صنعاء | شراكة لا انقلاب، هي باختصار ما جدّد زعيم جماعة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي تأكيده، ليل أمس، حين خرج ليعلن أن ما شهدته صنعاء في اليومين الماضيين ناتجٌ من انقلاب بعض القوى، ومن بينها الرئيس عبد ربه منصور هادي، على اتفاق «الشراكة». 4 نقاط، اشترط الحوثي تنفيذها «سريعاً» لحلّ الأزمة المتفاقمة منذ يومين في صنعاء. أولاً تصحيح وضع الهيئة الوطنية لصياغة الدستور الجديد، ثانياً تصحيح المخالفات الواردة في مسودة الدستور، ثالثاً تنفيذ اتفاق «السلم والشراكة»، رابعاً حل الوضع الأمني، وخصوصاً معالجة الوضع في مأرب.
الحوثي كان حريصاً على توجيه «النصح» لهادي بتنفيذ اتفاق «الشراكة»، من دون الاستماع إلى قوى خارجية، مرجعاً المواجهات المسلحة المتقطعة بين «اللجان الشعبية» التابعة للجماعة و«حماية الرئاسة» في صنعاء، إلى إصرار قوى داخلية وخارجية على «المؤامرة» التي تتمثل في تمرير مسودة الدستور والتمسّك بالأقاليم الستّة. ومع تنويهه بدور الجيش الذي لزم الحياد في المعارك الأخيرة، حرص الحوثي أيضاً على توجيه رسالة إلى الخارج بأن جماعته «ستضمن المصالح المشروعة» لدول الإقليم في اليمن، وستواجه «المؤامرات»، مشيراً الى «مشاريع تتحرك على الأرض لتمزيق اليمن والانقلاب على اتفاق السلم والشراكة» لا تواجه إلا بإعادة الاعتبار لـ»المكونات المحرومة»، وبينها «المكونات الجنوبية».
يوم «انقلابي»
طويل لا يُسقط هادي ولا ينهي الأزمة

وكانت الأنباء تضاربت يوم أمس حول سيطرة الحوثيين على مقرّ الرئاسة اليمنية، كما اتجهت بعض وسائل الاعلام نحو الحديث عن نية الجماعة «عزل» الرئيس عبد ربه منصور هادي. لكن «أنصار الله» نفت كل تلك الأنباء، مؤكدة أن الاشتباكات المسلحة التي اندلعت أمام منزل هادي في العاصمة صنعاء رمت إلى «إحباط محاولات تهريب أسلحة ثقيلة ومتوسطة من مخازن ألوية الحراسة الرئاسية».
وأكد عضو المكتب السياسي في الجماعة، علي القحوم، أنه لا صحة لما يروجه «الإعلام الداعشي»، موضحاً لـ«الأخبار» أنه ما من سيطرة على دار الرئاسة، مضيفاً أن ما حصل هو أن قائد اللواء أول حماية رئاسية، صالح الجعيملاني، «وجه الضباط والجنود لنهب الأسلحة والمعدات التي بداخل دار الرئاسة، وقام أيضاً بخرق تثبيت إطلاق النار». وقال القحوم إن ما قامت به «اللجان الشعبية» هو منع تهريب الأسلحة ونهبها، مشدداً على أن الحوثيين لم يسيطروا على دار الرئاسة.
من جهة أخرى، كشف رئيس أركان اللواء الأول حماية رئاسية، العميد الشعيبي، عن تعرض ألوية الحماية الرئاسية «لمؤامرة» من قبل الرئاسة. وخاطب الشعيبي، في حديثٍ عبر وسائل إعلامية، ضباط وأفراد اللواء الأول من الحماية الرئاسية: «لقد باعونا ولم يعد أمامنا إلا الحفاظ على ممتلكات الوطن». وقالت مصادر في دار الرئاسة إن مجموعة من أفراد وضباط ألوية الحماية الرئاسية التابعين لقائد قوات الحماية الرئاسية، «قاموا بعملية نهب للأسلحة، وأكدت المصادر أنه لم يتم اعتقال الجعيملاني وأنه انتقل الى منزل الرئيس هادي».
وقد رأس هادي، صباح أمس، اجتماعاً ضمّ هيئة المستشارين من القوى السياسية والحزبية واللجنة الأمنية العليا، جرى خلاله مناقشة عدد من المواضيع المتصلة بالوضع الأمني و«أهمية استقراره وتجنيب اليمن ويلات الانقسام والفتنة والاهتزازات»، بحسب وكالة الانباء اليمنية. وأضافت الوكالة أن هادي دعا إلى عقد اجتماع عاجل للموقعين على اتفاق «السلم والشراكة» واللجان الأمنية والميدانية لحل كل الخلافات المطروحة وفقاً لما هو منصوص في الاتفاقات الموقعة.
ودعا هادي، خلال الاجتماع الذي غاب عنه أكثر المستشارين، إلى «تطبيع الأمور فوراً» في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات ومختلف مصالح الدولة في التربية والتعليم والصحة العامة، وغيرها من الوزارات والمؤسسات والهيئات بصورة عاجلة.
وفي الاجتماع، تحدّث مستشار رئيس الجمهورية ورئيس المجلس السياسي لـ«أنصار الله» ورئيس لجنة وقف إطلاق النار، صالح الصماد، مستعرضاً عدداً من النقاط جرى النقاش والتداول فيها.
وكانت قناة «المسيرة» التابعة للجماعة قد بثت ليل أول من أمس تسجيلاً صوتياً ووثائق وصفتها بـ«الخطيرة على مستقبل اليمن وأمنه الاجتماعي». الوثيقة هي عبارة عن خطة أمنية عثرت عليها «اللجان الشعبية» بحوزة مدير مكتب الرئيس، أحمد عوض بن مبارك، وتتضمن بعض الخطوات العسكرية والسياسية والأمنية لمواجهة «أنصار الله» وعزلهم اجتماعياً وحشد القبائل والمشايخ ضدهم، عبر إثارة النعرات الطائفية والتخويف من عودة الإمامة، وبالتالي استخدام القوة العسكرية لمواجهتهم.
ويرد في الوثيقة عددٌ من الإجراءات التي تستهدف قمع «الحراك الجنوبي» بالقوة وعزله سياسياً. وتضمنت الوثيقة الامنية أيضاً فصولاً من العمل الاستخباري والأمني والعسكري والإعلامي، لمواجهة أهم مكوّنين داخل الساحة اليمنية، وقد اعتبرتها «أنصار الله» «جريمة تنقلب على كل الاتفاقات»، وأهمها مخرجات «الحوار الوطني» واتفاق «الشراكة» وتخطط لجرّ الجيش لحرب نيابة عن قوى بعينها ضد قوى أخرى، وهو ما تراه الجماعة مخططاً ممولاً خارجياً ويستهدف السلم الاجتماعي ويتهرب من تنفيذ استحقاقات ومطالب القوى الوطنية التي يراد مواجهتها عسكرياً. إلى ذلك، بثت قناة «المسيرة» تسجيلاً صوتياً بين الرئيس اليمني ومدير مكتبه يتحدثان فيه عن عدد من القضايا والشخصيات والمكونات بلغة وصفت بـ«اللامسؤولة» و«تسيء إلى موقع الرئاسة».
المحادثة التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، بدا فيها الرئيس هادي متفاخراً بتمكّنه من انتزاع مواقف مؤيدة للأقاليم الستة من قبل قيادات حزبية، ولعلّ أخطر ما جاء في الحديث هو ذكر هادي لمجزرة «العرضي» (اقتحام مستشفى العرضي من قبل مسلحي «القاعدة»، موقعين أكثر من 50 شهيداً من الأطباء والممرضين، وأكثر من مئة جريح)، باعتبارها أداة ضغط على بعض الأطراف، للقبول بالأقاليم الستة.
تجدر الإشارة إلى أن اشتباكات يوم أمس تزامنت مع تحليق مكثف للطيران التجسسي الأميركي فوق أجواء العاصمة صنعاء، مثيراً علامات استفهام عدة في أوساط الشارع اليمني بكل فئاته وتوجهاته حول مصير السفارة والسفير الأميركي الذي كان لاعباً أساسياً في إدارة الأزمة الراهنة في اليمن .