اليوم تكون أربعة أعوام قد مرت على خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ذكرى تتميز عن سابقاتها لأنها تحل بعدما أنهت البلاد مرحلة انتقالية كانت طويلة بفعل تعدد الأزمات. لتونس اليوم دستورها الجديد، الذي انتخب على أساسه «مجلس نواب الشعب»، فيما فرضت فئة مهمة من الشارع خيار الباجي قائد السبسي كرئيس لولاية من خمسة أعوام.انتهت الفترة الانتقالية بنجاحاتها وإخفاقاتها، وربما كان عنوان التجربة الأمثل: لم تستكمل المرحلة انتقالية المسار الثوري لكنها بنت لطبقة جديدة حاكمة. أو بشكل واقعي أكثر، هي «ثورة شباب» قطف ثمارها سياسيون من أحقاب غابرة.
وينقسم التونسيون اليوم حول الأعوام الأربعة الماضية. البعض يرى أن «الثورة نجحت في الوقت الذي أخفقت فيه مثيلاتها»، فيما ترى فئة وازنة أن «الثورة» انقلبت على عقبيها وأعادت النظام القديم ورموزه إلى واجهة الحياة السياسية وأعطتهم شرعية وحصانة انتخابية.

وفي ظل هذا الواقع، أشار عزوف الشباب التونسي عن المشاركة الواسعة في الانتخابات الأخيرة إلى إحباط عام لدى فئة حركت الشارع لأكثر من ثلاثة أسابيع في وجه نظام أمني تجذّر في السلطة لعقود. وما يوصف بالإحباط لدى الشباب عززته نتائج الانتخابات التشريعية التي أخرجت، بدورها، من المشهد معظم الأحزاب والحركات العريقة التي كان قد شكل حراكها المعارض ضد عهد بن علي الإرهاصات الأولى ليوم «14 جانفي 2011».
أما المشهد السياسي الراهن، فهو يتجه إلى تحقيق نوع من التعايش بين تيارين أساسيين في البلاد: «نداء تونس» و«حركة النهضة»، الأمر الذي قد يحيل إلى توليفة خاصة بالمسار التونسي ضمن المحيط العربي الأعم. وإن نجحت «النهضة» بالمشاركة في الحكومة المقبلة، فسيؤكد ذلك أن تونس متجهة إلى تحقيق ذلك التعايش.
وبرغم أن خلال العامين الماضيين شكل خروج «النهضة» من الحكم الحدث الأبرز الذي سمح بالتوجه نحو الانتخابات الأخيرة، لكن لم ينته، بعد، النقاش الداخلي ضمن الحركة بشأن المرحلة السابقة. وقد يحدد التوجه العام لتلك النقاشات خلال الأسابيع المقبلة قدرتها على البقاء موحدة أو لا.
وكان وزير الخارجية التونسي السابق القيادي في «النهضة»، رفيق عبد السلام، (حكومة حمادي الجبالي) قد قال عن فترة خروج الحركة من الحكم، في محاولة لاستخلاص الدرس من تجربة حكم الإسلاميين في تونس والتعثرات التي رافقتها، «لعل أكبر الأخطاء تتمثل في التردد وعدم حسم الأمور والخيارات، سواء باتجاه عقد تسوية مع النظام القديم الماسك بأدوات السلطة على نحو ما فعل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أو الذهاب في خيار الثورة إلى نهايته وإقحام الشعب في المعركة على نحو ما جرى في أغلب الثورات الجذرية في عصرنا الحديث».
في المقابل، يذهب كثير من المراقبين إلى أن إمكانات الخريطة السياسية التونسية لم تكن لتسمح بالذهاب إلى الأقصى في «ثورة جذرية» بعد انقسام معارضي النظام السابق من شيوعيين وقوميين وإسلاميين على بعضهم وبقاء المنظومة القديمة مكتنزة كل عوامل القوة المالية والإدارية والإعلامية.
ويذهب مراقبون، أيضاً، إلى اعتبار أن من يمكن وصفهم برموز كانوا ضمن النظام القديم قد أيقنوا أنه لا يمكن أبداً العودة إلى المربع الأول وإعادة صياغة مشهد شبيه بما «قبل الثورة» حين كان يحكم حزب واحد كامل المؤسسات، ومن هنا جاءت إمكانية التلاقي والتعايش.
هناك من بنى سياساته في تونس خلال الفترة الماضية على إشاعة مخاوف من «الإسلاميين» الذين «يهددون ثقافة المجتمع التونسي»، فحصد انتخابياً. وهناك من سقط في هذه الدائرة القاتلة، فوصلت البلاد إلى «مشهد التعايش» بين «الضدين». كثر يتحملون المسؤوليات، لكن برغم كل الخسائر، فإن ذلك لا يمنع من التأكيد أن البلاد قدمت نموذجاً عربياً، يُحتذى.
(الأخبار، الأناضول)