غزة | فقد الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، فجأة، جل ما ناضلوا من أجله بإضراباتهم، الفردية والجماعية، عن الطعام، لمدد قياسية تجاوزت المعروفة تاريخياً، إذ استغلت مصلحة السجون الإسرائيلية فرصة انشغال الساحة الفلسطينية، سياسياً وميدانياً، لتنقضّ على الأسرى سالبة إياهم حقوقهم.
فمنذ حادثة اختفاء ثلاثة من المستوطنين في مدينة الخليل، جنوب الضفة المحتلة، في حزيران الماضي، وخلال الحرب الأخيرة على غزة (تموز وآب)، سحبت سلطات الاحتلال معظم الإنجازات السابقة، وزادت على آلاف المعتقلين مئات آخرين، كما حكم العشرات بأحكام إدارية؛ منهم الأسير خضر عدنان الذي كان فاتح معركة الإضراب، وها هو يخوض إضرابه الثاني، هذه الأيام، بعد تجديد الإداري بحقه.
كذلك، بدأ مسلسل إعادة الأحكام القاسية والطويلة على بعض من حرروا في صفقة جلعاد شاليط، ورفضت استئنافاتهم على الأحكام الجديدة، في خرق واضح لاتفاق إخراجهم، وغياب مستغرب للوسيط المصري. وفضلاً عن التعقيدات التي تشوب زيارات الأهالي، يقف مئات الأسرى المصابين بأمراض مزمنة، كالقرحة والسكري والسرطان، على ناصية الإهمال.
مايزت إدارة السجون في طبيعة العقوبات ضد أسرى التنظيمات المختلفة

مقابل ذلك، قاد أسرى حركة «الجهاد الإسلامي» إضراباً جماعياً، الشهر الماضي، لإسناد الأسير نهار السعدي بعدما أبقي في العزل الانفرادي ثمانية عشر شهراً حرم فيها من زيارة الأهل، كما منع عنه إدخال الملابس والأغطية مع أنه مريض بالكلى. وبعد أيام الإضراب، حصل المضربون على بعض حقوقهم بالتدريج.
أما الآن، فيحل الشتاء ضيفاً ثقيلاً على الأسرى الذين يصفونه بعدوهم الأول، وخاصة مع توالي المنخفضات الجوية في ظل رداءة حالة السجون، ووجود بعض المعتقلات في الصحراء المفتوحة، كالنقب ونفحة.
«الأخبار» استطاعت التواصل مع بعض الأسرى الذين أكدوا مراراً تجنب ذكر أسمائهم حتى لا تستخدم إدارة السجون ذلك حجة لإدانتهم، إذ يوضح أحدهم، وهو مسجون في «النقب»، أن إدارة سجون الاحتلال تعمل بمبدأ «فرق تسد»، إذ فرضت عقوبات مخففة على أسرى حركة «فتح»، مقابل أخرى مشددة على أسرى «حماس» و«الجهاد الإسلامي». ومن العقوبات المشددة، تقليص ساعات الفورة (فسحة يخرج فيها الأسرى إلى الشمس والهواء) من أربع ساعات إلى ساعة واحدة فقط، فضلاً عن تخفيض قيمة مشترياتهم من «الكنتينة» (دكانة صغيرة في السجن)، من 1200 شيكل إلى 400 شيكل (1 دولار = 3.9 شيقل). أيضاً، قلص الاحتلال عدد المحطات التلفزيونية التي يمكن للأسرى مشاهدتها من عشر قنوات إلى ثلاث هي: القناة العبرية الأولى والثانية، والبي بي سي (BCC)، فضلاً عن منع دخول الجرائد العربية والمرسلات، كما منعوا زيارات الأهالي لهم ووضعت أجهزة تشويش لحرمانهم من الاستفادة من الهواتف المهربة، التي تكلفهم آلاف الدولارات لإدخالها.
لكن أحد أعضاء الهيئة القيادية لأسرى «الجهاد الإسلامي» وقادة الإضراب الأخير في سجن «ريمون»، ويدعى أبو خديجة، أقر بأن إضراب الشهر الماضي الذي خاضه أسرى «الجهاد» كان مجازفة، ولم يراع القوانين العامة للإضراب في السجون «من حيث الزمان والواقع الداخلي والخارجي» التي توافق عليها الأسرى لضمان نجاح الإضرابات، وهم استطاعوا تكوينها بناء على خبرتهم في التعامل مع إدارات السجون. ويوضح أبو خديجة أنهم، لأول مرة، يدخلون المواجهة منفردين، لكنه يؤكد أنه لم يكن لديهم خيار آخر غير الصمود، وخاصة مع وصول وضع الأسير نهار السعدي إلى نحو كارثي.
وذكر أنهم حققوا انتصاراً جديداً على إدارة السجون التي سحبت ملابسهم في ظل الطقس البارد مع توصيات مشددة من جهاز «الشاباك»، إضافة إلى أن «الوضع الإقليمي والمحلي لم يكن في مصلحتنا... لكننا حققنا مطالبنا بعد تسعة أيام من خوض الإضراب فقط»، كما أعاد إضراب كانون الثاني 2014 الاعتبار إلى سلاح الامتناع عن الطعام، كما يرى.
ومن المقرر أن يباشر الأسرى خطوات أخرى في غضون انتهاء الشتاء، لضمان خروج باقي الأسرى المعزولين، والسماح بتوسيع زيارات أهالي أسرى غزة. وستكون البداية بإرسال رسائل إلى إدارة مصلحة السجون توضح مطالبهم، وفي حال الرفض سيبدأ التصعيد التكتيكي، كإرجاع وجبات الطعام والخروج بالحقائب في الفورة، والخطوة الأخيرة من أخطر أنواع التمرد الذي ترفضه إدارة السجون، وأخيراً الوصول إلى الطرق على الأبواب والتهديد بحرق الغرف.
ويحدد عضو آخر في الهيئة القيادية لأسرى «الجهاد»، اسمه «أبو مصطفى» (سجن نفحة)، مدة شهرين للخطوات التدريجية، ثم سينتقلون إلى الخطوة الاستراتيجية، أي الإضراب المفتوح عن الطعام، إذ سيكون شهر نيسان المقبل متزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني.
وفضلاً عن إخراج المعزولين وقضية زيارة أسرى غزة، فإن من المطالب علاج المرضى، وإعادة زيارة أسرى الضفة والقدس مرة كل 15 يوماً، بدلاً من مرة كل شهرين، بجانب الانتهاء من التفتيش المهين لهم، وأيضاً استرجاع المحطات التلفزيونية العشر التي سحبت خلال العدوان الأخير على غزة، وتوسعة القيمة الشرائية في «الكنتينة». هي المطالب نفسها التي نقلها لنا أسرى في سجني «هداريم» و«جلبوع»، إذ أكدوا أنهم يعانون العقوبات نفسها، فضلاً عن نقل «أسرى حماس والجهاد» إلى سجون أخرى.
وكما يجري في كل شتاء، تمنع إدارات السجون دخول الملابس والأغطية إليهم، وخاصة الأسرى الجدد، ثم رفع أسعار المشتريات في الكنتينة، ويزيد على ذلك منع أجهزة التدفئة، وتسرب الأمطار في عدد من الغرف داخل السجون الرديئة.