بعدما ساد الهدوء لفترة، عادت الأزمة البحرينية إلى واجهة الأحداث البارزة في المنطقة، لحظة انشغال العالم في الأحداث الاقليمية، عمد نظام «آل خليفة» الحاكم إلى استغلال الأوضاع والعمل على تصعيد مواجهته مع المعارضة، ضارباً بذلك أيّ فرصة لنجاح الحوار الذي كان قد انطلق.تدرّج النظام البحريني في تصعيده، بادئاً ذلك بإصراره على إجراء الانتخابات البرلمانية رغم مقاطعة المعارضة، ورغم ما شابها من عمليات تزوير تمخّضت عن مجلس تابع كلياً له، وما تبع ذلك من تشكيل حكومة جديدة تجاهلت المعارضة.

الترحيب الدولي، وخاصة الأميركي والبريطاني، والدور الذي لعبه إيان لينزي، السفير البريطاني في المنامة، لإنجاح الانتخابات، حتى بدا وكأنه موظف علاقات عامة لدى النظام، دفعا النظام نحو استكمال استهداف المعارضة، من ضمن سياق لضرب آخر أسس الديموقراطية والحريات في البلاد. استهداف بدأ باعتقال الأمين العام لجمعية «الوفاق الوطني الإسلامي» المعارضة، الشيخ علي سلمان، وتجديد اعتقاله من دون مبررات قانونية، أتبعته السلطات بإصدار حكم بسجن رئيس شورى «الوفاق» والمتحدث باسم فريق المعارضة في الحوار، جميل كاظم، ستة أشهر بسبب تغريدة عبر صفحته على موقع «تويتر»، وما رافق ذلك من حملة اعتقالات ومداهمات يومية على إثر التصعيد الأمني في الشارع، وقمع المتظاهرين بطرق عنيفة.
ويتجه «صقور» النظام، اليوم، إلى إصدار قرار يقضي بتعليق العمل بقانون «الجمعيات السياسية».
تؤكد المؤشرات
أن النيابة العامة ستحيل سلمان إلى المحاكمة محبوساً

مصادر مطلعة كشفت لـ«الأخبار» عن نية لدى النظام لإلغاء العمل بقانون الجمعيات السياسية كمقدمة لحلّ هذه الجمعيات. وكشفت عن وجود توجه لدى «صقور» النظام لإبعاد قيادات الجمعيات المعارضة، والقيادات التي شاركت في تنظيم الحراك الثوري، إلى خارج البلاد، على اعتبار أن ذلك سيكون بمثابة ضربة قاصمة للمعارضة. ولفتت المصادر إلى أن وجهة النظام ستظهر مع نهاية هذا الشهر، إما التصعيد، أو إعادة التهدئة إلى الشارع والعودة إلى الحوار.
المؤشرات لنيات النظام تقاطعت مع ما صرّح به وزير الداخلية البحريني، راشد بن عبدالله آل خليفة، إلى الصحافيين، السبت الماضي، عن أن اعتقال الشيخ علي سلمان كان مقرراً قبل الانتخابات البرلمانية، ليؤكد النية المبيتة لدى النظام البحريني تجاه قوى المعارضة.
قرار النيابة العامة، الأسبوع المقبل، في قضية الشيخ علي سلمان، سيكون فيصلاً في تحديد المرحلة المقبلة، وهو اختبار جدي وحقيقي لنيات النظام تجاه المعارضة.
غير أن المعطيات لا توحي بتوجّه النظام إلى حلّ لقضية سلمان، بل على العكس، إذ عمد النظام، إضافة إلى قمع التظاهرات السلمية بالطرق العنفيّة، وتجاهل مطالب المتظاهرين بإطلاق سراح سلمان، إلى تصعيد جديد بالحكم على رئيس شورى «الوفاق»، جميل كاظم.
محامي سلمان، عبدالله الشمري، لا يبدي تفاؤلاً حيال قرار النيابة العامة. ورأى في حديث إلى «الأخبار» أن «رفض النيابة العامة لطلبات التظلم التي قدمتها هيئة الدفاع عن سلمان وقرارها تجديد سجنه لمدة 15 يوماً مقدمة لسيناريو إحالة سلمان مباشرة إلى المحاكمة».
السيناريوات المتوقعة يوم الثلاثاء المقبل، بحسب الشمري، تنحو إلى توجه النيابة العامة لتقديم صحيفة الاتهام بحق سلمان إلى المحكمة، وإحالته إلى المحاكمة محبوساً.
جمعية «الوفاق» بدورها لا تبدي تفاؤلاً بإطلاق سراح سلمان بعد انتهاء فترة حبسه المُجددة يوم الثلاثاء المقبل.
عضو المكتب السياسي في «الوفاق»، أحمد العلوي، أكد أن كلّ المؤشرات تنمّ عن أن النظام سيقدم على إحالة سلمان إلى المحاكمة مباشرة. العلوي أوضح في حديث إلى «الأخبار» أن نتيجة اللقاءات الدبلوماسية التي عقدتها «الوفاق» مع سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا لم تكن على قدر الآمال، «فعلى الرغم من معرفة حليفَي النظام، واشنطن ولندن، بالشيخ سلمان ومواقفه السلمية منذ بداية الثورة 2011، اقتصرت مواقف السفراء على التشديد على أن يلقى سلمان محاكمة عادلة فقط، وهم يعرفون أن القضاء في البلاد يأتمر بأوامر النظام».
وبحسب العلوي، فإن «واشنطن ولندن قررتا إدخال ملف البحرين في إطار التشابك مع الملفات العالقة في المنطقة»، لافتاً إلى أن أميركا وبريطانيا قادرتان على إطلاق الشيخ علي سلمان، لو أرادتا ذلك، عبر الضغط على النظام. إلا أن هذا لن يحصل، فثمّة «ضوء أخضر أعطي للتصعيد».
وحول نيّة النظام وقف العمل بقانون الجمعيات السياسية، يؤكد العلوي، بناءً على المعطيات منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أنه لا يستبعد على النظام أن يمضي بعيداً، ويقدم على خطوة حلّ الجمعيات السياسية، واستبعاد قياداتها إلى الخارج، موضحاً أنّ «حليفَي النظام، وتحديداً الأميركي، لا يريدان استفزاز السعودية واستثارتها في هذه الفترة، ولذا فقد قررا تجاهل الأحداث الحاصلة في البلاد، مكتفيين بتصريحات لا تغني ولا تسمن».
من جهته، يرى أمين عام جمعية «المنبر الديموقراطي التقدمي» المعارضة، عبد النبي سلمان، أن الأوضاع في البحرين «تتجه نحو مزيد من التأزيم والتصعيد». وأكد في حديث إلى «الأخبار» أن «النظام قرر تصعيد الأمور وتجاهل الدعوات إلى حل الأزمة عبر حوار جدي»، موضحاً أن «سجن الشيخ علي سلمان لن يخدم النظام في درجة أساسية، بل سيخدم الجناح المتطرف الذي ربما لديه أجندة في قيادة البلاد نحو الفوضى، وهو ما لا تريده المعارضة». وبناءً على ذلك، دعا سلمان «العقلاء في النظام للضغط على القضاء للإفراج عن الشيخ سلمان تجنيباً للبلاد المزيد من التوتر». ويشدّد، سلمان، على أن قرار النظام حلّ الجمعيات السياسية وإبعاد قياداتها إلى الخارج، سيكون، إذا ما صدر، «قراراً خاطئاً لا ينمّ عن عقلانية لدى النظام، لأن الجمعيات السياسية المعارضة هي التي ضمنت العمل القانوني في البلاد، خاصة في السنوات الأربع الماضية، وهي التي حفظت البلاد من الإنجرار نحو الفوضى، وإبقاء الحراك ضمن النطاق السلمي وعدم الانجرار نحو العنف».
بدوره، شدّد الأمين العام لجمعية «العمل الوطني الديموقراطي» (وعد)، رضي الموسوي، على أن التصعيد الأمني والسياسي في البلاد يأتي في إطار تعزيز دور الدولة الأمنية الآخذ بالتصاعد منذ ثورة فبراير، مشيراً إلى أنّ «النظام يحاول استثمار المتغيرات الحاصلة في المنطقة لمصلحة تشديد قبضته الأمنية أولاً، ولاحقاً تهميش أيّ حوار مع المعارضة»، ومشدداً على أنه إذا ما «أقدم النظام على حل الجمعيات السياسية في البلاد فإن ذلك يعني أنه لم يتبق شيء من مشروع الإصلاح السياسي الذي تطالب به المعارضة»، محذراً من أنّ ذلك «سيؤدي إلى مزيد من تهديد السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي في البلاد».
ولكن كيف ستواجه المعارضة نيات النظام؟ تشدد قيادات المعارضة على أن الحراك المطلبي لن يخرج عن سلميته، وستواصل المعارضة عملها في الإطار القانوني لتحقيق مطالب البحرينيين. وعلى الرغم من ذلك، فقد أجمعت القيادات على أن النظام نجح في تدويل القضية البحرينية، وبالتالي ربط حلها في إطار حل شامل لكل قضايا المنطقة.
القيادي في «الوفاق»، أحمد العلوي، طالب «حلفاء النظام الرئيسيين بالضغط عليه للجلوس إلى طاولة حوار جدي يفضي إلى حل الأزمة»، داعياً النظام إلى عدم الرهان على ربط حل الأزمة بالتطوارت الإقليمية.