غزة | لا يمكن احتساب عملية ترقين قيد (تجميد) 220 موظفا فلسطينيا يتبعون سلطة رام الله على أنها خارجة عن أوامر مباشرة من رئيسها، محمود عباس، في ظل الحرب المفتوحة بينه وبين القيادي المفصول من «فتح»، محمد دحلان، أيضا بأمر منه. جزء من تهديدات عباس بدأ يطبق بحق من هم حول دحلان على قاعدة أن «صاحب المال هو صاحب القرار»، تمهيدا للتهديد الأكبر بطرد غزة «المتمردة» من ملعب السلطة «بلا عودة»، إذا تحالف دحلان مع حركة «حماس»، التي لا ترى مانعا في ذلك ما دام «يخدم الوطن والمواطن».

وبمراجعة سريعة لكشف الأسماء التي أوقفت رواتب اصحابها، واكتشفوا ما جرى لهم مع صرف حكومة التوافق 60% من رواتب الشهر الماضي (بسبب العقوبات الإسرائيلية)، يظهر أن المتضررين هم من أصحاب الرتب العالية، وأن جزءا منهم «حُمّلوا عبء المواجهة في الانتفاضتين الأولى والثانية، وتبعات سيطرة حماس على غزة بالقوة»، كما يؤكد عدد من كوادر وقادة «فتح» ممن رصدت إفاداتهم، مع تحفظهم على التصريح بأسمائهم خوفا من قطع رواتبهم بصورة نهائية.
ويرى هؤلاء أن أبو مازن يراهن على إصابة «عصفورين بحجر واحد»، إذ يضرب «المصالحة الدحلانية ـ الحمساوية»، بعد أن يُثبت لـ«حماس» أن دحلان غير قادر على الإيفاء بوعوده المالية لغزة اذا لم يستطع توفير رواتب لأنصاره، ومن ناحية أخرى فرئيس السلطة يعاقب «الدحلانيين» على تأييدهم قائدهم الذي فصل من الحركة.
عدد ممن أوقفت رواتبهم نفوا أي صلة لهم بأنصار دحلان

في النقطة الأولى، رد القيادي المقرب من دحلان، سمير المشهراوي، بالقول إنهم باشروا «الإجراءات اللازمة لتوفير شبكة أمان مالية لعائلات من توقفت رواتبهم، وسيكون التنفيذ خلال أيام قليلة». كما رد المتضررون بإعلانهم أنهم سيخوضون «إجراءات قانونية» لاستعادة حقوقهم، وعقدوا يوم أمس اجتماعا في غزة ناشدوا فيه الاتحاد الأوروبي ومؤسسات حقوقية بالضغط على حكومة التوافق لإعادة رواتبهم.
اذا نجح عباس، يكون برأيهم قد حقق أحد مراديه، إما إحباط توافق «حماس» ودحلان، أو التخلص نهائيا من غزة وأعبائها، إذ يؤكد مصدر مسؤول في رام الله، لـ«الأخبار»، أن أبو مازن أوصل المسؤولين والمستشارين من حوله إلى مرحلة صاروا يخشون فيها لفظ اسم دحلان أمامه أو حتى في الغرف المغلقة، مضيفا: «عباس يستخدم قضايا فساد إداري ومالي وأخلاقي ارتكبها عدد من المسؤولين ويهددهم بفضحهم ومقاضاتهم اذا أعلنوا معارضتهم له، ومن هؤلاء متحدثون باسم الأجهزة الأمنية والحكومة والحركة، سابقون أو حاليون».
ويتابع المصدر ذاته: «في رام الله يصمت الجميع، فيما يرتعب آلاف الموظفين في غزة من فكرة قطع رواتبهم»، كاشفا أن هذه الدفعة (220) لن تكون الأخيرة، بل «بالون اختبار للفتحاويين من أجل حثهم على تقديم الولاء لعباس».
لم يمض وقت كثير على رهان عباس على الولاء، فسرعان ما أعلى عدد ممن قطعت رواتبهم صوتهم، ومنهم علاء شمالي الذي قال: «أنا مع الشرعية الفتحاوية، ومع الرئيس محمود عباس.. نحن انتخبناه ويبقى هو شرعيتنا حتى إجراء انتخابات رئاسية وتغييره ديموقراطيا»، موضحا أنه لم يكن يعلم أن الفعالية التي دُعي إليها، قبل أسابيع، ستكون مساندة لدحلان، وإلا «لما حضرتها من الأساس».
الحال تكررت مع العميد عبد الجواد زيادة، الذي أكد قائلا: «لسنا أتباع دحلان ولا ننتمي إلى جماعة أخرى في فتح... نحن أبناء الفتح لا غير»، مستدركا: «كل من يحاول تفتيت الحركة بين دحلان وعباس، يصغر المشروع الوطني ويريد تقزيم فتح». ويرى شمالي وزيادة، وآخرون، أن «ترقين قيدهم» جاء بناء على «تقارير كيدية» من بعض زملائهم الذين يسعون إلى توسيع الفجوة بين عباس ودحلان، آملين أن يعود الرئيس عن «خطوته غير المبررة بمسوغ قانوني أو ارتكاب جرم على يد المجمدين».
من وجهة نظر أخرى، فإن دحلان قد ينتهز هذه الفرصة لتعزيز الملتفين حوله إذا ما أصر عباس على توسيع دائرة قطع الرواتب، لكن الأول لن يستطيع فعل ذلك بسرعة، فهو بحاجة إلى المزيد من الأشهر لرؤية هل سيفصل آخرون من «فتح» حتى يعمل، لو كان قادرا، على تأمين رواتبهم، سعيا إلى انشاء حالة شبه حكومية، أو وضع تنظيمي واضح داخل الحركة. وإذا وفر دحلان لعناصره بدلا ماليا فإن المشهد يخلص إلى حالة كاريكاتورية، إذ تعجز «حماس» والسلطة عن صرف راتب كامل لموظفيهما، فيما يساند دحلان عناصره بقوة، مع الانتباه إلى فارق العدد بالتأكيد.
ولمحاولة استيضاح الخطوات المقبلة، حاولت «الأخبار» التواصل مع مسؤولين في السلطة، فأكدت وزارة المال أنه لا معلومات لديهل عن هذه القضية، فيما أغلق المتحدث باسم الأجهزة الأمنية، عدنان الضميري، هاتفه النقال بعد تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها في الموضوع.