حيفا المحتلة | جاء استشهاد الشاب الفلسطيني، سامي الجعار، ليشعل النقب، ضمن مسلسل الاعتداءات المتواصلة ضد فلسطينيي الـ48 عامة، والنقب خاصة. سيناريو اغتيال العشريني الجعار مقتبس من عشرات الحالات السابقة التي كان آخرها قتل شاب من كفركنا (تشرين الثاني 2014)، إذ وصلت قوات شرطية نهاية الأسبوع الماضي إلى مدينة رهط في النقب، بدعوى اعتقال مروجي مخدرات، لكنها قطفت زهرة سامي.

رواية الأهالي ووالد الشهيد دحضت ادعاء الشرطة، إذ إن سامي لم يكن على قائمة الاعتقالات أصلا، إضافة إلى أنه لم يمثل خطرا على الشرطة الإسرائيلية، ثم جاء اعتقال والده لاحقا وتعرضه للضرب المبرح، ليزيد اشتعال المواجهات في رهط، وتندلع الاشتباكات مع أفراد الشرطة وحرس الحدود. نجمت عن ذلك اعتقالات وإصابات في ظل حالة إضراب شامل، وسلسلة من الفعاليات الاحتجاجية التي توجت بتظاهرة حاشدة، السبت الماضي.
وبعدما كان الإسرائيلي يبحث عن سكوت أهل النقب، انفجرت الأوضاع مجددا الأحد الماضي، وتحديدا أثناء تشييع جثمان الجعار، إذ وصلت دورية شرطة لتستفز موكب التشييع في ظل مشاركة نحو عشرين ألف فلسطيني، ما أدى إلى اندلاع مواجهات واحتجاز المشيعين للدورية التي استدعت قوات أخرى تسببت في إصابة عشرات بالرصاص الحي والمطاطي، ومن بينهم سامي الزيادنة، الذي استشهد متأثرا بجراحه.
إضراب شامل آخر أقرته لجنة المتابعة العليا لعرب 48، إذ قررت إضرابا شاملا يوم أمس امتد من رهط إلى كل أراضي الـ48، وعم الأسواق والمدارس، مع سلسلة من الوقفات التضامنية في أم الفحم وشفاعمرو وسخنين (الجليل) والناصرة، كما أغلق متظاهرون شارع وادي عارة في منطقة المثلث. وبينما خلت الشوارع من المارة، غصت بيوت عزاء الشهداء بآلاف من المعزين الذين تقاطروا من النقب وباقي المناطق، في ظل استنكار رسمي وحزبي عربي.
يذكر أن مساحة النقب تناهز 14 ألف كلم مربع، وهي 51% من مساحة فلسطين التاريخية. ويعيش في النقب قرابة 200 ألف فلسطيني ينتمون إلى قبائل عربية بدوية لها امتدادات في غزة وسيناء حتى جنوب الأردن، لكن حكومات الاحتلال المتعاقبة ظلت تنتهج سياسة عرفت باسم «تطوير النقب»، التي هي في الجوهر تهويد، هدفه حصر السكان على مساحة لا تتجاوز 2% من مساحة النقب، والحد من انتشارهم على كامل جغرافيا الصحراء.
أيضا، يعد الاحتلال النقب احتياطيا جغرافيا استراتيجيا له، وهذا الأمر عززته الحروب مع غزة ولبنان، إذ يدور الحديث أخيرا عن نقل قسم من قيادة الأركان إلى النقب، إضافة إلى نقل منشآت حيوية أخرى لحمايتها من صواريخ المقاومة. من هنا تعيش إسرائيل مأزق اللاخيار منذ هزيمتها في تموز، إذ تبحث عن خلاصها الاستراتيجي في الامتداد الهائل الذي يمثله النقب، لذلك تظهر عزيمتها على تطهيره عرقيا من سكانه الأصليين والحد من انتشارهم وربما تهجيرهم، حتى تقيم مشاريعها، لذلك من المتوقع، وفق مراقبين، استمرار المواجهات في الأيام المقبلة.