المشاعر شيء جميل ولا بد منه، وهي قد تكون اضعف الإيمان. ولكن، في المقابل الأمر يتطلب عملاً، وإلا فقد يكون نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، اختاروا أضعف الإيمان، وهو ما لا ينفع في قضايا يقتل فيها الناس بدم بارد، ومن دون أدنى ذنب.
الأمر يشتد سوءاً وبشاعة عندما تنتشر حملات "فيسبوكية" عبر مواقع كموقع "أفاز" المختص بالحملات الالكترونية، لتوقيع "عريضة" تحت عنوان "منظمة الصليب الاحمر الدولي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اونروا: تأمين ممر آمن لخروج المدنيين من مخيم اليرموك"، والمطلوب 750 توقيعاً فقط.
العريضة طرحت عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 20 كانون أول ديسمبر الفائت، ــ موعد كتابة المقال (8/1) ـ ولم تستطع جمع أكثر من 602 صوتين.
هل هذا الرقم الصادم بقلته، يرجع لأن مخيم اليرموك وما يحدث له لا يستحق الاهتمام؟ أم لأن من هم داخل المخيم باتوا خارج حسابات المنظمات الدولية المعنية، ومنظمة التحرير الفلسطينية المعنية مباشرة؟
لا اجابة دقيقة لدي، وربما لا توجد اجابة لدى أحد، إلا أن ما أنا متأكد منه أن القضايا الكبرى، وقضايا حياة وموت واستعباد الناس، لا يمكن أن تحل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا عبر المشاعر والشعر، لكن دخول دائرة الفعل هو ما يمكن جني جدواه.
أعلم أن أغلب الفلسطينيين من أهله باتوا خارج سوريا، ومنهم من صار في لجوء جديد في دول الغرب، وهم في مطلع حياتهم الجديدة، أو قدرهم الجديد، لكن بوسعهم التحرك أكثر، عبر استغلال مناخ الحريات في تلك البلاد، والوصول والاعتصام أم المقار الدولية الموجودة في أوروبا، وهي كثيرة، وليكن كل في بلده الجديد.
يستحق اليرموك النضال أكثر، لأجل نحو 15 ألف مدني، ما زالوا داخل المخيم، ويجب أن يخرجوا، ولا أقول أن يعود المخيم إلى سابق عهده، لأن في ذلك ضروباً من الخيال، ولمن لا يوافقني فليفكر قليلاً بعقلية سياسية باردة، ولينظر للأمور، بعيداً من الانحيازات، سواء للنظام أو للمعارضة.
وأعني بضروب الخيال، ما يرد عبر صفحات التواصل الاجتماعي من قبل العديد من الناشطين، وما ينشر تحت مسميات المظلومية والعذابات الفلسطينية، وهذا صحيح نحن نحيا مظلومية جديدة، ولكن الندب لم يعد له مكان، في وقت بات علينا حقاً أن نعترف أننا وحدنا، وتم بيعنا من أبناء جلدتنا، كما من الأغراب...
المخيم المحاصر من القوات الحكومية، والمغتصب من ميليشيات المعارضة، منذ أكثر من عامين، والذي يوجد فيه نحو 15 ألف مدني، يستحقون منا العطاء ويجدر بنا الخروج من دائرة الكلام ـ وأقول هذا لنفسي أيضاً ـ إلى العمل والنزول إلى الأرض، ولفت الأنظار لقضيتهم.
على هامش القول، كان مخيم اليرموك حاضراً في معظم النشرات الإخبارية للعديد من المحطات التلفزيونية، إلا أنه الآن يكاد لا يظهر، الفضل في البداية لانحيازات القنوات، وقوة الناشطين فعلاً، ليس كلاماً. أما الآن، فالأمر بات مختلفاً، ربما لأن اتفاقاً ما جرى بين أطراف معينة حول اللاجئين الفلسطينيين كافة أو في سوريا على الأقل، أو لأن الاهتمام باليرموك، بات بأضعف الإيمان...
مدنيو مخيم اليرموك... كم أنتم وحدكم!...