مشروع استثماري يطرح تساؤلات عن البيئة والنسيج المدينيجاد نصر الله
تحوّل مشروع «جزيرة الأرزة» إلى مادة إضافية لخلاف اللبنانيين، والشغل الشاغل الذي تناقلوا صوره وأخباره وحشدوا الجمعيات الأهلية والبيئية والمواقع الإلكترونية المناصرة والرافضة على حد سواء. فوجدوا بذلك مادة جديدة لانقسامهم، فيما أراد صاحب الفكرة الحالم «توحيدهم» بأرزة «غريبة» يغرزها في بحرهم ويكسب منها المال الوفير. يتسلح رئيس مجلس إدارة شركة «نور الدولية القابضة» المهندس محمد صالح في الدفاع عن مشروعه بفريق عمل كامل أعد جميع الدراسات الأولية التي يعرضها أمامنا ويحاجج بها بطريقة علمية، وإن فضفاضة وتحتمل الكثير من النقاش، إذا ما خيض في التفاصيل.
يبرر التوجه إلى البحر بالقول «إنه من الصعب إيجاد مساحة على الأرض اللبنانية يمكنها أن تضم جميع الخدمات التي يطمح المشروع إلى تأمينها مجتمعة في مكان واحد». وهذه الخدمات تمتد على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع، تضم في القسم الأول المحاذي للشاطئ، أسواقاً ومطاعم ونوادي رياضية وفنادق، بالإضافة إلى مدرسة بحرية، وهو «عام»، أي لا قيود على أحد في الدخول إليه؛ فيما القسم الثاني هو خاص يصادر حق اللبنانيين ببحرهم، وتكوّن من مجمع سكني للأثرياء، يضم 325 فيلا فخمة مع كل وسائل الراحة، وملعب غولف ضخماً يتوسط الأرزة، ويحاذيه إلى الأعلى الجناح الرئاسي على القمة، «وهذا القسم مخصص بالأساس للبنانيين المغتربين والمقيمين والمواطنين العرب والأجانب، ومن يمتلك القدرة على الشراء فأهلاً وسهلاً به كائناً من كان».
تختلف الرؤية من منظور التخطيط المديني، فبرأي المعماري في الجامعة الأميركية في بيروت إبراهيم منيمنة أن هذا المشروع يدعو لفكرة أثبتت فشلها عالمياً يصطلح على تسميتها بالـ «gated communities» (التجمعات السكنية المغلقة). وهي التجمعات السكنية التي بدأت أولاً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كل مجموعة دينية أو عرقية ومختلفة اجتماعياً وحتى طبقياً تقفل على نفسها داخل أحياء وشوارع، وتؤمن كل احتياجاتها من دون الحاجة للتبادل مع الخارج من أجل استمرار دورة حياتها اليومية، الأمر الذي خلق شبكة من التجمعات المفككة بعضها عن بعض ومنعزلة عن المدينة أساساً، فكان الرابط الوحيد بين الاثنين بوابة وحارساً يتحكم بالعبور بين العالمين... هذه التجربة دفعت نحو توجه جديد في التخطيط المديني اليوم يسمى «المنازل المتصلة»، حيث يُلجأ إلى تقليص المسافات بين الوحدات المبنية وعدم المبالغة في توسيع الشوارع، ورص البيوت جنباً إلى جنب لإعادة تفعيل التواصل الاجتماعي.
يشعرك صالح حين يتكلم عن «أرزة لبنان» بأن شركته لتطوير المشاريع «نور هولدنغ» كرّست نفسها الآن لتحقيق حلمه بتنفيذ الجزيرة، وأن كل المشاريع الضخمة التي تعهدتها في مختلف أرجاء العالم والموكلة إليها في كفة، و«الأرزة» في كفة أخرى. يُعدّ هذا التصميم خلّاقاً، فيحاكي مجموعة من المشاريع المسقطة في بحار العالم، انطلاقاً من جزيرة النخلة في دبي (ولتلك قصة يطول شرحها) وصولاً إلى مطار كانساي الدولي في خليج أوساكا في اليابان.
ورغم أن الشركة لم تحدد بعد الموقع النهائي للمشروع وتتأرجح بين عمشيت وضبية والدامور وصور، إلا أن الدامور يقع في الخيار الرقم واحد بحسب الموقع الإلكتروني للمشروع.
ويشير صالح إلى أنه يستند إلى خرائط تحمل توقيع دائرة الشؤون الجغرافية في وزارة الدفاع، حيث عوينت جميع الأعماق، وتبين أن أقلها هو عند مثلث على شاطئ الدامور، حيث يصل فقط إلى 20 متراً وعلى طول كيلومترين من الشاطئ. ممّا يقلل من كلفة المشروع. ويشير إلى أنه استُبعدت منطقة صور لأسباب تتعلق ببعد المسافة عن العاصمة ولانتفاء المنفعة السياحية التي يهدف المشروع إلى تعزيزها.
منى حلاق، المهندسة المعمارية المتخصصة في العمارة التراثية، وصاحبة النفس الطويل في التصدي لهذا النوع من المشاريع، مما حملها مراراً إلى المواجهة على المستوى الاجتماعي العام، أعربت خلال حلقة نقاش نظمتها جمعية «نحو المواطنية» عن خشيتها من جملة مسائل، أهمها التأثير السلبي للمشروع على شبكة المواصلات، و«حجم الكارثة التي ستحصل يومياً على الطريق السريع الذي يربط بيروت بالجنوب في لحظات الذروة!». بالإضافة إلى الاستيلاء على حق اللبنانيين الحر في الوصول إلى البحر، إذ إنه إشغال وليس امتلاكاً. الأمر الذي يتفق فيه معها المعماري منيمنة، لكون البناء ممنوعاً في البحر بوصفه ملكاً عاماً، وللجميع حصة فيه، وتتحدد من أعلى مستوى تصل إليه المياه في السنة على الشاطئ.
ومن المعلوم أن الأملاك العامة البحرية كما ورد في القوانين اللبنانية وحسب القرار أ/144 بتاريخ 10 حزيران 1925، تتكوّن من القسم المائي والشاطئ حتى المسافة الأكثر بعداً التي تستطيع الأمواج الوصول إليها في فصل الشتاء، يضاف إليها كل الشواطئ الرملية أو البحصية، وكذلك الغدران ومستنقعات المياه المالحة المرتبطة بالبحر.
وتشير الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية إلى أن «ما يجب إصلاحه قبل كل شيء في موضوع الأملاك العامة البحرية هو استعادة حق وصول المواطنين إلى البحر»، وتوصي الخطة بإنشاء ارتفاق مرور بعرض ثلاثة أمتار بمحاذاة البحر، وبطريقة متواصلة على طول الشاطئ، ما عدا الأماكن الخطرة أو المخصصة لاستخدامات صناعية أو عسكرية.
وتوضح هلا عاشور من منظمة «غرين لاين» التي شاركت في حلقة النقاش، المخاطر البيئية باعتبار أن عملية الطمر مؤذية وسيكون لها مردودها السلبي على الحياة البحرية، والتجارب ما زالت حاضرة في الأذهان كمشروع «لينور» في الضبية و«النورماندي». وتسأل عن موقف الدولة اللبنانية من الموضوع وتوقيعها على المعاهدات الدولية القاضية بالحفاظ على الحياة البحرية، وخصوصاً أننا موجودون في منطقة الجرف القاري حيث البحر الأبيض المتوسط محدود الإنتاجية على عكس المحيطات الأخرى، ويصعب فيه تجدد البيئة البحرية والثروة السمكية. كما نبهت إلى أننا لا نعتمد نظاماً للصرف الصحي لعدم امتلاكنا حتى الآن دراسة واضحة لهذه المشكلة، «فأين ستذهب المياه المبتذلة لمشروع بهذه الضخامة!». يخرج صالح من جعبته جواباً عن كل سؤال، فبالنسبة له هو لم يقرر أي الحلول الهندسية سوف يعتمد حتى الساعة، وإن كان يستبعد فكرة الردم ويلجأ إلى فكرة الجزر العائمة أو الهياكل الحديدية المثبتة في الأرض، الحل الذي لا يحدث تغييراً كبيراً في حجم المياه بل يحجب عنها نور الشمس ويعطل التيارات المائية، ولحل هذه المشكلة سوف تُزرع مضخات كبيرة تعمل على توليد تيارات مائية اصطناعية. وأعلن رئيس قسم الأبحاث والتطوير في الشركة المهندس أمير شهاب أن الشركة سوف تتبنى الآلية التي تثبت أنها مجدية اقتصادياً وبيئياً، إذ «إن هناك عدداً من المشاريع التي نفذت معتمدة تقنيات متطورة مثل VLFS، وهي عبارة عن منشآت عائمة غير مضرة بالبيئة ومحفزة للحياة المائية، كما أنها أقل كلفة. وغيرها من التقنيات مثل Semi-submersible structure، وهي عبارة عن منشآت نصف عائمة مدعمة بأعمدة حديدية منغرسة في قاع البحر».
وبالعودة إلى الشكل الهندسي، فإن منيمنة لا يرى فيه إلا محاولة ناجحة للاستفادة إلى أقصى الحدود من منظر البحر المطلوب تأمينه للمستثمرين لا أكثر؛ وما أتت أغصان الأرزة المسماة بأسماء المناطق اللبنانية تعبيراً عن الوحدة الوطنية إلا لتأمين مساحة إضافية أمام المنازل ومنظر لا يحجب على البحر، وكل كلام آخر لا قيمة له. أما صالح فيغض النظر عن حجبه الرؤية أمام بعض العقارات على الشاطئ مقابل القيمة العقارية التي ستؤدي إلى رفع سعر ممتلكاتهم أضعافاً نتيجة ملاصقتهم لجزيرته. ويسأل منيمنة عن قيمة «الأرزة» إذا ما أردنا فحصها من منظور المشاريع المستدامة. إذ تتكون دراسة المخطط المستدام عادة قبل الشروع في تصميمه من ثلاثة عناصر: أولاً البيئة، وثانياً النسيج المديني والتفاعل مع المحيط العمراني، وثالثاً والأهم، الطاقة التي سيستهلكها هذا المشروع في تنفيذه وتشغيله. ومع إيمانه واقتناعه بصحة جميع الحلول الهندسية التي يمكن أن يلجأ إليها المهندس صالح من الناحية التقنية (جزيرة عائمة أو ردم في البحر)، فإن منيمنة يؤكد استحالة تطبيقها من دون إسقاطه النقاط السالفة الذكر من الدراسة.
محمد صالح سيحارب ليرى أرزته تكبر، وإن لم يفلح على حد قوله، فإنه سيحمل المشروع وينفذه على شاطئ آخر في العالم. وقد اشترى مغتربون لبنانيون مشروع «أرزة» أخرى سوف يبدأ العمل على بنائها في المكسيك. آلاف المواطنين اللبنانيين مستنفرون بكل وقتهم وطاقتهم على غرف المناقشة ومجموعات الفايس بوك، ومنقسمون على شبكة الإنترنت. الجمعيات البيئية تتكتل وتؤلّف جبهة مع مجموعة من المعماريين والأكاديميين والناشطين الحقوقيين للحؤول دون استحصال الجزيرة على رخصة البناء؛ كثيرون وراءهم أمّا البحر، فلن يعود أمامهم.


50 ألف وظيفة!

يقدم المشروع نفسه كحل اقتصادي، إذ يرى صالح أنه سوف يؤمّن خمسين ألف وظيفة. فيما تعارضه حلاق في هذه النقطة متخوفة من استقدام يد عاملة آسيوية أقل كلفة. فيما اختصر منيمنة وضع المستخدمين اللبنانيين بجملة بسيطة «سوف نكون عبيداً لرفاهيتهم».


اللبنانيّون أصحاب القرار

الأضرار البيئية لـ«جزيرة الأرزة» لا تحتاج إلى دراسة



بسام القنطار
سوف يقال الكثير عن مشروع «جزيرة الأرزة»، تماماً كما قيل عن مشروع «صنين زينة لبنان». لكن أحداً لن يستطيع أن ينكر أن المشروعين، إذا ما أبصرا النور، سيضربان أهم ما في لبنان من مقوّمات طبيعية: قمم الجبال والبحر.
منذ أن أعلن عن قيام مشروع «جزيرة الأرزة»، بدأت الأصوات البيئية تعلو معلنة رفضه. وكان لافتاً الاجتماع الذي ضم 13 جمعية بيئية، اتفقت على الانضواء في ائتلاف موحد يعمل على صياغة خطة مشتركة وتنفيذها لمنع إنشاء هذه الجزيرة الاصطناعية.
رئيس جمعية «الخط الأخضر» علي درويش أكد لـ«الأخبار» أن الجمعيات البيئية تعدّ لجولة على مختلف المسؤولين لشرح التخريب البيئي في البر والبحر الذي سيحدثه المشروع ولن يكون هناك مجال لتعويضه.
وأضافت: «الشركة لم تحدد بعد الموقع النهائي، لكن منطقة الدامور تحتل أولوية بالنسبة لهم. لم نوفق في الاطلاع على الدراسات التي تقدمت بها «نور الدولية القابضة» إلى المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار (إيدال). سنطالب بالحصول عليها لكي تتضح الصورة أكثر بالنسبة لنا».
وأردف: لقد بادرنا إلى الاتصال برئيس بلدية الدامور شارل غفري لاستطلاع موقفه من المشروع، وأكد لنا أن البلدية ترفض هذا المشروع، وهي حتى الآن لم تطّلع على أي تفصيل يتعلق به. كما أن إحدى الجمعيات المنضوية في الائتلاف بادرت إلى الاتصال بالقصر الجمهوري وكان الجواب «ليس لدينا أي فكرة عن المشروع، وبالتالي نحن لسنا معه ولسنا ضده».
وفيما لم يصدر أي موقف من المشروع عن حزب الخضر، رغم أن حملات الانضمام إليه تملأ لوحات الإعلان، فإن حزب البيئة اللبناني أكد أنه «سوف يعارض حتى النهاية من أجل عدم قيام المشروع».
القيادية في حزب البيئة ميادة عبد الله أكدت لـ«الأخبار» أن الحزب يرفض أن يكون هناك دراسة للأثر البيئي للمشروع، لأن الكارثة البيئية منه واضحة ولا تحتاج إلى دراسات». وأضافت: «نحن لا نعوّل كثيراً على ائتلاف الجمعيات البيئية الرافضة للمشروع، لأنها سوف تستدرج لاحقاً إلى دراسة الأثر البيئي». وأردفت «إنه ائتلاف فضفاف يضم جمعيات مستقلة وأخرى محسوبة على قوى سياسية وأحزاب. وبالتالي فإن مواقفها قد تتبدل بتبدل مواقف هذه القوى».
السؤال إذاً: كيف يمكن الوقوف في وجه هذا المشروع؟ وما هي القوانين التي تمنع إمراره؟ وخصوصاً أن مجلس الوزراء لم يقر بعد المخطط التوجيهي الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية، لكونه يمنع قيام مثل هذه المشاريع. ويوصي هذا المخطط بهدم جميع المنشآت القائمة على الأملاك العامة البحرية والتراجع نحو أملاك أصحابها الخاصة. كما يطالب «بأن ترتكز مراسيم الترخيص بإشغال الأملاك العامة البحرية، في المستقبل، على مبدأ المنفعة العامة الوارد في القانون، وأن تحدِّد الشروط لتأمين وصول العموم مجاناً إلى الشاطئ».
الخطوة المهمة أيضاً التي لم تبصر النور بعد تكمن في تبني اقتراح منظمة غرينبيس لإنشاء أول محمية بحرية ساحلية لبنانية في مدينة جبيل. وخصوصاً أن هذه المحمية تحظى بدعم البلدية ونقابة الصيادين في المنطقة.
ياسمين الحلوة، منسقة حملة «دفاعاً عن متوسطنا» في منظمة غرينبيس أكدت «أنّ محمية جبيل ستمثّل الأساس الذي ستبنى عليه شبكة المحميات البحرية الساحلية في لبنان، التي ستعمل غرينبيس على طرحها خلال عام 2009 كأداة أساسية لمعافاة بحرنا وتحسين معيشة المجتمع الساحلي».
وأضافت «نتعاون حالياً مع علماء اختصاصيين للتحري عن مخاطر مشروع «جزيرة الأرز» على البيئة البحرية في لبنان، ونعمل على تحضير استراتيجية عمل لمنع ولادة هذا المشروع. نحن نؤمن بأن المحميات البحرية، على عكس الجزر الاصطناعية المُدمّرة، هي الوسيلة للحماية والحفاظ على الحياة البحرية، وتمثّل بالتالي أحد أهم عوامل الجذب السياحي في لبنان، وخصوصاً في مجال السياحة البيئية».
وكانت غرينبيس قد أعدّت ملفاً كاملاً لتأمين العناصر التي تمثّل قاعدة إقرار المحميات البحرية في لبنان، من التقرير العلمي الذي يثبت أهمية المنطقة المزمع حمايتها، إلى العناصر القانونية من قوانين وقرارات حكومية تُعنى بحماية النظام البيئي البحري وإدارته في المياه الإقليمية اللبنانية.
تجدر الإشارة إلى أن المناطق المحمية بالكامل تغطي أقل من 1% من مساحة البحر المتوسط، وهي نسبة لا تذكر بالنسبة لما يطالب به المجتمع العلمي، أي 20 إلى 50%.

7 تعديلات لتوسيع ردم البحر



«دولة سوليدير»، هكذا يسميها المطلعون على ملفها «الدسم» الخاص بردم البحر الذي تعدل سبع مرات منذ عام 1994 حتى عام 2007، إذ يؤكد هؤلاء أن المستفيد الأوحد من الردم كان شركة تطوير وإعمار وسط بيروت التجاري، فيما يذهب بعضهم بعيداً، إذ يشير إلى أن الشركة قلقة يومياً وباستمرار من أن تصبح يوماً ما تحت سلطة الدولة كما كل المناطق الأخرى!
على أي حال، ارتفعت المساحات الخاصة بشركة سوليدير عبر ردم البحر الاستثنائي والمخالف للطبيعة، من 240 ألف متر مربع إلى 780 ألفاً، أي بزيادة 540 ألفاً، وذلك عبر استصدار 6 مراسيم وقرار وزاري، إلا أن هذه التعديلات تشير إلى أمرين: الأول يفيد بأن حاجة الشركة للأراضي اتسعت يوماً بعد يوم لتغطي كلفة المشروع المرتفعة جداً، ولذلك كانت هناك حاجة إضافية إلى زيادة المساحات المردومة في البحر للحصول على مساحات قابلة للتطوير العقاري بهدف زيادة عائداتها الماليّة.
والأمر الثاني متصل بتقدير خاطئ لقيمة الأراضي وحاجة الشركة لها، مما اضطر المعنيين إلى إجراء تعديلات متتالية على التصميم والنظام التفصيلي. أي إن حاجات الشركة اتسعت كلما تبيّن فشل الرؤية الاستثماريّة للمشروع أو لتغطية زيادة الهدر فيه.
وفي المجمل تبيّن أن المشروع الذي بني على أساس ردم البحر والحصول على مساحات إضافية، وعلى الرغم من كل الاستثناءات التي حصل عليه كنموذج للرعاية الرسمية، يصفه اليوم تجار عقارات وعاملون في القطاع العقاري بأنه فاشل لأن العائد فيه منخفض جداً قياساً إلى مشاريع من هذا النوع، فضلاً عن التداعيات البيئية لردم البحر، واستغلال سوليدير لمشاريع الردم بالتقسيط لتبيع العقارات المردومة أولاً بسعر أكبر، لكن سعر المتر فيها اليوم بات أدنى من سعر المبيع بسبب الردم على الواجهة البحرية.
(الأخبار)

الأملاك البحرية في قبضة المعتدين!



رغم أنّ البيان الوزاري لحكومة «الوحدة الوطنية» تضمّن عبارة أن «الحكومة ستسعى بالتعاون مع المجلس النيابي إلى إعادة تنظيم الشاطئ بما يضمن حقوق المواطنين، وإلى معالجة مشكلة المخالفات على الأملاك البحرية العمومية»، فإنّ هذا البند أُغفل من جدول أعمال الحكومة، والسبب بحسب مصادر «الأخبار» هو أن سرقة الأملاك البحرية تتناتشها الأحزاب والفاعليات وكبار السياسيين، وبالتالي فمن الصعب الخوض في هذا الملف، وخصوصاً قبيل الانتخابات النيابية.
وتنص المادة 23 من القرار التشريعي الرقم 144/25 على أنه حين يُرتكب تعدٍّ على الأملاك العمومية البحرية، مشكّلاً جرماً جزائياً، كأن يقوم أحدهم بردم الشاطئ أو الاستيلاء عليه، يأتي دور النيابة العامة لملاحقة هذا الجرم. ويشرح المحامي إيلي مسعود في كتابه عن «الأملاك العمومية البحرية»، أن «الاستيلاء والردم في الأملاك العامة البحرية وما شابهها هما جريمتان لا مخالفتان، وتخضعان بالتالي لقانون العقوبات».
وتلفت دراسة «الأملاك البحرية» لشركة «الدولية للمعلومات» أن مساحة الأملاك العمومية المشغولة قانونياً تبلغ 876 ألف متر مربّع، تشغلها 94 شركة ومؤسسة خاصة أو أفراد، فيما يصل مجموع المساحات المشغولة من دون تراخيص إلى 2,803 ألف متر مربع من الشاطئ. وتشير الدراسات إلى أنه يمكن الحصول على 4,2 مليارات ليرة سنوياً من الأملاك المرخصة و6,4 مليارات ليرة من غير المرخصة عبر زيادة الرسوم المفروضة على شاغليها، و20 مليار ليرة من تسوية المخالفات. وأخرى تشير إلى وجوب حصول الدولة على 56,3 مليار ليرة من الأملاك المرخصة و273 مليار ليرة من غير المرخصة سنوياً، فيما تؤكد مصادر لـ«الأخبار» أن عائدات التسوية وبدلات الإشغال السنوية ستوفر موارد للخزينة تقاس بمليارات الدولارات لا الليرات!


هامش

ردم البحر ينهش الجبال أيضاً



ضبية، وسط بيروت، مدرج مطار بيروت الدولي... ثلاث تجارب كبرى لردم البحر في لبنان، يضاف إليها عدد من المشاريع الصغيرة المرتبطة بالمرافئ والمنتجعات السياحية والمنشآت الصناعية. وقد استنزفت هذه المشاريع أكثر من 30 مليون متر مكعب من الردميات حتى عام 2000، وقد يكون الرقم ارتفع إلى أكثر من 40 مليوناً منذ ذلك الوقت.
مخاطر هذه المشاريع لم تقتصر على انتقاص الحقوق العامّة واستثمارها في المصالح الخاصة الضيّقة، كما لم تقتصر على تهديد البيئة البحرية والحياة فيها، بل تعدّت ذلك إلى مخاطر أشد وقعاً تتصل بنهش الجبال عبر المقالع والكسّارات.
وتفيد التقديرات لدى مجلس الإنماء والإعمار بأن ما لا يقل عن ثلث المواد المستخرجة من هذه المقالع والكسارات، خلال فترة 1994 ـــــ 2000، كان موجهاً نحو مشاريع ردم البحر. وقد بلغ حجم هذه الردميات ما يعادل 8 إلى 10 سنوات من الاستهلاك العادي لقطاع البناء والأشغال العامة في لبنان.
تخيّلوا مثلاً أن مشروع ردم البحر على واجهة وسط بيروت استهلك ما يعادل بناء 100 ألف مسكن، وتمّ نهش أكثر من 500 هكتار من المواقع الجبلية المهمّة من أجل إنجاز مشروع ضبية ـــــ إنطلياس، الذي لن يوفّر عرض سوى 5000 مسكن فقط، وهو عدد من المساكن يستهلك عادة أقل من 5 هكتارات.... كما أن إنشاء مدرج مطار بيروت يوازي جبلاً من حجم الجبال المشوّهة على مجرى نهر إبراهيم.
إن مشاريع الردميات تصبح ظاهرة أكثر خطورة في لبنان في ظل الفوضى العارمة التي تظلل عمل المقالع والكسارات، ولا سيما أن مشروع جزيرة الأرزة ليس فريداً، بل هناك عدد من هذه المشاريع قيد الدرس في طرابلس وجونية والجديدة وصيدا وغيرها.
لبنان ليس صحراء كدبي، ولا يمكن النظر إليه من هذا المنظار. وضمان حق الناس في الوصول الحر إلى البحر ليس ترفاً، بل هو حق حيوي من حقوق المواطنية. والمحافظة على البيئة السليمة هي دعوة للمحافظة على ميزات لبنان التنافسية، وهي ميزات قليلة لا يمكن القبول بالتفريط بها من أجل أن يتمتع صاحب الثروة بمشهد بحري مميّز على حساب حجب الرؤية عن بقية المواطنين.
الموقف ضد مشاريع الردم لا يمكن اعتباره موقفاً ضد الاستثمار، بل موقف ضد الاستثمار الغبي الذي يريد أن يحقق بعض المكاسب عبر الكثير من الخراب.
(الأخبار)