اشتعلت صنعاء من جديد. يشبه يوم أمس كثيراً لحظة دخول «أنصار الله» إلى العاصمة في 21 أيلول الماضي. يومها سيطروا على الفرقة الأولى مدرع والمقار الرسمية وأنهوا سطوة آل الأحمر على البلاد.حركة «أنصار الله» وجدت نفسها تصل إلى طريق مسدود مع الرئاسة اليمنية. كل تصريحاتها حول ضرورة العمل باتفاق «السلم والشراكة» لم تلقَ جواباً من الرئيس عبد ربه منصور هادي. لم تتم إعادة تشكيل «ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ الوطنية ﻟلرقابة ﻋﻠﻰ مخرجات ﺍﻟحوﺍﺭ»، بما يضمن التمثيل الصحيح لجميع القوى السياسية.

بقيت اللجنة على حالها بأغلبية واضحة للمقربين من هادي.
أكمل هادي بتجاهل «أنصار الله»، وقدّم مسودة الدستور إلى الهئية الوطنية من دون أن ينظر في طلب «الحراك الجنوبي» وزعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، بإعادة النظر في تقسيم الأقاليم، مصرّاً على المضي في الأقاليم الستة.
يزداد نفوذ الإسلاميين المتشدّدين في محافظة مأرب النفطية الغنية، فيما هادي لم يحرك ساكناً. مصادر خاصة لـ«الأخبار» تؤكد أن الرياض اتصلت بهادي وحذرته من أي تحرّك في مأرب. لا بل قالت له حرفياً، إن «المحافظة خطّ أحمر». واضحٌ أن السعودية بمعية علي محسن الأحمر تسعى إلى تحويل مأرب وغيرها من المحافظات إلى «جزر إسلامية». حتى إن زيارة وزير الدفاع، محمود الصبيحي، إلى مأرب لم تكن أكثر من جولة على بعض القواعد العسكرية، مبقياً على القادة العسكريين المقربين من الأحمر في المحافظة.
طفح الكيل عند «أنصار الله». هم يرون أن العقل المدبّر والمخطط والمنفذ لكل ما يدور في خلد الرئيس اليمني، هو أحمد بن مبارك، مدير مكتب الرئيس وأمين عام الحوار الوطني. الرجل بنظر الجماعة متهمٌ بالعمالة للولايات المتحدة، ولديه ارتباط بأكثر من سفارة أجنبية في صنعاء. لهذه الأسباب، رفضت الجماعة تكليفه بتشكيل الحكومة سابقاً.
يبدأ «أنصار الله» بالتحرك على الأرض، يحشدون القبائل و«اللجان الشعبية» في صنعاء، يرفع هؤلاء صوتهم ضد تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، يبعثون برسائل التهديد إلى هادي، يتهمون نجل الرئيس بالفساد وإهدار المال العام. يريد «أنصار الله» كسر هيبة الرئيس هادي، يقومون باعتقال أحمد بن مبارك. تثور ثائرة هادي على ذلك ويطالب بالإفراج عنه فوراً، يرفض «أنصارالله» متحدّين الرئيس. الأرض تغلي في صنعاء، تدخل الوساطة بين الجانبين، وزير الداخلية اليمني من طرف هادي وعضو المكتب السياسي في الجماعة علي بخيتي من الجهة الأخرى، لكنها لا تنتهي بالإفراج عن بن مبارك.
يشعر هادي بأن شيئاً ما يُعدّ له. يأمر الجيش وقوات الأمن بالانتشار في العاصمة لحمايتها، يقع الاحتكاك مع القبائل و«اللجان الشعبية» ويسقط عدد من الجرحى، فتشتعل الأرض. وكأن كل شيء مخطط له، كأن «أنصار الله» ينتظرون هذه اللحظة للبدء بالهجوم. بسرعة قياسية، يسيطرون على وكالة الانباء الرسمية وصحيفة «الثورة» والقناة الرسمية، ويعينون مسؤولاً جديداً عليها.
ولكن ليس هذا هدفهم الرئيسي، فالمقار العسكرية والأمنية هي المطلوبة. تتحرّك «اللجان الشعبية» نحو جهاز الأمن السياسي الذي يديره حمود الصوفي، المقرّب من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويسيطرون عليه من دون مقاومة. لا يختلف المشهد في جهاز الأمن القومي المدار من علي الأحمدي والمقرّب من الرئيس هادي.
يستكمل أنصار الله تحركهم، وجهتهم دار البشائر، أو مجمع الدفاع الوطني، في هذه الدار يوجد مقر وزير الدفاع ومقر القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي مكتب الرئيس هادي. لا تجد اللجان الشعبية وأنصار الله أي صعوبة في دخولها.
لا يريد الحوثيون هادي شخصياً، ولا هم في وارد اعتقاله أو قتله. يعلمون أن مثل هذه الأعمال ستدخل البلاد في المجهول وقد تقلب الطاولة عليهم. لكن لا بأس من تضييق الخناق على الرئيس، عبر السيطرة على جبل النهدين المطلّ على دار الرئاسة. يحصل ذلك بعد اشتباكات مع قوات حماية الرئاسة، تنتهي بانسحاب قوات الرئيس.
«أنصار الله» تمكنوا عملياً من إنهاء كل مراكز النفوذ لهادي. بات الرجل وحيداً في الميدان من دون أي حليف. يشكّل على الفور لجنة أمنية ميدانية برئاسة مستشاره عن «أنصار الله» صالح الصماد وعضوية مهدي المشاط عن أنصار الله أيضاً، ووزير الدفاع والداخلية كممثلين للسلطة، بغية وقف إطلاق النار. وفعلاً يتوقف القتال في صنعاء سريعاً.
الرئيس هادي بات في موقف ضعيف جداً. «أنصار الله» أحكموا الطوق على جميع مراكز القوة في صنعاء. بالتأكيد سيأتي الوسطاء من الخارج لحلحلة هذه الأزمة، و«أنصار الله» لن يقبلوا أبداً بأقل من إعادة تشكيل ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ الوطنية ﻟلرقابة ﻋﻠﻰ مخرجات ﺍﻟحوﺍﺭ. وفي ظل هذه المفاوضات والوساطات، سيحشدون مع «اللجان الشعبية» كل ما لديهم من قوة باتجاه مأرب للبدء بمعركة استعادتها من الإسلاميين المتشددين وأنصار علي محسن الأحمر.