيرتكم...
-بتحطو نفسكو في مواقف بايخة!!!

أيّوب ونوح

من العجيب أن قد نبتت لعبدالله من بعد موته كل تلك الخصال التي تصدح بها اليومَ وسائلُ الإعلام السعودية. فلم يكن أحدٌ يَعرفُ للرجل مزايا أو مناقب أو براعات أيام كان شاباً ولا أيام أصبح كهلاً، أو حينما عُيّن وليَّ عهد، أو حين أشرف على الدولة بعد إصابة الملك فهد بجلطة دماغية في كانون الثاني 1996، أقعدته جسدياً وقضت عليه عقلياً.. بل إنّ عبدالله ظلّ دوماً محل استهزاء إخوانه، لا سيّما «عصابة السديريين» منهم، لأجل ما دأب على إظهاره من خنوع وخضوع وبلادة. وأمّا بعدما تولى عبدالله الحكم إثر موت فهد في الأول من آب 2005، فإنه لم يخالف في بادئ عهده عادته في التقوقع والحذر المفرط، حتى تحقق له جليّاً من بعد وفاة وليّي عهده النافذين سلطان ونايف، أنّ أنجم منافسيه قد أفلت. فإذاك خلع عنه التردد والتمهل، وشرع يسارع في مسعاه لتوريث مقاليد المُلك لابنه متعب من بعده.
مسؤول أميركي مستهزئاً: خيولك وصقورك ليس لديهم محامون إذا انكشف الأمر

ولقد بقي عبد الله منتظراً مجيء فرصته تلك في الحكم زهاء أربعين عاماً. وإنه خلال كل تلك المدة الطويلة، ظلّ متوكلاً على أمنيات تتذرّع بالصبر، منذ أن ولّاه أخوه سعود في سنة 1963 رئاسة الحرس الوطني. لكنّ زمن فهد الحاكم بأمره استطال عشرين عاماً.. ثمّ إنّ زمن فهد العليل الذي لا يموت استمرّ عشر سنين أخرى؛ حتى لقد بدا أنّ ذلك العصر لا تلوح له تباشير نهاية! وطال الاصطبار على عبدالله كثيراً حتى كادت تنطفئ فيه جذوة الأماني. في تلك الأيام انتشرت نكتة بين السعوديين تزعم أن الأمير عبدالله ملّ انتظار موت الملك فهد الذي لا يموت. ووصل الحنق بولي العهد السعودي حدّ أن عاف اسمه أيضاً، ففكّر في تبديله. ولقد هداه رأيه إلى أن يختار لنفسه اسم أيوب، علّ نبيّ الصبر يعينه على مزيد من التحمّل والجَلد. ولكنّ عبدالله وهو يلج إلى الإدارة المسؤولة عن تغيير الأسماء، فوجئ بالملك فهد على كرسيه المدولب يخرج من أحد المكاتب. فسأله عبدالله مستغرباً عن سبب مجيئه إلى هنا. ولقد ضحك فهد، وأجاب أخاه: «والله، طال عمرك، أنا جئت لأغيّر اسمي إلى نوح».
كان فهد هو لعنة عبدالله! فبإضافة إلى أنّ الملك الراحل دأب على تهميش دور وليّ عهده في الحياة السياسية السعودية تماماً، فإنه لم يتوان أيضاً عن تدبير كل ما يلزم لـ«تطفيشه»، أو لجعله يستقيل طوعاً من منصبه. وكان فهد يحبّ أن يورث العرشَ لأحد أبنائه، لا لأحد إخوته. وودّ لو أنّ ابنه الأصغر المدلل عبدالعزيز هو من يرثه. وإنّ فهداً سعى حقاً في أن يجعل منصب ولاية العهد خاضعاً لمشيئته، وليس مفروضاً عليه بحكم التراتب والتسلسل العمري لأبناء أبيه. وحينما قرّر الملك الراحل في 3 كانون الثاني 1992 أن يجعل لمملكته دستوراً سمّاه النظام الأساسي للحكم، فإنه دسّ في المادة الخامسة من الباب الثاني (البند ج) هذه العبارة: «المَلك هو من يختار ولي العهد ويعفيه، بأمر ملكي». ولقد رضي «السديريون» بهذه المادة، حينما أعلم فهد شقيقه الأمير سلطان بأنه إنما يبتغي بما صنعه إزاحة نائبه الأول عبدالله عن الطريق إلى العرش، لإفساح ولاية العهد له هو، باعتباره النائب الثاني.
والحقيقة أنّ فهد كان يكيد لغاية أخرى؛ ذلك أنه أخذ يسعى لمعرفة رأي الحلفاء في واشنطن في ما يشتهيه من تبديل لتوارث المُلك في السعودية عمودياً بين الأبناء، بعد أن استمر أفقياً بين الإخوة. ولكنّ الأميركيين رغبوا عن تزيين الفكرة لفهد، فانكفأ مؤقتاً عن مساعيه إلى أن تحين له فرصة أخرى أفضل. ثمّ إنّ خبر المَلك فهد ما لبث حتى فاح في واشنطن، وبلغ إلى أذن بندر بن سلطان سفير المملكة هناك. وسريعاً ما نبّه الولد أباه إلى مكائد عمّه. وكذلك انتهى فهد عن مساعيه، واستقرّت الحال على ما كانت عليه دون مغامرات تبديل، فبقي عبدالله في مركزه. وكان ذلك حظاً لم يَسْعَ الرجل فيه، ردّ عنه كيداً لم يكن بمستطاعه أن يتوَقى منه!
على أنّ الملك فهد ما لبث حتى تناوبت عليه سلسلة من الجلطات. وكان طبيعياً أن تتناوب عليه الأمراض؛ فهو كان حياته كلها، يأكل ويشرب بأكثر مما يجب لمعدةٍ، ويدخن بأكثر مما ينبغي لرئتين وقلب. وإنّ أطباءه طالما نصحوه بأن يقلل من هذه الأمور، فلم يأبه ولم يبال.. حتى جاءته الجلطاتُ، في آخر عمره، تترى! ولكنّ الملك فهد استطاع في بادئ الأمر أن يفلت بأعجوبة من عوارض تبعاتها وارتداداتها الأولية، حتى لقد سُمِّيَ الرجل في بداية التسعينيات من القرن الماضي، «قاهرَ الجلطات». ومن النكت التي كان يتناقلها السعوديون عن فهد، أنّه كان مرّة على مأدبة غداء فدخل في نوبة صمت مفاجئة، ثمّ شحب لونه، وانفرجت حدقتا عينيه أكثر من العادة. لكنّ المَلك ما لبث أن انفرجت أساريره أخيراً، وابتسم. فسأله الحاضرون: إن كان الصمتُ لفكرة عرضت له؟.. فردّ عليهم فهد قائلاً: «لا والله، جلطة وعدّت.. الحمد لله!».

أبو متعب في البئر

لم تنبت لعبدالله كل المناقب التي تصدح بها اليومَ وسائلُ الإعلام السعودية، ومعها المأجورون في «تويتر» (البيض) إلاّ بعد أن صار الرجل مَلكاً. فلم يكن أحدٌ يحمل عبدالله على محمل الجدّ، أو يعرفُ له مزايا ومناقب أيامَ كان شاباً. بل إنّ البعض مازال يتذكر قصة سجن هذا الذي صار يُعرف الآن بـ«خادم الحرمين الشريفين»، في بئر لا ماء فيه، في قلعة المصمك في الرياض، في حزيران وتموز سنة 1947.
وأصل تلك الحكاية أنّ ناصر بن عبد العزيز، وكان يومها الابن الخامس للملك، نصّبه أبوه عام 1937 أميراً على منطقة الرياض، فصارت له، وهو الذي لم يتجاوز حينها السابعة عشرة من عمره، سلطة الإشراف على جميع شؤون الإدارة في العاصمة السعودية، بما في ذلك عمل الشرطة والمحاكم. وشيئاً فشيئاً بدأ ناصر يخالط عالماً من الناس لم يكن مقدَّراً له في السابق أن يخالطهم. ويبدو أنّ الشاب المراهق أنس أنساً بالغاً بالديبلوماسيين الغربيين، وأحب كثيرا حفلاتهم، وما تستضيفه من نساء أوروبيات وأميركيات جميلات، وما يصاحب كل هذه الأجواء الحافلة من تحرّر في الرقص واللباس والشراب. وشيئاً فشيئاً أيضاً أغرم الأمير الشاب بالويسكي. ولكنّ هذا الشراب كان ممنوعاً استهلاكه أو توريده في المملكة إلاّ بإذن خاص لمصلحة السفارات الغربية، أو لقاعدة الظهران الأميركية (1). وجاء للأمير ناصر من يوسوس له بأن بالإمكان صناعة الويسكي محلياً، ومن ثمّ المتاجرة به، وجني أرباح مالية طيبة من الراغبين في الشرب. وتخمّرت في رأس ناصر الفكرة. ثمّ بعد شهور تحوّل قبو في بيت أمير الرياض إلى معمل صغير سريّ لتقطير العنب. وبعدئذ صار للأمير/تاجر الخمر، زبائنه. ولم يكن بعض الزبائن سوى إخوانه، ومنهم عبدالله. وبرغم أنّ نوع الخمر الذي يصنعه ناصر كان رديئاً، فقد توسعت أشغاله السرية في المدينة، حتى أصبح الرجلُ المزوّد الأكبر للخمور في الرياض. وطبعاً فإنّ الأمير كان يتستر على سرّه لكي لا يصل إلى آذان أبيه، أو إلى أسماع إخوته الكبار. وكان يشغّل عنده أعواناً يقومون بالأعمال، وهو يحميهم بسلطانه، ويذبّ عنهم. وكان عبدالله من الذين استعان بهم ناصر في أعماله.
وحدث في شهر أيار 1947 أن احتاجت حفلة ماجنة أقامها ناصر في قصره إلى كميات من الخمر. وكان من بين الضيوف رجال من آل رشيد (أخوال عبدالله). ودارت الخمر على المحتفلين، وشرب الجميع حتى الثمالة. لكنّ الأمر لم يمرّ هذه المرّة على خير، فلقد ظهرت أعراض التسمم على الحاضرين، ولفظ سبعة ــ معظمهم من النساء ــ أنفاسهم. والواقع أنّ جهاز التقطير في قبو ناصر كان معطباً. فصار الخمر الرديء المقطر الذي يصنعه غير نقي بالمرّة. لا، بل إنه أصبح ساماً!.. وشاع خبر الفضيحة الفاجعة في الرياض، ولم يكن بالإمكان التكتّم عليها. ووصل الأمر إلى أسماع الملك عبدالعزيز. وزاد الطين بلّة أنّ أحد أمراء آل رشيد كان من بين الضحايا. وكان هذا الأمير قد عاش تحت كنف عبدالعزيز في الرياض منذ سقوط حائل مطلع العشرينيات. وافترض أهله أن موته لم يكن قضاءً وقدراً، وأنّ السمّ دُسّ له عمداً. وفرّ اثنان من أبناء عمّ القتيل من الرياض إلى بغداد مستجيرين بالهاشميين. وطبعاً لم يفوّت حكام العراق زمن ذاك الفرصة لينالوا من أعدائهم اللدودين. وظلت صحفهم شهوراً تكتب وتنشر عن عربدة آل سعود.
وحين علم عبد العزيز بكل هذا الذي جرى من ورائه، أجرى تحقيقاً، وأدين ناصر بالجرم المشهود، وألقي القبض عليه، وأودع السجن، وجرّد من منصبه في 28 أيار 1947. ولكنّ عبد العزيز لم يكتف بذلك، فجمع أبناءه ليشاهدوه وهو ينهال ضرباً مبرحاً على أخيهم بعصاه الغليظة. ثمّ إنّ التحقيق في قضية ناصر سرعان ما توصل إلى دور أخيه عبدالله في المداومة على المعاقرة، والمساعدة على المتاجرة. وهكذا ألقي القبض أيضاً على الشاب عبدالله الذي لم يتجاوز آنذاك من عمره ثلاثة وعشرين عاماً. وكُلّف عبيدُ أبيه بجلده أمام إخوته. ثمّ رُمِي به في بئر مهجورة، في قلعة المصمك. وبقي عبدالله سجين تلك البئر شهرين كاملين، ذات صيف مقيت في الرياض.

أبو متعب في القصر

ومرّت الأيام... ومكّن الله لأبي متعب في الأرض. وآتاه حُكماً، ولم يؤته علماً. وصار سجينُ البئر «عزيزاً». وتروي لنا وثائق «ويكيليكس» مشاهد للملك عبدالله من بعد أن استوى على عرش السعودية. ومن أطرف ما روت «ويكيليكس» هذه القصة التي أوردتها جريدة «دايلي تلغراف» البريطانية في عددها بتاريخ 29 تشرين الثاني 2010، والتي كانت حدثت في 15 آذار 2009. يومها التقى «ملك الإنسانية» بالمدير الحالي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان، وكان حينذاك يشغل منصب مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب. ودار الحديث بين الملك وضيفه عن معضلة إدارة الرئيس باراك أوباما مع المعتقلين في «غوانتنامو». فالرئيس وعد في حملته الانتخابية بإغلاق معسكر الاعتقال السيّئ الصيت، ولكنه لا يستطيع أن يضع معتقلي غوانتنامو في سجون الولايات المتحدة لأن بعضهم لن تنطبق عليه شروط المحاكمات، وبعضهم الآخر قد يُبَرّأ، وتضطر أميركا إلى إطلاق سراحهم، مع علمها بأنهم ما زالوا مصدر خطر على أمنها.
وهنا ابتسم أبو متعب، ومال برأسه قليلاً إلى المبعوث الأميركي، ثمّ قال له: «تريد أعطيك حل لمشكلتك؟». قال برينان متعجباً: «طبعاً، أنا أصغي إليك». زادت الابتسامة في التمطط على ثغر أبي متعب، وقد وثق أكثر من حاله، ثمّ قال للأميركي: «حنّا في البادية، نحط حلقة في رجل الصقر، ونعمل ذات الشيء مع الحصان. فهذي الحلقة تكون أمارة على اللي يملك الصقر. فأنتم لازم تعملوا مثلنا». سأل المسؤولُ الأميركي ملكَ السعودية: «كيف يعني؟». فشرح الملك لجون برينان الـ«بطيء الفهم» ما يقصده قائلاً: «يعني، انتم تجيبوا هذول المساجين، وتتقبوا لهم رجليهم، وتحطوا لكل واحد منهم، في نقب رجله، شريحة الكترونية صغيرة. ووقتها ما فيهم يروحوا على أي محل إلاّ وتعلمكم الشريحة اللي في رجليهم بمكانهم».
كتم جون برينان ابتسامة ساخرة، ثمّ قال لأبي متعب: «طال عمرك، الخيول والصقور تبعك ما عندهم محامين يدافعون عنهم إذا انكشف الأمر. هذول الصقور ما راح يفكروا يرفعوا قضايا ضد الحكومة الأميركية في المحاكم، بتهمة زرع شريحة إلكترونية في أجسامهم».
* كاتب عربي

(1) ألغى الملك عبد العزيز، في بداية عام 1952، جميع امتيازات استيراد الخمر إلى السعودية، والتي كانت ممنوحة في ذلك الوقت للأجانب، وحرّم دخول المشروبات الكحولية كلية إلى المملكة. وكان سبب قراره هذا واقعة أخرى حدثت يوم 16 تشرين الثاني 1951، واقترفها ابنه مشاري بن عبد العزيز، البالغ آنذاك من العمر 19 عاماً، والذي قام بقتل القائم بأعمال القنصلية البريطانية في المملكة السعودية سيريل أوسمان. وتفاصيل الجريمة أنّ أوسمان كان يقيم، على عادة القناصل، حفلاتٍ في مناسبات مختلفة، في بيته في جدة. وكان أوسمان ديبلوماسياً عتيقاً في السعودية، وقد أنشأ أثناء إقامته التي امتدت أكثر من عشرين عاماً في البلد صداقات عديدة مع الأمراء والأعيان والتجار. وكان أوسمان يدعوهم إلى حفلات في بيته، حيث كان يقدم لهم الويسكي الذي كان يُسمح باستيراده في تلك الأيام لغير المسلمين فقط. وكان الأمير مشاري بن عبد العزيز من المدعوين التقليديين في حفلات القنصلية البريطانية. لكنه في حفلة ليلة 16 تشرين الثاني 1951 بالغ في الشرب، وبدأ بمراودة بعض السيدات علناً، وبطريقة مقرفة، مما استوجب تدخلاً حازماً من القنصل أوسمان الذي طرده من بيته. وحزّ الأمر في نفس ابن عبدالعزيز، فكيف يجرؤ أحد على أن يطرده؟ ووقع شجار بين الرجلين. ثمّ إنّ مشاري غادر الحفلة، ولكنه سرعان ما عاد ومعه مسدس، وراح يمطر بيت أوسمان بوابل من الرصاص. ووقف القنصل أمام زوجته دوروثي ليحميها، فأصابته رصاصة أردته قتيلاً. ودفن سيريل أوسمان في اليوم التالي في المقبرة المخصصة لغير المسلمين في جدة. وغادرت دوروثي أوسمان المملكة بعد أن قبلت صفقة تعويض من الحكومة السعودية. وألقي بمشاري في السجن بعد أن أنقذته (كما الأمير ناصر من قبله) مكانته الملكية من عقوبة الإعدام.