القاهرة | خصّ قانون تقسيم الدوائر الانتخابية بعض الفئات داخل المجتمع المصري بحد أدنى من المقاعد من خلال «كوتة» لضمان تمثيلهم، بعدما عانت من التهميش السياسي لعقودٍ طويلة، وشملت الفئات التي اختصها القانون بذلك «التمييز الإيجابي»، تحديد 56 مقعداً للمرأة، و24 مقعداً للأقباط، وستة عشر للعمال والفلاحين، ومثلها للشباب، فيما نص القانون على تمثيل المصريين في الخارج بثمانية مقاعد، ومثلها لذوي الإعاقة.

من بين هؤلا المميزين إيجابياً فئات لم يكن لتمثيلها في أيٍّ من البرلمانات السابقة مثل ذوي الإعاقة والمصريين في الخارج، وأيضاً ضمنت هذه الكوتة مقاعد لعناصر رئيسية داخل المجتمع كانت تفشل في خوض الانتخابات مثل النساء والأقباط، كذلك قلص القانون الجديد عدد المقاعد التي يحصل عليها العمال والفلاحون من نصف مقاعد البرلمان إلى 16 فقط.
بدا الارتياح على هذه الفئات حيال تمييزهم إيجابياً، لكن عدداً من التساؤلات والتحديات لا يزال مطروحاً أمامهم حول مدى مناسبة تمثيلهم داخل البرلمان، وانعكاس ذلك على تحسين البنية التشريعية التي تحدد أوضاعهم في المجتمع.
أعلن المجلس القومي للمرأة أنه سيدعم 120 سيدة خلال الانتخابات

الباحث في مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، يسري العزباوي، يتوقع زيادة كبيرة في تمثيل الأقباط داخل البرلمان المقبل. ولفت العزباوي، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أن «عدد نواب البرلمان من الأقباط سيرتفع، لكن ستظل النسبة المئوية لتمثيلهم كما هي، تتمحور بين 2 و 4%، كذلك إن أغلب هذه النسبة ستمثلها الطائفة الأرثوذكسية ذات الأغلبية في مصر، دون أن يكون هناك تمثيل للطائفتين المسيحيتين الآخريين».
الأقباط في مصر عانوا دوماً التهميش السياسي وضعف تمثيلهم داخل البرلمانات السابقة، إذ حصلوا على أحد عشر مقعداً في برلمان ما بعد الثورة، منها 6 في الانتخابات وخمسة بالتعيين، أي إنهم كانوا ممثلين بنسبة 2% من إجمالي المقاعد، أما في عهد حسني مبارك، فكانت نسبة تمثيلهم أقل، ففي برلمان عام 2000 حصل الأقباط على 6 مقاعد من أصل 40، وفي برلمان 2005 حصلوا على سبعة.
يذكر أن عدد الأقباط في مصر يثير جدلاً، إذ أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام ٢٠١٢ إحصائية تقول إن عددهم خمسة ملايين و١٣٠ ألف قبطي، لكن الكنيسة رفضت تلك الإحصائية، وقالت إن لديها إحصائية خاصة بها تقدر عدد الأقباط بخمسة عشر مليوناً.
يشير العزباوي إلى أن «ضعف التمثيل كان يجعل الأقباط يشعرون بالاضطراب والعزلة، فضلاً عن أن تمثيلهم لم يكن حقيقياً، لأن الكنيسة هي التي كانت ترشحهم لرئيس الجمهورية، وهو كان يعيّنهم».
أما ذوو الإعاقة الذين غاب تمثيلهم عن البرلمانات السابقة، فشدد الأمين السابق للمجلس الأعلى لشؤون ذوي الإعاقة، حسام المسا، في شأنهم، على أن المقاعد المخصصة الآن «انتصار لذوي الإعاقة الذين عاشوا مهمشين في مصر لعقود طويلة في أوجه الحياة المختلفة وليس فقط السياسية». وقال لـ«الأخبار»: «رغم أن 8 مقاعد عدد قليل لتمثيل ذوي الإعاقة في البرلمان، لكن هذا الأمر لا بأس به في أول مرة للتجربة».
يذكر أنه لا يوجد إحصاء دقيق عن عدد المعوقين في مصر، إذ أطلقت الحكومة في كانون الأول الفائت فقط مبادرة لحصرهم وتسجيل بياناتهم، لكن منظمة الصحة العالمية قدرت عددهم في إحصائية أصدرتها عام 2006 بما يقرب سبعة ملايين.
وبالرغم من الكوتة التي ضمنها القانون لذوي الإعاقة، فإن فكرة خوض الانتخابات على مقاعد فردية فكرة مستبعدة لديهم، ويوضح المسّاح الذي ينوي خوض الانتخابات البرلمانية على قوائم أحد الأحزاب، لم يُعلَن عنه بعد، أنه «سيكون من الصعب خوض المعوقين الانتخابات على المقاعد الفردية، لأنها ستكون مكلفة للغاية، وفضلاً عن عدم ضمانها... من الأفضل لهم الآن أن ينضموا إلى قوائم الأحزاب».
الارتياح نفسه ساد في أوساط الممثلين عن المرأة التي حصلت على نصيب الأسد من كوتة المقاعد، إذ خصص القانون 56 مقعداً للنساء.
البرلمانية السابقة وأستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، منى عبيد، أوضحت أن الدستور الجديد أنصف المرأة المصرية لأول مرة في التاريخ من خلال تخصيص هذا العدد من المقاعد لها، فضلاً عن اللواتي سيخضن الانتخابات على المقاعد الفردية، أو سيعينهن رئيس الجمهورية. ولفتت عبيد إلى أنه «من خلال ذلك العدد قد تستطيع المرأة المصرية لأول مرة في التاريخ تكوين جبهة للدفاع عن قضاياها داخل البرلمان، بعدما كانت النائبات في البرلمانات السابقة ينشغلن بالدور الخدمي عن دورهن الرئيسي في العمل السياسي ومراقبة الحكومة وسنّ التشريعات».
في السياق، أعلن المجلس القومي للمرأة أنه سيدعم 120 سيدة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، من خلال تدريبهن على الحملات الانتخابية واللقاءات مع الجمهور، وتنظيم لقاءات لهن مع الأحزاب، بالإضافة إلى مساعدتهن في الدعاية الانتخابية والتواصل مع وسائل الإعلام.




تمييز إيجابي أم تفتيت للبرلمان؟

حالة الارتياح لدى بعض الفئات التي ضمنت مقاعد في البرلمان، لا يراها أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، مؤشراً إيجابياً. إذ يشرح لـ«الأخبار» أن «لجنة وضع الدستور سعت إلى التوافق من خلال صياغات متعجلة تستخدم نظماً انتخابية معيبة مثل نظام القوائم المغلقة الذي يهدر 49% من الأصوات، لضمان تمثيل فئات مختلفة في البرلمان، ففرحت هذه الفئات بتمثيلها العاجل، ورأته مناسباً دون أن تفكر جدياً كيف ستتحسن أوضاعهم من خلاله».
وأضاف نافعة: «أوضاع تلك الفئات لن تتحسن بمجرد تمثيلهم في البرلمان، لكن ستحسنها سياسات الحكومة التي تمثل الشعب، وتُسمّى من خلال الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان»، واصفاً ما يحدث الآن «بتفتيت للأحزاب» ليأتي «برلمان تابع للرئيس عبد الفتاح السيسي والسلطة التنفيذية، وبذلك تكون الدولة بكاملها في يد رئيس الجمهورية».
وبيّن أن «النسب التي تحصل عليها كل فئة ضئيلة، لن تتخطى أي فئة نسبة الـ5% من البرلمان في أفضل الأحوال، وهي نسبة لن تحول أي منهم إلى جماعات ضغط... سنكون أمام برلمان مفتَّت، وأحزاب على كثرة عددها ستكون ضعيفة».
في الإطار، أوضح الباحث في مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أيمن عبد الوهاب، أن «التمييز الإيجابي لبعض الفئات قد يكون مطلوباً لوقت لمعالجة خلل ما حدث، لكنه قد يصبح تمييزاً سلبياً إذا زاد على فترة زمنية محددة». وأضاف: «هناك تشريعات كثيرة في القوانين المصرية تجعل كل فئة من هذه الفئات تحصل على حقوقها، لكن التطبيق على أرض الواقع هو ما يختلف، فالدور الأبرز المتوقع من البرلمان المقبل هو إعادة هذه التشريعات، وإزالة الفجوة بينها وبين الواقع»، مستدركاً: «هذا سيتوقف على قوة البرلمان ومدى قدرته على طرح هذه القضايا ومناقشتها».