القاهرة | بدأت خطوات الأزهر الشريف الفعلية في مصر، لتنفيذ دعوة الرئيس، عبد الفتاح السيسي، إلى «ثورة دينية»، إذ نتج من جلسات عمل متواصلة دشنها شيخ الأزهر، أحمد الطيب، خطوات لما سمي «إصلاح مناهج التعليم والخطاب الدعوي». وقال وكيل الأزهر، عباس شومان، إن الطيب وجه، فور انتهاء خطاب الرئيس، التعليمات بإصلاح مناهج مرحلة التعليم ما قبل الجامعي، وخاصة المقررات الشرعية واللغوية التي تميز الأزهر عن التعليم الحكومي العام.
ويقول الأزهر، الذي كان جزءاً من خريطة المستقبل بعد عزل الرئيس محمد مرسي، إن مهمته الآن التعمق في معالجات القضايا المعاصرة كالإرهاب والإلحاد، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التى تستخدمها «الجماعات الإرهابية» كذريعة لتبرير أفعالها. أيضاً، دخلت المؤسسات الدينية «الرسمية»، وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، على خط الاستجابة لدعوة السيسي، إذ أعلن وزير الأوقاف، مختار جمعة، عقد صالون ثقافي أسبوعي لـ«تجديد الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم، ومحاربة التشدد». كذلك أعرب مستشار المفتي، إبراهيم نجم، عن تأييد دار الإفتاء الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني.
وبعيداً عن «اللهفة الرسمية» في تنفيذ متطلبات «الثورة الدينية»، لا يمكن فصل دعوة السيسي عن الصراع الممتد منذ أكثر من عام بين «التيار الإسلامي العام» الذي يضم خليطاً من الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية وبعض المتدينين التقليديين، وبين المؤسسات الدينية الرسمية، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من «تصاعد الإعجاب بالأفكار السلفية الجهادية، وحالة التعاطف الشبابية مع تنظيم الدولة الإسلامية وسط السخط على تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية» في البلاد.
ويقول مراقبون إن تظهير نشاط الأزهر هدفه تغطية فراغات خلفها انسحاب الإخوان من المشهد، في مجتمع يحتل الدين فيه منزلة خاصة، ولو بشكل تراثي. وتجلى ذلك، بإعطاء حق «الضبطية القضائية» لمفتشي وزارة الأوقاف، ثم ضم المساجد الأهلية لتبعية الوزارة، وأيضاً تحديد مواقيت لفتح المساجد قبل الأذان وبعده. حتى صلوات العيد في الخلاء التي كان يشرف عليها منتسبو الإخوان والسلفيين، أمّمتها الدولة وصادرتها لـ«الأوقاف».
ولا يمكن معالجة حالة التعزيز وإحلال البديل، دون النظر إلى العلاقة القوية التي تربط السلطة بالمؤسسة الدينية وعلى رأسها الأزهر، منذ حركة الضباط الأحرار في تموز 1952، التي أجرت أول عملية «تدجين» رسمي للمؤسسة الدينية الأعرق في مصر، من بوابة القانون 93 لسنة 1961. منذ ذلك الوقت، ظل الأزهر ظهيراً مسانداً للسلطة، باستثناء سنة حكم مرسي، التي شهدت تجاذبات وتنافرات بين الطرفين، إذ كان الشيخ الطيب عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، التي كانت تضم رجال جمال مبارك.
هكذا شبّ الأزهر في الجمهورية، على القرب والدنو من السلطة أياً كانت هويتها، ما أثر في تأثيره الديني والدعوي بين الجماهير. وللإنصاف، فإن إصلاح الأزهر وتجديد الخطاب الديني أمور تبدو واقعية، لكن التخوف كان من نشاط هذه المؤسسة الدينية، الآن، جاء بدعوة من السلطة الحاكمة. وكان يمكن الاطمئنان إلى عكس ذلك، لو أن الأزهر كان هو صاحب الدعوة إلى هذا التغيير، وفق مراقبين.
وفوق مشكلة سيناء التي تبقى «شبه محصورة» في الصحراء، جاء صعود تنظيم «داعش» وتمدد الأفكار السلفية الجهادية مقابل ضعف الدولة على استخدام قوتها خارج حدودها مع تأييدها التحالف الدولي ضد «داعش»، لتكون أسباباً رئيسية في دعوة السيسي وتحريك الأزهر. إذ يرى الباحث في مركز التقدم الأميركي، مختار عوض، أن اختيار الأزهر محاولة لتوظيف «نفوذ كنز استراتيجي للمؤسسة الدينية الأقدم، في حرب يمثل الدين أداتها الأولى».
يضيف مختار: «بجانب الرئيس، توجد تصريحات لإعلاميين ومثقفين في مصر تضغط على الأزهر لمحاربة السلفية الجهادية والأصولية المتطرفة، لكونها تشكل خطراً على الأمن العام والاستقرار من وجهة نظرهم»، لكن الباحث يتلمس في دعوة هؤلاء انتهازاً للفرصة «لفرض وصايتهم وممارسة أجندتهم، وهو توجه تدعمه الدولة من باب الأرضية المشتركة في محاربة السلفية الجهادية».
ورغم ما سبق، يتخوف كثيرون من إخفاق هذه الحملة، لأن «المتطرف» لا يأخذ أحكامه الفقهية والشرعية من كتب الأزهر، بل من «فقه الجهاد» المنتشر عبر الإنترنت.