مجلس الإنماء والإعمار وحش دمّر مؤسّسات الدولةرشا ابو زكي

1- لقد كنت في المجلس الأعلى للتصميم التابع لوزارة التصميم إلى أن ألغيت الوزارة، ومن ثم عيّنت في مجلس الإنماء والإعمار في السنوات الست الأولى من إنشائه. فما الذي حدث؟ كيف ألغيت وزارة أساسية لمصلحة إنشاء مجلس؟

■ كنت في المجلس الأعلى للتصميم الذي كان موكلاً الإشراف على كل ما يتعلق بوزارة التصميم، والاطلاع على الخطط ومراقبة تنفيذها، وذلك بعدما لعبت الوزارة دوراً أساسياً في ما يتعلق في الإشراف على خطط مؤسسات الدولة الإنمائية والتنسيق في ما بينها ومراقبة الإنفاق عليها... وكانت الوزارات تعد موازناتها الخاصة، وترسلها إلى وزارة التصميم لمراقبة إن كان الإنفاق الملحوظ فيها مبرراً، وكانت توافق عليها أو ترفضها أو تناقش بنودها مع الوزارات، ومن ثم تذهب الموازنات إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها. فصلاحيات وزارة التصميم كانت واسعة لكن لم يكن لديها صلاحيات تنفيذية للمشاريع بل كانت تحيلها إلى المديريات المختصة في الوزارات.
وفي السنتين الأوليين من الحرب الأهلية حدث ضرر كبير في مؤسسات الدولة، فألغيت وزارة التصميم واستبدلت بمؤسسة مهمتها أن تضع خطة لإعادة إعمار ما تهدم وتنفذها بسرعة، وهذه المؤسسة هي مجلس الإنماء والإعمار، إلا أن استمرار الحرب زاد شلل الوزارات والمؤسسات العامة، وكذلك مجلس الإنماء والإعمار، إلى أن انتهت الحرب في عام 1990 حيث اختارت الحكومة آنذاك أن تضع في الأولوية إعادة إعمار وتأهيل الأضرار والإسراع في إعادة المنشآت المتضررة إلى ما كانت عليه بسرعة، على حساب وضع خطة شاملة للإنماء في لبنان ومن ثم تنفيذ إعادة الإعمار وفق خطة.

2- ألم يكن من الممكن مساعدة الوزارات للقيام بما قام به مجلس الإنماء والإعمار بعد انتهاء الحرب؟

■ مؤسسات الدولة والوزارات التنفيذية كانت منهارة بعد الحرب، وهذا ما استدعى تأسيس جهاز ذي ليونة في الحركة والإنفاق، لأن المؤسسات العامة أصيبت بضرر هائل، بشرياً كان أم تكوينياً، ولكن حصل تركيز كبير على المجلس للحلول مكان الوزارات، علماً بأن مهماته كانت تقضي بمساعدتها للعودة إلى ممارسة مهماتها وتنفيذ مشاريع خلال فترة زمنية معينة، ومن ثم يحل نفسه لمصلحة المؤسسات بعد أن تتعافى بمساعدته، ولكن حصل عكس ذلك، فبدلاً من أن يهتم بالأمور التخطيطية والمشاريع الكبرى وإعادة مكانة المؤسسات إلى دورها، سيطر على كل المشاريع، من الأمور التافهة مثل تبليط الأرصفة وصولاً إلى المشاريع الكبرى.

3- قدمت اقتراحات عديدة لإعادة وزارة التصميم فكان أن همشت من دون السير بها، لماذا برأيك؟ ألم تكن النتائج التخريبية للمجلس قد بدأت تظهر على ملامح الاقتصاد والمؤسسات العامة والوزارات؟

■ بين عامي 1992 1998 بدأ خلل تركيز كل المشاريع بيد مجلس الإنماء والإعمار يظهر، وخصوصاً أن أعماله لم تكن تخضع للرقابة، وأن سيطرته المطلقة على المشاريع همّشت مؤسسات الدولة، وخلال هذه الفترة كان الرئيس رفيق الحريري مقتنعاً بعدم جدوى التخطيط، معتبراً أن تعافي الاقتصاد يقوم على تشجيع القطاع الخاص، وذلك عملاً بسياسات الحرية الاقتصادية المطلقة التي كانت تتبناها مارغريت تاتشر ورونالد ريغان والتي كانت ترى أن أي خطة مركزية تضعها الدولة تمثّل نوعاً من الفلسفة الاشتراكية. فالفلسفة الخاطئة التي رافقت ولاية الرئيس الحريري أدت إلى عدم قيام أية نشاط لوضع خطة إنمائية للدولة، رغم أن اتفاق الطائف تكلم عن الإنماء المتوازن، وقد جاء الرئيس سليم الحص وحاول إعادة النظر بالفلسفة السائدة، لذلك طلب الحص من مؤسسة كويتية القيام بدراسة خلصت بنصيحة الرجوع إلى وزارة التصميم كجهاز تخطيطي ومراقب للمشاريع، والإبقاء على مجلس الإنماء والإعمار كأداة تنفيذية، لكن انتهت ولاية الحص من دون اتخاذ قرار، وعاد الرئيس الحريري إلى الحكم واستمر المجلس بالمنحى نفسه.

4- هل يمكننا القول إن الوهن في الوزارات تراكم بطريقة ممنهجة، للإبقاء على دور المجلس وسيطرته على كل مشاريع البلد ومن دون رقابة؟

■ نحن لا نحكم على النوايا بل على النتيجة، فإذا كان السؤال أن المسؤولين كانوا يهدفون إلى تهميش الدولة وإقامة جهاز تابع لهم وموازٍ للدولة وتحت سلطتهم ومن دون رقابة، فأنا لا أريد الإجابة باتهام أحد، ولكن النتيجة كانت كذلك، ومن الممكن أن الخلاف السياسي والطائفي وعجز الخزينة أديا إلى عدم إمكان قيام مؤسسات الدولة على الطريقة الصحيحة. ولكن كان على المسؤولين تدارك هذه المشكلة ومعالجتها، وهذا ما لم يحدث.

5- ماذا كنا ربحنا لو أعيدت وزارة التصميم؟ وماذا خسرنا بسبب عدم القيام بذلك؟

■ لقد خسرنا الكثير، فلبنان يعمل من دون خطة إنمائية منذ عام 1975، ومن دون رؤية تقول لنا ما نريده من هذا البلد، فالمشاكل التي كانت موجودة في الحرب الأهلية تراكمت بعد الحرب بسبب عدم وجود رؤية لتحديد مسؤوليات الدولة تجاه المواطنين، وهو ما أدى إلى صرف أموال فاحشة أغنت فئة معينة ومناطق محددة في مقابل إهمال مناطق كثيرة أصيبت في ما بعد بفقر هائل، فالفلسفة التي كانت متّبعة ولا تزال في التعاطي مع الأمور الإنمائية تعتبر منهجاً تدميرياً ناتجاً من غباء وعدم نضوج سياسي
اجتماعي.

6- هناك نواب يقولون إن وزارة التصميم تجربة فاشلة؟

■ السياسة المتبعة على مدى 60 سنة كانت متوحشة، ووزارة التصميم كانت تضع كوابح لنمو هذا المنحى، فكانوا يضعون لها بدورهم العراقيل إلى أن أُلغيت، فالوزارة لم تفشل بل القيادات السياسية هي التي فشلت في الحفاظ على هذه المؤسسة، لذلك من الضروري وضع نهاية لمجلس الإنماء والإعمار، هذا الوحش الكبير الذي همّش الإدارات الرسمية، لإرجاع السلطة لمؤسسات الدولة. لذلك يجب إعادة إنشاء وزارة التصميم بعد وضع خطة لحل المجالس والهيئات بعد سنوات معينة، على أن تنتقل الصلاحيات إلى مؤسسات الدولة بالتزامن مع تجهيز الدولة بشرياً وتقنياً للقيام بأعمال هذه المجالس.

7- ولكن يقال إن وزارة التصميم لن تكون فاعلة كالمجلس بسبب البيروقراطية التي تطبع عمل الوزارات، وكذلك بسبب الفساد والمحاصصات؟ هل تعتقد أن الحماسة تجاه وزارة التصميم حالياً نابعة فقط من سعي لفرض التسويات؟

■ هذه تبريرات غير منطقية، فهل الحل يكون عبر خلق مجالس موازية للدولة ومن دون رقابة إذا كانت مؤسسات الدولة تعاني البيروقراطية؟ أم الحل هو العمل على إنهاء هذه الحالة من المؤسسات؟ وهل يجب أن نقوم بمشاريع من دون رقابة؟ ومن قال إن الفساد غير موجود في مجلس الإنماء والإعمار؟ وأكبر مخالفة في المجلس هو تسليم إدارته إلى رئاسة الحكومة، فيما يجب أن يدار عبر وزارة التصميم أو وزارة الأشغال.

خطة أولية


خطة ترتيب الأراضي أساسية ولكنها المرحلة الأولية من الخطة الإنمائية ولا تحل مكانها، فقانون التنظيم المدني عندما أسس في 1961 أشار في بنده الأول إلى وضع خطة ترتيب الأراضي، والبند الثاني لفت إلى أن أي مخطط توجيهي يجب أن يكون وفق خطة ترتيب الأراضي...