بغداد | منح الدستور العراقي الذي صوّت عليه الشعب في عام 2005، الحرية للمحافظات بإنشاء أقاليم مستقلة تتمتع بامتيازات كبيرة بعيداً عن رقابة السلطة المركزية، ولكن جوبه مشروع الأقاليم برفض شعبي (من قبل غالبية المكونات السنية والشيعية) لأنه يسعى إلى تقسيم البلاد على أسس طائفية وعرقية.
وحدد الدستور إجراءات إنشاء الأقاليم في المادة 119 عن طريق طلب يقدم إلى مجلس الوزراء من ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو طلب من عُشر الناخبين في المحافظة التي تروم تكوين الإقليم. وكفل للإقليم أن يضع دستوراً له يحدد هيكل سلطاته وصلاحياتها، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، وتخصيص حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بالأعباء والمسؤوليات، مع الأخذ بعين الاعتبار موارد المحافظة وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.
وطرح نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد دخول القوات الأميركية إلى البلاد، فكرة إنشاء ثلاثة أقاليم مذهبية وعرقية، حيث محافظات الوسط والجنوب تمثل الإقليم الشيعي، والمحافظات الغربية تمثل الإقليم السني، والمحافظات الكردية تمثل الإقليم الكردي، ما أثار حفيظة أغلب المكونات السياسية في حينه.
وكان الزعيم السياسي الراحل، عبد العزيز الحكيم، أول شخص طرح فكرة تأسيس إقليم الوسط والجنوب في عام 2003، ويدعي مناصروه أن الدعوة جاءت بعد تأييد المرجع السيد علي السيستاني الذي يقيم في النجف، إلا أن الدعوة لم تلقَ أي ترحيب من الأوساط السياسية والشعبية في تلك الفترة.
وفي حديث إلى «الأخبار»، يقول عضو «التحالف الوطني»، عبد السلام المالكي، إن «محافظات الوسط والجنوب يرتكز عليها اقتصاد البلد، لأنها تحتوي على النفط وترتبط بعدة دول وتمتلك موانئ وسياحة دينية»، مبيناً أن «الوضع السياسي بعد عام 2003 واجه تحديات كبيرة بعد تزايد الخلافات السياسية وانهيار الوضع الأمني وتنامي دور القوى المتطرفة، ما أجّل إعلان تأسيس إقليم الوسط والجنوب الذي يضم عشر محافظات».
ويضيف أن «محافظة البصرة ستلجأ وحدها إلى إعلان إقليم مستقل، لأنها عانت خلال الفترة الماضية التهميش والإقصاء، وخصوصا أن (85.3%) من الإيرادات النفطية الداخلة إلى البلد من مصافي البصرة»، لافتاً إلى أن «المحافظة تعاني نسبة فقر بنحو 30% وتفتقر إلى البنى التحتية».
حدد الدستور
إجراءات إنشاء الأقاليم في المادة 119

ويشير في معرض حديثه إلى أن «القائمين على مشروع إقليم البصرة بدأوا تنفيذ الإجراءات الرسمية لإقامته من خلال حصولهم على تواقيع عُشر أبنائها، كما أقر الدستور»، مضيفا أن «الحركات السياسية في البصرة نظمت وفوداً لزيارة الزعامات الدينية والسياسية في بغداد والنجف بغية الحصول على تأييدها في إقامة إقليم البصرة».
من جهة ثانية، رفع أبناء المحافظات الغربية (الانبار، صلاح الدين، ديالى، نينوى) شعار تأسيس «إقليم السنة»، على نحو أساسي، خلال تظاهراتهم التي انطلقت في عام 2012 بعد إلقاء القبض على فريق حماية وزير المالية، رافع العيساوي، بتهمة الإرهاب واستمرت أكثر من عام. وتبنى عدة سياسيين هذا المشروع، أبرزهم أسامة النجيفي ورافع العيساوي واحمد العلواني وعلي حاتم سليمان.
ويقول عضو «لجنة الأقاليم والمحافظات» في البرلمان العراقي، مطشر السامرائي، لـ «الأخبار»، إن «البنية الاجتماعية بعد عام 2003 أصبح فيها شرخ كبير بسبب الشك والريبة التي ولدتها الخلافات السياسية، لذلك فإن تأسيس الإقليم السني يعد حلا لجميع الأزمات التي حصلت في الفترة الماضية».
ويرى السامرائي، وهو عضو «اتحاد القوى العراقية»، أن «إنشاء الأقاليم سيحافظ على وحدة العراق، لأن المركزية الشديدة بعد عام 2003 أدت إلى دمار المحافظات ونهب ثروات البلاد». ويشير إلى أن «المحافظات السنية تعرضت للدمار بسبب الحرب على تنظيم داعش، ما يتطلب من الحكومة المركزية اعمارها حتى لو أعلن الإقليم السني». ويوضح رؤيته بخصوص نقطة أخرى مهمة بالقول إن «الخلافات التي ستولد بين المحافظات حول الحدود الإدارية ستحل عن طريق المادة 140 من الدستور».
أما الإقليم الكردي الذي أُنشئ فعلياً خلال فترة النظام السابق، وتوسعت مساحته على نحو كبير في السنوات التي تلت التغيير، فأصبح يؤدي دورا مهما في الأحداث السياسية بعد عام 2003، وأسهم في منع إقامة حكومة قوية في بغداد من أجل تمرير مصالحهم القومية.
النائب عن «التحالف الكردستاني»، سروة عبد الواحد، تقول إن «إنشاء الأقاليم لا يعني بالضرورة تقسيم البلاد على أسس طائفية، والدستور منح جميع المحافظات حرية إنشاء أقاليم»، لافتة إلى أن «إنشاء الأقاليم سيسهم في تطوير البنى التحتية للمحافظات كما حصل مع إقليم كردستان العراق».
وتشير إلى أن «قضية محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها يمكن حلها عن طريق تطبيق مواد الدستور وجعل أبنائها يحددون مصيرهم، إمّا البقاء مع الحكومة الاتحادية، أو الالتحاق بإقليم كردستان من خلال تطبيق الاستفتاء».
ويتفق المحلل السياسي إياد الملاح، مع عبد الواحد، بالقول إن «الدستور نظم عملية إنشاء الأقاليم، ولكن الخصومة السياسية هي من أعاقت إنشاءها»، لافتا إلى أن «مدن العراق موزعة على شكل طائفي وقومي منذ زمن طويل، وأن إعلان الأقاليم سيجعلها ذات طائفة أو قومية واحدة».
ويضيف أن «الأقاليم ستسهم في تطور المجتمعات واعمار البنى التحتية ودخول رؤوس الأموال الأجنبية»، مؤكداً أن «أهالي المحافظات هم من يحدد إنشاء الأقاليم لا فئة معينة»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «العاصمة بغداد لن تكون إقليما مستقلا، كما بيّن الدستور». ويتابع الملاح قائلاً إن «محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها ستحلها المادة 140 من الدستور، لأنها تحتاج إلى استقرار سياسي».
لكن المحلل السياسي، سلام الربيعي، يقول لـ»الأخبار» إن «هناك رفضا من جانب السنّة لإنشاء إقليمهم، لأنهم سيفقدون الكثير من الامتيازات الاقتصادية بسبب افتقار مناطقهم إلى الثروات النفطية، إضافة إلى أنهم سيعلنون أنهم أقلية عددية أمام الشيعة، وهذا ما لن يرضوا به»، لافتا في المقابل إلى أن «الشيعة سيرفضون إنشاء الإقليم السني، لأنه ستترأسه قيادات بعثية ومتطرفة ويصبح حاضنة للمجاميع الإرهابية والمتطرفة مما يمثل تهديدا لوجودهم في العراق».
ويشير الربيعي إلى أن «الإقليم الكردي يتصرف كأنه دولة مستقلة، وهو تجاوز جميع الصلاحيات التي منحها الدستور، مما ولد مشاكل وتقاطعات كبيرة مع الحكومة المركزية»، مبيناً أن «الإقليم الكردي يحمل نزعة تقسيميه لأنه يحاول ضم مناطق عدة خارج حدوده، مما سيشجع السنة والشيعة على التناحر في ما بينهم حول المناطق الفاصلة».
ويزيد أن «قضية المناطق المتنازع عليها ومنها محافظة كركوك ستؤدي إلى اقتتال بين الطوائف العراقية إذا أجري استفتاء يقرر مصيرها، لأنها غيرت ديموغرافيتها لمصلحة الكرد».
ويكمل الربيعي حديثه بالقول إنّ «من الصعوبة إنشاء الإقليم الشيعي، لأن الحكومة العراقية بيدهم منذ عام 2003، وفي حال إنشاء أي محافظة إقليماً، فإن ذلك سيضعفها»، مشيراً إلى أن «الشيعة يسعون إلى التمسك بالحكم حتى لو قدموا تنازلات إلى الكرد والسنة بشأن موضوع تقرير مصيرهم».




«قانون العاصمة»

ينص الدستور العراقي في المادة 124 منه على أن «بغداد بحدودها البلدية، عاصمة جمهورية العراق، وتمثل بحدودها الإدارية محافظة بغداد». وتضيف المادة في بندها الثاني: «ينظم وضع العاصمة بقانونٍ»، مؤكدة أنه «لا يجوز للعاصمة أن تنضم لإقليم».
وفيما لم يقر مجلس النواب العراقي، بعد، قانوناً بهذا الخصوص، وهي إشكالية مستمرة منذ مرحلة البرلمان السابق، يشدد مجلس محافظة بغداد راهناً على ضرورة الإسراع في ذلك. ويرى المجلس أن أهمية إقرار مشروع «قانون العاصمة» من قبل البرلمان يمكن في قدرته على حسم عملية تحديد صلاحيات الهيئات الحكومية في بغداد. كذلك، تُعَدّ هذه القضية حيوية لأنها ستُسهم في فك اشتباك الصلاحيات الدستورية بين الحكومة الاتحادية من جهة، والحكومة المحلية من جهة أخرى.